بعد الانحياز الصريح…باريس تصحح مسارها

شهدت باريس ومدن فرنسية أخرى نهاية الأسبوع تظاهرات ضخمة مؤيدة للشعب الفلسطيني ومنددة بمواقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المؤيدة لاسرائيل. ورفعت لافتات تطالب بوقف القصف على غزة وتتهم الرئيس الفرنسي بانه متواطئ مع الجانب الإسرائيلي.

واقع الحال ان موقف الرئيس الفرنسي في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما بعده لأكثر من أسبوع كان الاستمرار بتكرار “حق إسرائيل بالدفاع عن النفس” ثم ضرورة ضرب “حماس الإرهابية” من دون التطرق الى معاناة الفلسطينيين. وتشرح أوساط فرنسية مسؤولة لـ”النهار العربي” ان باريس اتخذت هذا الموقف أولا لأن لها 39 مواطناً قتلوا في الهجوم وعدداً من الرهائن لدى “حماس”، وانه “لم يكن ممكنا الا ان تدين مجموعة إرهابية مثل حماس”. اما بالنسبة الى دعوة ماكرون الى تحالف دولي على غرار التحالف ضد “داعش” فتقول الأوساط نفسها ان ماكرون رجل براغماتي وتراجع عن هذه الدعوة واستبدل بها دعوة الى تحالف من اجل السلام والامن.

فماكرون، بعد زيارته كلا من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أدرك ان لا مجال لانشاء مثل هذا التحالف ضد “حماس” وبدأ يغير موقفه مطالباً بهدنة إنسانية. لكنه مثل نظرائه في الاتحاد الأوروبي لم يطلب وقف اطلاق النار. وترى الأوساط أن وقف اطلاق النار لاتريده إسرائيل ولا “حماس” لأن القتال يخدم الاخيرة في حشد الرأي العام، كما ان إسرائيل عازمة على الانتقام. وعندما يدور الحديث حول تبرير عدم الدعوة الى وقف اطلاق النار مع كبار المسؤولين في فرنسا يكتفون بالتركيز على الهدنة الإنسانية وبعد ذلك يأتي وقف اطلاق النار .

وتشير الوقائع الجديدة الى ان الرئيس الفرنسي وفريقه يحاولان الآن اجراء بعض التصحيح في الموقف المنحاز كلياً لإسرائيل بعد الهجوم الوحشي على غزة وقتل أكثر من9000 من المدنيين. فقد دعا ماكرون الى مؤتمر إنساني في التاسع من الشهر الجاري، وزارت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الاحد قطر والتقت اميرها الشيخ تميم وأعلنت من هناك عن تطابق في الرأي مع الدوحة حول الضرورة الملحة لتقديم المساعدة الإنسانية الدائمة الى غزة وضرورة الهدنة الفورية وعن “العمل معاً من أجل المؤتمر الإنساني في باريس”.

وكانت الخارجية الفرنسية أعلنت ان زيارتها تهدف الى التوصل الى هدنة إنسانية وتجنب تصعيد إقليمي يؤدي الى اشتعال المنطقة، والعمل على مسعى سياسي لايجاد طريق السلام.

وفي أبوظبي بحثت كولونا مع نظيرها الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد إمكان التوصل الى هدنة إنسانية.

وكان ماكرون حاول بعد زيارته مصر في 25 تشرين الأول إظهار بعض التوازن في موقفه إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما قال إن “هنالك غضباً كبيراً في الرأي العام في المنطقة من عدم حل القضية الفلسطينية ومن عدم احترام الاتفاقيات التي كان تم توقيعها، وحقا شرعياً للشعب الفلسطيني في ان تكون له أرض ودولة، وتنبغي العودة الى معالجة هذا الموضوع والتقدم الى حل سياسي، وانني اتحمل مسوؤلية القيام بذلك والا سنبرر الذين يقولون ان الوسيلة الوحيدة لمعالجته هي العنف”. وأرسل ماكرون الى غزة عبر مصر سفينة وطائرة للمساعدات الإنسانية.

لكن الأوساط المسؤولة في باريس تعي تماماً أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصد نتيجة ما زرعه. فقد بذل كل الجهود كي تضرب “حماس” السلطة الفلسطينية، واليوم هو المسوؤل الأول عن سياسة إسرائيل منذ زمن طويل وقد أعاق أي جهود نحو حل سلمي. وفي الرؤية الفرنسية ان غياب اليسار الإسرائيلي والأحزاب المؤيدة للسلام في إسرائيل جعل أي تحرك نحو حل غير ممكن. وتلفت الأوساط الى ان باريس تعتقد حاليا ان إسرائيل في وضع الانتقام “لأن ما جرى يصعب تصوره واستيعابه من الجانب الإسرائيلي”.

وترى المصادر أن إسرائيل غير مدركة ماذا ستفعل بعد تخلصها من “حماس” بعد الحرب، فمجموعة “حماس” قد تمثل 30 الف عضو ولكن سكان غزة اكثر من مليونين، فماذا ستفعل بعد هذه الحرب؟ لا احد يعرف وليس لنتنياهو رؤية لما بعد هذه الحرب ولما سيكون موقف تحالفه الحكومي بعد ذلك.

وفي خصوص الجبهة اللبنانية، تتوقع الأوساط الفرنسية المسؤولة بعد خطاب الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله المساند لـ “حماس”، ان لا يغير الحزب شيئاً على المدى القصير في عمله العسكري ولو ان “حماس” تتمنى ان يساعدها اكثر. وترى الأوساط الفرنسية أن ايران التي تحرك وكلاءها، “حزب الله” و”حماس” و”الحوثيين” لا تريد حالياً اشعال الجبهة اللبنانية.

وأكدت الأوساط نفسها ما قاله نصرالله عن أن لا أحد من حلفاء “حماس” كان يعرف عن هجوم “حماس”على إسرائيل، مشيرة الى أن “لدى باريس كما واشنطن معلومات مؤكدة ان ايران لم تكن على علم بعملية حماس قبل ان تحدث في 7 تشرين الاول، علما ان سلاح “حماس” وتدريبها وتمويلها يأتي أساسا من ايران”.

رندة تقي الدين- النهار العربي

مقالات ذات صلة