التهافت على “تبضّع” الأدوية زاد… ونشطت من جديد السوق السوداء
ينتهز تجار الازمات غالباً كل فرصة او أي حدث سياسي او أمنى او اقتصادي في لبنان، لكسب أرباحا إضافية على سلع أساسية او مفقودة، فيعمدون الى رفع الأسعار بطريقة اعتباطية وعشوائية غير مبررة، او متصلة بالأحداث المتسارعة التي تجري في المناطق الحدودية الجنوبية، جراء الاشتباكات العسكرية بين المقاومة الإسلامية والعدو الإسرائيلي. فكان لافتا الارتفاع الهستيري بثمن الادوية، كذلك الامر بالنسبة لأسعار المواد الغذائية. فقد استغل حيتان الأسواق تلكؤ الأجهزة الرقابية المعنية عن أداء مهامها للحد من الفلتان الحاصل.
فالخوف من نشوب حرب وتطور المواجهات العسكرية جنوبا، امر ما زال واردا، كما ان الأمور بدأت تتدحرج نحو الأسوأ، لا سيما بعد المجزرة التي ارتكبتها “إسرائيل” في بلدة عيناتا، متخطية بذلك قواعد الاشتباك المتفق عليها في مناطق الشريط الحدودي. كما ان غارات الكيان الصهيوني طالت جبل الصافي الواقع بين قضاء جزين وإقليم التفاح، وهذه المنطقة خارج القرار 1701.
الطلب ارتفع والسعر تضاعف!
كان من الطبيعي ان يشهد قطاع الادوية ازدحاماً من قبل المواطنين، شأنه شأن القطاعات الحيوية الأساسية الأخرى خوفا من اندلاع حرب في لبنان. ان اقبال المرضى على تخزين الادوية مبرر، لكنه أيضا زاد بنحو 4 اضعاف في الأيام الأخيرة، خشية من نفاد الادوية المستعصية مثل: السرطان والضغط والسكري، او انقطاعها او احتكارها بهدف إعادة بيعها سوقا سوداء وبأسعار جدا خيالية، كما حدث في العام 2020 مع بداية الازمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
ترشيد الدواء “شعار” فقط!
وفي الإطار، كان نقيب صيادلة لبنان جو سلوم توجّه الى الصيادلة بنداء اعتبر فيه أنه “كما في كلّ ازمةٍ او كارثةٍ أكانت اقتصاديّة أم وبائيّة أم حروباً، يبرز دور الصيدلي الأساسي الذي أثبت في كل المحن التي مرّت، وطنيةً وأخلاقيّة مهنيّة وإنسانية”.
أضاف “اليوم كما في الأمس نعوّل عليكم الكثير، مقدّرين تضحياتكم في كامل القطاعات وكامل المناطق، لاسيّما الحدوديّة منها وأماكن النزوح. كما نعوّل عليكم في الوعي والتبصّر، والأخلاقيّة المهنيّة في ترشيد صرف الدواء، بحيث يُعطى كل مريض حاجته منعاً لتخزينه وتلفه فيما بعد، أو تحويله من قبل شبكات التهريب الى السوق السوداء، وبالتالي حجبه عن مريض بحاجة إليه. كما نهيب بكم الامتناع عن أي شكل من أشكال التخزين بهدفٍ تجاري، وكلنا ثقة بأنكم أبعد عن ذلك”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن ملاحقة الصيادلة المخالفين علنا، وتشميع صيدلياتهم لمنعهم من احتكار ادوية الامراض المزمنة، لبيعها بأسعار باهظة وعلى عين الدولة ونقابة الصيادلة؟
عمليا، الأمور على ارض الواقع مغايرة، وبحسب للصيدلي رافي “فإن ترشيد صرف الوصفات لا أحد يلتزم به من قبل الصيادلة، كما ان المعنيين يعون هذه الحقيقة تماما، بحيث ان المريض الذي يدفع أكثر يحصل على الكمية التي يريدها، وهنا تتغلب سطوة المال على المشاعر الإنسانية، اما حق المريض الآخر بالحصول على الدواء يبقى مرهوناً بإمكانياته المادية وقدرته على الدفع”.
وأوضح لـ “الديار” ان “أصحاب هذا القطاع لا يلتزمون بمبدأ المساواة بين جميع المرضى، ولا ينفذون القرارات الصادرة عن نقابة الصيادلة، والجدير ذكره في هذا المجال ان الهرج الحاصل حاليا بثمن الادوية على وجه الخصوص، تزامن مع تطور الاشتباكات جنوبا ونزوح المواطنين من المناطق الحدودية الجنوبية اللبنانية نحو الأماكن الأكثر امانا”.
وقال: “أصبح معظم أصحاب الصيدليات يبيعون بأسعار احتكارية، بينما يبحث المواطن غير المقتدر ماديا عن ترياقه من صيدلية الى أخرى عسى ان يجده بسعر اقل، أو بسبب احتكاره من مافيا السوق السوداء”.
وفي هذا السياق، وصلت الى “الديار” صورة تظهر ان صاحب احدى الصيدليات أفرغ بعض رفوف صيدليته من العقاقير التي تشهد طلبا متزايدا عليها، مثل الحقن المسيلة للدم “لوفينوكس” بهدف تخزينها لزبائنه المتمكنين ماديا، ليقوم ببيعها على القطعة وبسعر خيالي، ضاربا عرض الحائط سياسة الترشيد وتحذيرات النقابة.
من جهة ثانية، تنقلت “الديار” من صيدلية الى أخرى في منطقة بيروت للاطلاع على الأسعار، وكان لافتا التفاوت الكبير بالسعر ما بين صيدلية وأخرى، فعلى سبيل المثال دواء “Crestor 10 mg” يباع بسعرين مختلفين، ففي احدى الصيدليات بمنطقة الاشرفية يباع بحوالي 6 ملايين ليرة لبنانية، بينما صيدلية أخرى في منطقة فرن الشباك تبيعه بحوالي الـ 4 ملايين ليرة لبنانية. أيضا دواء اسمه “Elquis 5 mg” يباع بتسعيرتين متفاوتتين.
وعن هذا التباين قال الصيدلي فادي، وهو صاحب احدى الصيدليات في منطقة جل الديب، “ان بعض الادوية فعلا مقطوعة، ولكن عمد بعض تجّار الصيدليات الى رفع الأسعار 5 مرات، ويقوم هؤلاء بشطب السعر الظاهر على الكرتونة امام المريض، وبيعه له بسعر مضاعف يتناسب واستغلالهم. وقال لـ “الديار: “هذه العملية خلقت ارباكا كبيرا في مجالنا، بحيث ان الدواء ذاته يختلف سعره ما بين صيدلية وأخرى ومنطقة وأخرى، ونسمع انين المواطنين من هذا الأسلوب الاحتيالي، ولكن في ظل غياب المحاسبة من قبل الرقابة، فإن الفلتان سيكون دائما سيد الموقف”.
ندى عبد الرزاق- “الديار”