إيكونوميست: نتنياهو في ورطة

تتواصل معضلة إسرائيل في غزة مع استمرار العمليات العسكرية هناك، وهي كما تقول مجلة “إيكونوميست” أمام “ورطة قاتلة” وتجد نفسها أمام خيارات عدة، فهل تركز على هزيمة حماس، أم المدنيين، أم تحرير الأسرى أم علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

وقالت المجلة في تقريرها إن ضباطا في أحد ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي يقومون من داخل خيمة مقامة على طرف قاعدة عسكرية في النقب بمتابعة شاشة كبيرة وتظهر عليها عدد من المربعات الزرقاء التي تمثل القوات الإسرائيلية في مدينة غزة التي تبعد عن القاعدة 20 كيلومترا. ومهمة الضباط هي تنسيق عمليات البحث والتدمير لأنفاق حماس عن بعد.

وبعد أسبوعين على بداية هجومها البري في قطاع غزة، نشرت إسرائيل أربع فرق، بحوالي 10000 جندي في المنطقة. ووصلت بعض الوحدات إلى مركز مدينة غزة، أما البقية فتعمل من المناطق القريبة منها التي أصبحت فارغة تقريبا، حيث تفتشها بيتا بيتا، وتبحث عن منافذ للأنفاق. وقال أحد الضباط: “هذه فرصتنا الوحيدة لإنهاء أكبر قدر من الشبكة الأرضية”، في إشارة إلى شبكة الأنفاق التي تبلغ مساحتها 500 كيلومتر. وأضاف: “لا نعرف الوقت الذي سنواصل العمل فيه، ونحتاج إلى الاستفادة قدر الإمكان”.

وتضيف المجلة أن الدعم الغربي لإسرائيل أظهر ملامح من التذبذب، ففي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وقف إطلاق النار، حيث قال إنه دعم حق إسرائيل بالرد على هجوم حماس يوم 7 أكتوبر، مضيفا: “بحكم الأمر الواقع، هناك أطفال وسيدات وكبار في العمر قصفوا وقتلوا، ولا يوجد أي سبب لهذا ولا شرعية”.

لكن حليفة إسرائيل الوثيقة، الولايات المتحدة، لم تدع بعد لوقف إطلاق النار، ولهذا لا يضيع الجيش الإسرائيلي الفرصة. ولكنه وصل إلى نقطة حيث أصبحت أهداف الحكومة الإسرائيلية لتدمير بنية حماس العسكرية وإنقاذ 239 أسيرا بغزة، في توتر مستمر.

وتم التركيز في الأيام الأخيرة على المستشفيات في شمال غزة، خاصة مستشفى الشفاء، حيث نزح آلاف المدنيين الذين بقوا في المدينة واحتموا فيها. وقال طبيب في المستشفى الأهلي العربي، إن بنك الدم توقف عن العمل في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، مما منع عمليات نقل الدم إلى المرضى.

وتعتقد المخابرات الإسرائيلية أن مقرات حماس الرئيسية تقع تحت المستشفيات. واتهم الطاقم العامل في مستشفى الشفاء، إسرائيل بإطلاق النار عليهم والتسبب بوفيات من خلال قطع الكهرباء. وأعلنت إسرائيل في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، أنها فتحت طريق هروب من المستشفى إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى جنوب قطاع غزة. ويقول الجيش الإسرائيلي إن الأمر بشنّ هجوم شامل على المستشفى لم يصدر من حكومة الحرب التي يقودها بنيامين نتنياهو.

ولكن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الذي اعترف بناء على معلومات من “مصادر مفتوحة” تشير إلى استخدام حماس المستشفيات كمخازن للسلاح ومراكز قيادة، قال إن بلاده “لا تريد رؤية قتال داخل المستشفيات التي يموت فيها الأبرياء والمرضى الذين يتلقون العلاج بسبب القتال”، كما قال لشبكة “سي بي أس”.

وتشير المجلة إلى أن السبب وراء تردد حكومة الحرب من الهجوم على مستشفى الشفاء، هو أملها بالتوصل لاتفاق يؤدي للإفراج عن عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين، والسماح بوصول المزيد من الإمدادات بما فيها الوقود إلى غزة.

وتدور المحادثات غير المباشرة في قطر ومصر، ولكن الكلمة الأخيرة هي لزعيم حماس في القطاع يحيى السنوار، الذي يعتبر الهدف الرئيسي لإسرائيل.

ولا يعرف إن كانت أي صفقة ستوقف عمليات الجيش الإسرائيلي لتدمير منشآت لحماس تحت المستشفى أو حوله. ومن غير المرجح أن توقف الصفقة عملياته. وتحاول إسرائيل وسط المحادثات المكثفة، دفع أكبر عدد من المدنيين داخل غزة لمغادرتها والذين يقدر عددهم بحوالي 100 ألف شخص باتجاه الجنوب.

وتعلق المجلة أن رفض إسرائيل منح أي دور للفلسطينيين في غزة بعد الحرب يقوض الدعم الدولي لها، ويرغب المتطرفون في حكومة نتنياهو بإعادة احتلال القطاع وإعادة بناء المستوطنات التي فُككت عام 2005.

ونفى نتنياهو وجود خطط كهذه، لكنه أصر على سيطرة إسرائيل الأمنية الكاملة على القطاع كي تدخل وتخرج كما تشاء، وتلاحق أي خلايا مسلحة قد تظهر. كما استبعد أي دور للسلطة الفلسطينية التي خرجت من القطاع بعد سيطرة حماس عليه في 2007، قائلا إن السلطة “تعلّم أبناءها كراهية إسرائيل وقتل الإسرائيليين ومحو دولة إسرائيل” بحسب زعمه، وأن الرئيس محمود عباس “لم يشجب المذبحة الرهيبة بعد 30 يوما من وقوعها”.

ولكن إدارة بايدن تعمل على تسليم غزة للسلطة الفلسطينية بعد توقف الحرب. ويبدو نتنياهو أكثر قلقا من تراجع شعبيته وخسارة قاعدته بين المتطرفين، من قلقه على تقرير مصير القطاع لو أطيح بحماس من السلطة.

وفي إشارة إلى أنه لن يظل في السلطة للأبد، يعمل المسؤولون الإسرائيليون وبهدوء على خطط لغزة تحت حكم السلطة الفلسطينية.

ابراهيم درويش- القدس العربي

مقالات ذات صلة