“وسط هذا الطوفان”…هذا ما جرى مع الإعلامية ندى عبد الصمد!
“أعتذر سلفاً من كل من يحاول الاتصال بي لاستيضاح موقفي من الأخبار التي تناولتها العديد من وسائل الإعلام والتواصل بشأن علاقتي مع BBC التي أعمل فيها بصورة متواصلة منذ 27 عاماً”.
بهذه العبارات توجهت الإعلامية ندى عبد الصمد عبر صفحتها على الفايسبوك، مباشرة بعدما انتشرت أخبار ومعلومات عن قرار فصلها من محطة الـ BBC البريطانية.
مرّ على هذا “التوضيح” أكثر من 20 يوماً، فيما لا تزال عبد الصمد تفضلّ عدم الكلام. كثر علقوا واستنكروا القرار، مطالبين وسائل الإعلام الأجنبية، بالفعل، باحترام حرية التعبير لأفرادها وطاقمها.
ويبدو أن الإعلاميين اللبنانيين يدفعون باهظاً ثمن حرب “طوفان الأقصى”، إن كان قتلاً أو تعرضاً لإصابات وجروح بالغة، وإن كان عبر التهديد بعملهم ونقل الرسالة بحرية وصدقية.
فما الذي جرى مع عبد الصمد، منذ ما يقارب الشهر، وهل صحيح أنها فُصلت عن العمل؟
نشاط تنفيذي
اللافت أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط كان أول من استنكر ما تعرّضت له عبد الصمد، وكتب يومها عبر منصّة “إكس”: “التضامن مع مراسلة الـBBC ندى عبد الصمد التي فُصلت من العمل وهي التي كانت مراسلة لإذاعة الـBBC العربية 27 عاماً، لأنها وصفت حركة حماس بالمقاومة، ولا عجب من بريطانيا التي باعت فلسطين للإسرائيليين عبر وعد بلفور”.
لكن جنبلاط نفسه عاد وكتب أمس “مصحّحاً”: “وجب التصحيح نتيجة معلومات إضافية وردت أن الصحافية ندى عبد الصمد لم تُطرد من وظيفتها في الـBBC بل جرى تعليق عملها الى إشعار آخر”.
فأين الحقيقة؟ والأهم هل من استهداف للإعلام، وسط هذا “الطوفان” وهذه الحرب؟
في معلومات “النهار”، إن عبد الصمد، حتى كتابة هذه السطور، معلّق نشاطها التنفيذي في المحطة، أي إنها لم تُفصل بعد، بانتظار “تحقيق” يجرى داخلياً من جانب المحطة.
وعبد الصمد التي ترفض التصريح حالياً، أو التعليق على أي خطوة، لا بدّ أنها تنتظر نتيجة التحقيق، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، بمعنى أن واجبها المهني والتزامها، يحتّمان عليها عدم البوح قبل انتهاء التحقيق وصدور القرار النهائي. وهذا ما يعلل صمتها، منذ اللحظة الأولى لتداول خبر فصلها.
… وأبعد من قضية عبد الصمد، لا بدّ من سؤال: هل من “نمط” يُعتمَد في وجه الإعلام؟ وهل المسألة اقتصرت على عبد الصمد؟
وفق معلومات “النهار” أيضاً، إن القرار شمل أيضاً الإعلامية سناء الخوري من المحطة نفسها، فأيّ هامش بين حرية الصحافي أو الإعلامي والتزام سقف المؤسسة الإعلامية وخطوطها العريضة؟
لعل هذه هي الإشكالية المطروحة الآن، والتي يعاد طرحها دوماً عند كل صراع أو حرب أو اشتباك؟
وفق “تجمّع نقابة الصحافة البديلة”، “ما يجري مرفوض تماماً، لأن لا أساس مهنياً له، بل هو أتى تحت ذريعة تدوينات بشأن الأوضاع الإنسانية في فلسطين”.
ويستغرب التجمّع أن “مؤسسات إعلامية دولية ترفع عادةً شعار الدفاع عن الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان تعمد الى مثل هذا التصرف، بحق الزميلتين ندى عبد الصمد وسناء الخوري من شبكة “بي بي سي”، علماً بأنهما صحافيتان معروفتان بمهنيّتهما العالية وبتاريخهما الصحافي العريق”.
وإذ يؤكد التجمّع أن “هذه الأساليب الترهيبية التي تستخدمها وسائل الإعلام لن توقفنا عن رفع صوتنا ونقل الحقيقة والوقوف إلى جانب الإنسان، مهما كان الثمن”، تلفت الى أن “BBC بدأت أخيراً، التحقيق مع عبد الصمد والخوري، بسبب تدوينات، ما يكشف انحياز المحطة لأحد طرفي النزاع وعدم وقوفها على الحياد”.
سوابق أخرى
ولعل قضية عبد الصمد ليست الأولى في هذا السياق، فقد سبق أن فُصل، قبل أكثر من عام، الإعلامي باسل العريضي من محطة “دويتشه فيله” الألمانية، والإعلامية دينا أبي صعب وغيرها من قناة France 24.
عامها، اتخذ قرار فصل العريضي (مدير مكتب بيروت في محطة “دويتشه فيله”) وفرح سالم ومرهف محمود وداود إبراهيم المدرّب في أكاديمية المحطة والذي يعمل Freelancer مع المحطة. واللافت أن سبب الفصل كان “تغريدة” تعود الى عام 2014، أو أكثر دقة، تعليقاً على تغريدة، حمل الرقم العاشر في الردود، ويعود عمره الى 7 أعوام!
كان العريضي يومها قد ردّ على أحد التعليقات، كاتباً “إن كل من يتعامل مع الإسرائيليّين خائن ويجب إعدامه”.
وقد عُلّل سبب الصرف من جانب المحطة، بأن “الإعلاميين نشروا في الأعوام الماضية تعليقات معادية للسامية على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام أخرى، ونُشرت تلك التصريحات على حسابات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي”. علماً بأن بعض المنشورات حُذفت في وقت لاحق.
هكذا، يبدو أنه لا يزال هناك دوماً خيط رفيع بين حرية التعبير عند الصحافي، والخط العريض للمؤسسة الإعلامية، حتى بالنسبة الى القضايا الإنسانية التي تُعدّ من المسلّمات!
منال شعيا- النهار