“أسرار غزة التحتية”: الأنفاق حوّلتها إلى ستالينغراد الفلسطينية..

يُؤَكِّدُ جنرال إسرائيلي في الاحتياط وخبير بالجيولوجيا أن الأنفاق هي درّة تاج منظومة “حماس” العسكرية ومركز ثقلها، ولا يمكن حسم الحرب الحالية دون تحطيمها، منبهاً إلى أن ذلك يحتاج إلى عملية طويلة ومعقّدة، وبفضلها صارت غزة هي ستالينغراد الفلسطينية.

وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في تقرير موسّع بعنوان: “أسرار غزة التحتية”، نشره ملحقها، إن قائد “حماس” يحيى سنوار فكّر ببناء نفق سري داخل قطاع غزة وهو داخل السجن، عام 1998، سوية مع أسيرين من حركته هما روحي مشتهى وتوفيق أبو نعيم، تمهيداً لأسر جندي إسرائيلي وتهريبه لسيناء، وذلك استخلاصاً لعبرة من عملية فشل عملية الاحتفاظ بجندي إسرائيلي يدعى نحشون فاكسمان تمّ أسره قبل سنوات داخل الضفة الغربية.

وطبقاً للصحيفة العبرية، فقد شَرَعَ سنوار ورفيقاه في التخطيط لبناء النفق بعد مباركة زعيم “حماس” الشهيد أحمد ياسين، وفعلاً بدأ في حفر النفق في منطقة رفح الحدودية، التي كانت شهدت عمليات بناء أنفاق لغايات تهريب تجارية، فكان “نفق السنوار” النفق “الإرهابي” الأول.

في مثل هذه الأيام من تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1999، اكتشفت الاستخبارات الإسرائيلية النفق بعد حفره بطول 75 متراً، وبعمق ثمانية أمتار، وتجهيزه بتقنيات كثيرة. وتشير “يديعوت أحرونوت” إلى أن السنوار بعد 24 سنة تحوّل من أسير لرئيس “حماس”، ويسيطر على منظومة أنفاق كبرى أسفل قطاع غزة، دون أن يفعل الجيش الإسرائيلي ما يكفي لمنع بنائها، فصار النفق بطول 75 متراً لشبكة أنفاق بطول مئات الكيلومترات.

وتوضح “يديعوت أحرونوت” أن ظاهرة الأنفاق داخل قطاع غزة بدأت بعد توقيع اتفاق السلام مع مصر والانسحاب من سيناء، وشطر مدينة رفح لشطرين، فحفر سكانها أنفاقاً من أجل التواصل، وكانت قصيرة ودون منظومات تهوئة ودعم بالإسمنت المسلح.

ولاحقاً دخلت على الخط أوساط جهات جنائية بنت أنفاقاً بهدف التهريب والمتاجرة، ثم حُفرت أنفاق لتنقل عناصر “حماس” خلال ملاحقتهم من قبل إسرائيل، خلال الانتفاضة الأولى. لكن الذروة بلغت مع اندلاع الانتفاضة الثانية، عام 2000، وهي بعكس الأولى انتفاضة مسلحة تحتاج لأسلحة وذخائر، وهذا ما وفرته الأنفاق.

وحسب مصادر إسرائيلية، استخدمت “حماس” الأنفاق العسكرية الهجومية في محور صلاح الدين، قريباً من رفح، لمهاجمة الثكنات العسكرية الإسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية مثلما استخدمت أيضاً لأسر الجندي جلعاد شاليت، عام 2006.

وبعد نجاح هجمات “حماس” ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي من خلال الأنفاق، بادرَ قائده الأسبق موشيه يعلون بتعيين الجنرال يوسي لانغوتشكي (خبير جيولوجيا)، وهو ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية، مستشاراً لشؤون الأنفاق. وطبقاً للصحيفة، قام يوسي لانغوتشكي بمهمته تطوّعاً، ووضعَ تقريراً حول أنفاق غزة، عام 2005، وحذّر من خطورتها، وتنبأ بدقة بما حصل في السابع من أكتوبر، لكن أحداً لم يكترث بقرعه الأجراس. ولاحقاً جمَعَ كل دراساته عبر السنوات حول هذا التهديد في مجلد يشمل 132 مستنداً تحت عنوان: “تهديدات الأنفاق- قنبلة موقوتة إستراتيجية”.

يشار إلى أن “مراقب الدولة” في إسرائيل قد تطرّقَ، بعد حرب “الجرف الصامد”، عام 2014، إلى الموضوع، فقال في تقريره إنه فقط في عام 2013 حثّت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مساعيها لمواجهة خطر الأنفاق الهجومية والدفاعية على حد سواء، رغم أن البدء في حفرها بدأ قبل سنوات كثيرة، ورغم خطورتها.

مركز ثقل قوة “حماس”
وحسب الصحيفة العبرية، تشمل الأنفاق أسفل غزة مقرات قيادة وسيطرة وشبكات اتصال ومخازن وقود وماء وغذاء ومنصات سرية للصواريخ وغرف نوم ومخازن سلاح وآلاف الجنود، علاوة على قسم من الأسرى والمخطوفين. وتستذكر الصحيفة ما قالته السيدة الإسرائيلية يوخباد ليفشيتس، بعد إطلاق سراحها من غزة، قبل ثلاثة أسابيع، بأنها مشت مع محتجزين آخرين مطولاً داخل أنفاق، حتى وصلوا قاعة كبرى تم تجميع 25 شخصاً فيها.

وتقول الصحيفة العبرية أيضاً إن شبكة الأنفاق التي يحتمي فيها السنوار وبقية قادة “حماس”، وبُنيت، خلال الخمسة عشر سنة الماضية، بكلفة مليار دولار، لم تعد مجرد ملجأ للمقاتلين والقيادات، بل هي ذخر إستراتيجي بيد “حماس”، يشكّل مركزَ ثقل منظومتها العسكرية، وتهديداً مركزياً على تقدّم القوات الإسرائيلية الغازية المتوغلة في قطاع غزة.

وتنقل عن قادة عسكريين إسرائيليين قولهم إن الأنفاق حصنٌ كبير يحتاج الجيش الغازي لإسقاطه من أجل حسم الحرب لصالحه.

ستالينغراد الفلسطينية
وعن عملية البناء تقول “يديعوت أحرونوت” إنه من حظّ المقاومة الفلسطينية أن أراضي غزة رملية وسهلة الحفر، يمكن حفر النفق فيها بأدوات بدائية، وسط استغلال قوى عاملة متوفرة، حيث يستطيع العامل حفر عشرة أمتار يومياً، ما يجعل أنفاق “حماس” “صنعاً يدوياً” تم إنجازها بمجهود النملة، وباتت تسبّب صداعاً كبيراً جداً للجيش الإسرائيلي. وتنقل الصحيفة عن الجنرال في الاحتياط يوسي لانغوتسكي، المستشار السابق لقائد الأركان لشؤون حرب الأنفاق، قوله إن غزة بفضل الأنفاق العسكرية هي ستالينغراد الفلسطينية.

ملامح “مترو” غزة
وتستذكر الصحيفة العبرية أن قائد جيش الاحتلال قد قال، عقب عملية “سيف القدس” (حارس الأسوار)، في مايو/أيار 2021، إن سلاح الجو قد وجه ضربة قاضية لـ “مترو حماس”، في إشارة للأنفاق، لكن

سنوار عاد وقال، خلال مهرجان الانتصار، بعد شهر، إن إسرائيل تزعم تدميرها 100 كيلومتر من الأنفاق، وأنا أقول لكم إن أنفاق غزة تمتد على 500 كيلومتر، ولذا فحتى لو كانت الرواية الإسرائيلية صحيحة فهم قد هدموا 20% فقط منها”.

وترجّح الصحيفة أن “حماس”، في العامين المنصرمين، قد رممّت الأنفاق المتهدمة، بل تم تعزيزها عمقاً وعرضاً. وتشير “يديعوت أحرونوت” أن يوسي لانغوتسكي، الذي يصرخ دون جدوى منذ سنوات، محذّراً من خطورة الأنفاق العسكرية داخل القطاع وجنوب لبنان، منبهاً إلى أن هذه الأنفاق، بخلاف “المترو”، غير مبنية بشكل مستقيم، فهي مبنية في اتجاهات مختلفة، وفي عدة طوابق، ومن غير المستبعد أنها تشمل مصاعد ومرافق تتيح الحياة في باطن الرض لفترة طويلة.

يشار إلى أن “الجهاد الإسلامي” نظمت، قبل أسبوع، زيارة طاقم صحفي تابع لقناة روسية لواحد من الأنفاق، ونقلت عن المسؤول الجهادي قوله إن المقاومة الفلسطينية أعدت شبكة أنفاق استعداداً لحملة برية إسرائيلية متوقعة، وهي تتيح استمرار إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، وإن جنوده مستعدون للقتال لعدة شهور.

وتشير “يديعوت أحرونوت” أن الأنفاق عرضها متران وارتفاعها متر ونصف، لكن هناك أنفاقاً أخرى أوسع، وتستطيع المراكب السير داخلها، وفي بعضها هناك مرافق لمياه الصرف الصحي ومولدات ومنظومات طبية واتصال ومراقبة وورشات تصنيع سلاح وذخائر.

وطبقاً للمزاعم الإسرائيلية، هناك فتحات كثيرة لهذه الأنفاق داخل بيوت خاصة، ما يتيح لجنود “حماس” الخروج والتجوال في الخارج بلباس مدني، ثم العودة لمقراتهم في باطن الأرض. كما تقول إن قوات النخبة في قطاع غزة طوّرت طرقاً قتالية خاصة لخطف جنود بواسطة نفق، وهي طريقة جرّبت بنجاح خلال حرب “الجرف الصامد”، عام 2014، عندما تمكنت من أسر جنديين، علاوة على إدارة معركة استنزفت الجيش الإسرائيلي بالكرّ والفرّ، والاحتماء بالأنفاق.

وتتابع الصحيفة العبرية حول مستقبل المعركة البرية في ظل وجود هذه الأنفاق: “انتظرت “حماس” حتى أدركت أن الحملة البرية الإسرائيلية فعلاً انطلقت، من أجل إدخال جوهر قواتها القتالية لباطن الأرض، في انتظار وصول الجيش إليهم، وهو يواصل الكشف عن عشرات، بل مئات من فتحاتها، داخل كل حيّ سكني، استناداً لمعلومات استخباراتية يجمعها خلال التقدم في الميدان.

وتكشف الصحيفة العبرية أن الجيش يقوم بعد كشف كل فتحة إنزال متفجرات للنفق بهدف هدمه وبعد التفجير يخرج الغبار من فتحات أخرى، على بعد عشرات الأمتار، ما يتيح كشفها.

وتتابع: “في المرحلة الثانية، من المرجح أن يستخدم الجيش قدرات تكنولوجية، وربما عناصر من وحداته الخاصة لدراسة الأنفاق قبل تفجيرها، ومهمته الحالية في كل الأحوال سد الفتحات، وإلقاء القبض على عناصر المقاومة داخل الأنفاق، وجعل استمرار البقاء فيها مهمة أصعب، أملاً باستسلامهم وخروجهم منها”.

عملية طويلة ومعقدة
كما تزعم الصحيفة العبرية أن التوجهات العسكرية الإسرائيلية حيال الأنفاق تسير بنجاح حتى الآن، ويفاخر الجيش بوتيرة تقدّم قواته وبقلّة خسائره نسبياً، لكن الجيش لن يحقق أهدافه حتى لو سيطر على كل القطاع فوق أرضه، طالما بقيت قوات “حماس” أسفله داخل الأنفاق.

وضمن تقرير “يديعوت أحرونوت”، يؤكد الباحث الإسرائيلي المختص بحركة “حماس” غاي أفيعاد (مؤلف كتاب: “قاموس حماس”) أن “حماس” كانت تعلم أن الجيش سيجتاح القطاع بعد عملية “طوفان الأقصى”، وأنها استعدت لذلك. لافتاً إلى قدرة “حماس” على نقل قوات ومحتجزين وكل شيء من مكان لآخر عبر الأنفاق، ومواصلة إطلاق الصواريخ، والخروج منها لمهاجمة القوات المدرعة المحتلة.

ويشدد غاي أفيعاد أنه بدون التغلب على منظومة الأنفاق لن تحسم الحرب على غزة. ويضيف: “يتحدث الكل عن حملة برية، ولكن ما نحتاجه حملة في باطن الأرض، ويبدو أن مثل هذه العملية ستنتظر للمرحلة التالية من القتال، وهذه ستكون عملية طويلة ومعقدة”.

وفي هذا المضمار، قالت الإذاعة العبرية، اليوم الإثنين، إن إسرائيل تستبدل الجنود بالروبوتات في دخول الأنفاق، بعد اكتشاف فتحاتها من أجل تصويرها، والاستعلام عنها، وتمهيداً لتفجيرها.

وقال آفي غيل، جنرال في الاحتياط، لـ القناة 12 العبرية، ليلة أمس، إن “حماس” ما زالت، حتى اليوم، تحصل على ذخائر وأسلحة عبر أنفاق تهريب تبلغ سيناء، وبدعم من إيران، وسط تواطؤ ضباط مصريين، تتم رشوتهم من قبل “حماس”، داعياً للضغط على مصر لوقف ذلك.


وديع عواودة- القدس العربي

مقالات ذات صلة