أبي عبيدة “الأسطورة التي تنافس نصرالله”…وباسم يوسف: من يحمي “رواية” المقاومة؟

أبي عبيدة وباسم يوسف: من يحمي “رواية” المقاومة؟

يقول ثعلب السياسة الأميركية وزير خارجيتها الأسبق هنري كسينجر إنّه “ليست لإسرائيل سياسة خارجية، وإنّما سياسة داخلية فقط”. وحسب كسينجر، الذي تجاوز عامه الـ100، فإنّ لهذه السياسة الداخلية انعكاسات يظنّها قادة إسرائيل سياسة خارجية. يؤكّد هذا القول أوري سافير، المدير العامّ لوزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق (1993-1996) وكبير المفاوضين وواحد من صنّاع اتفاق أوسلو، ثمّ أحد مؤسّسي “مركز بيريز للسلام”، في مقالة له بموقع “المونيتور” عام 2015.

يقول سافير إنّه “باستثناء العلاقة مع أميركا، تركّز السياسة الخارجية الإسرائيلية على إقناع المجتمع الدولي بسرديّتها الخاصة حول مظلوميّتها الدائمة، حيث تحاول كسب تعاطفه. وغالباً ما تقوم هذه السياسة على حملات الدبلوماسية العامّة بدلاً من المصالح المشتركة”. والحال أنّ هذه هي مشكلة حركة حماس الكبرى، مذ بدأت رحلة صعودها مروراً بوصولها إلى حكم قطاع غزّة عام 2006، وصولاً إلى يومنا هذا.

حتى إنّ خطاب حماس يتماهى في بعض النواحي مع السردية الإسرائيلية، مع التوجّه إلى جمهورين شديدي الاختلاف. فقد اعتبر رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في مقابلة مع قناة “الجزيرة” في 1 تشرين الثاني أنّ حرب غزة هي “معركة مصيرية بين من يؤمن بالتسامح والتعايش وبين النازيين”.

شبكات التواصل

منذ تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، وما أعقبها من حرب إبادة تشنّها إسرائيل على أهل غزّة، ركّزت حماس على توجيه سرديّتها إلى الشعوب العربية فقط. وظهرت أنّها تفتقر إلى أيّ إعلام يتوجّه إلى الغرب، يمكن من خلاله تثمير عملية طوفان الأقصى في السياسة. وحوّلت قضية الأسرى إلى نوع من الشراكات المتداخلة مع عدد من الدول مثل قطر أو تركيا أو روسيا، لا ترتقي إلى التحالف السياسي، المقتصر فقط على إيران وحدها.

بيد أنّ لهذه السياسة العاطفية، العروبية والإسلامية، محاذير شديدة الخطورة على النتائج التي كانت تتوخّاها من العملية، وأبعد من ذلك على مستقبلها السياسي، وحتى على القضية الفلسطينية برمّتها.

– الملاحظة الأولى هي أنّ حركة حماس التي أعدّت بإتقان مذهل لعمليّتها العسكرية أغفلت تماماً الجانب الإعلامي. كان بإمكانها أن تستغلّ حالة الذهول التي ضربت إسرائيل من القمّة الى القاع، والتي استمرّت أغلب ساعات نهار يوم السبت 7 تشرين الأول، من أجل تسويق سرديتها للعملية وبأنّها تندرج ضمن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أو ضمن إطار الردّ على انتهاكات المستوطنين للمسجد الأقصى وحياة الفلسطينيين المقيمين في مدن الضفة الغربية. حتى إنّ المسؤولين السياسيين للحركة تأخّر ظهورهم على محطات التلفزة لأيام.

والجانب الذي أغفلته حركة حماس، ملأه الفلسطينيون والعرب عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي حفلت بالصور والفيديوهات الساخرة. هذه الموادّ شكّلت الأساس الذي استندت إليه حكومة بنيامين نتانياهو من أجل تسويق مظلوميّتها لدى الغرب، حتى لو اضطرّت إلى التزوير واستخدام الذكاء الصناعي مثلما فعل نتانياهو نفسه، حين سوّق قيام مقاتلي حماس باغتصاب وحرق الأطفال الإسرائيليين. وهو ما وجد رواجاً سريعاً جداً بلغ أعتاب البيت الأبيض الذي تبنّى سيّده علناً هذا التزوير، ثمّ عاد وتراجع عنه بعد سويعات.

الغياب الدبلوماسيّ

تتذرّع حماس بأنّها محرومة من الظهور في الإعلام الغربي، ومحظورة على شبكات التواصل الاجتماعي. بيد أنّ نشاط المؤثّرين العرب أثبت أنّه بالإمكان تجاوز تلك القيود والمحظورات، حيث نجح هؤلاء في إحداث تغيير في الرأي العامّ الغربي بشكل واضح. أبعد من ذلك،

هذا ما أثبتته مقابلة الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، التي حقّقت نجاحاً أسطورياً (أكثر من 20 مليون مشاهدة في أسبوع). ما دفع بالأخير إلى إجراء مقابلة ثانية مع يوسف. وهذا يؤكّد مدى الحاجة إلى التحدّث مع الغرب بلغته وأسلوبه. لا بل وصل الأمر إلى استنكار مورغان لمجزرة جباليا.

Israel deliberately bombing Gaza’s largest refugee camp, even if a Hamas commander was there, is outrageous and indefensible. pic.twitter.com/zCO79dL3vg

UPDATE: My interview with @Byoussef was the most-watched in @PiersUncensored history with 20m+ views on YouTube. So I flew to LA to sit with him for a much longer & quite extraordinary face-to-face conversation. The 2-hr special airs tonight 8pm.Don’t miss it.. pic.twitter.com/9UMemUbAuE

– الملاحظة الثانية هي أنّه كان بإمكان حماس الاستعانة بالجهاز الدبلوماسي التابع للسلطة الفلسطينية المنتشر في بلاد الغرب من أجل خوض معركة دبلوماسية دفاعاً عن الشعب الفلسطيني وحقّه السليب، لا تقلّ أهمية عن المعركة العسكرية على الأرض. لكنّها أهملت تماماً هذا الجانب بشكل مثير للاستغراب. وكلّما جرى توجيه سؤال إلى رئيس حماس في الخارج خالد مشعل في إطلالاته الإعلامية عن سبب عدم التنسيق مع السلطة الفلسطينية، وإن كان الدافع إلى ذلك الخلاف معها، كان مشعل يتملّص من الإجابة بأنّ “هذا ليس أوان الكلام في الخلافات الداخلية”؟

كذلك فعل مسؤولو حماس الآخرون. ولا أدلّ على مدى الحاجة إلى الدبلوماسيين الفلسطينيين من حجم التأثير الذي أحدثه السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط، الذي كشف عن مهارات فكرية وثقافية ودبلوماسية هائلة خلال حواراته مع كبريات محطات التلفزة الغربية، وصار تراند على شبكات التواصل الاجتماعي. ليس الأمر قاصراً على زملط، فهناك أيضاً حنان عشراوي، أحد أبرز رموز النضال الفلسطيني النسائي لسنوات، والتي تجيد مخاطبة العقل الجمعي الغربي، وغيرها الكثير.

مصطفى البرغوثي يعدد لـCNN أسباب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. شاهد ما قاله تعليقًا على تدهور الأوضاع https://t.co/iM9ji6EGXP

أثبت باسم يوسف وحسام زملط كم نحن بحاجة إلى اتباع هذا الأسلوب الإعلامي في كلّ القضايا العربية، وفي طليعتها القضية الفلسطينية. يكفي الاطّلاع على التعليقات الهائلة للجمهور العربي، وحتى من كارهي باسم يوسف، ومن معارضي السلطة الفلسطينية، لمعرفة مدى توق الجماهير العربية إلى اتّباع هذا النهج.

صناعة الأسطورة… التي تنافس نصرالله

فلماذا لم تعيّن حماس ناطقاً باسمها باللغة الإنكليزية إلى جوار أبي عبيدة لمخاطبة الغرب؟ لا سيما أنّها تعلم قبل غيرها أنّ ظهوره المقنّع يثير الفزع في أوساط الجمهور الغربي؟

ببساطة لأنّها لا تتوجّه إلى الغرب، بل إلى العرب حصراً. وهذا مكمن الخطأ الأساسي خلال التحضير لهذه العملية. لأنّ الرأي العام الغربي هو الذي سمح بحملة المجازر والإبادة التي تعرّض لها القطاع.

– الملاحظة الثالثة هي أنّ حماس تتدرّج في تحويل أبي عبيدة إلى أسطورة لدى الجمهور العربي على النمط نفسه الذي سار عليه الحزب. الأمر الذي يشير إلى أنّ لديها سياسة إعلامية. وقد نجحت إلى حدّ كبير في خلق هالة أسطورية حول أبي عبيدة، جعلت اسمه يتردّد في الشارع العربي بشكل هائل.

على الرغم من أنّ الخطاب السياسي لحماس منذ طوفان الأقصى حاول قدر الإمكان الامتناع عن توجيه انتقادات للأنظمة العربية، لا بل أثنى ولو بخفر على بعض المواقف، إلا أنّ الخطاب الشعبي لأبي عبيدة تدرّج حتى أرسل انتقادات مبطّنة للأنظمة العربية، بشكل حفّز على السخرية منها على النطاق الشعبي على شبكات التواصل الاجتماعي. وتأتي هذه الإشارة لتصبّ الزيت على نار السردية النقدية للدول العربية بشدّة تخرج عن إطار العفوية. خصوصاً أنّ هذه السردية خلت بشكل غريب من أيّ انتقاد لإيران التي لم تخرج فيها تظاهرة واحدة لنصرة الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يشير إلى وجود أصابع تحرّك هذه الانتقادات وترشدها إلى المواضع التي يجب التركيز عليها.

تؤكّد كلّ هذه العوامل أنّ حماس تتوجّه في خطابها وسرديتها نحو العرب حصراً بما يخدم أهدافها الداخلية وكذلك أهداف محور الممانعة بإشاعة الفتن في الوطن العربي وتأليب الشارع على الأنظمة تمهيداً لضرب استقرارها. وعليه كيف يمكن لحماس أن تنتظر دعم الدول العربية؟ فأيّ نظام هذا الذي يدعم منظمة تعمل على النيل منه أمام شعبه وسائر الشعوب العربية ليل نهار؟

حتّى نظام الأسد امتنع عن تقديم الدعم لحماس.

سامر زريق- اساس

مقالات ذات صلة