ردود الفعل الإسرائيلية على خطاب “الأمين العام”: بين الراحة والخوف من المفاجآت

ردود الفعل الإسرائيلية على خطاب نصر الله بين الشعور بالراحة والدعوات للحذر من مفاجآت

ردّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على تحذيرات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الواردة في خطابه الأول منذ نشوب الحرب على غزة، بتحذير مضاد بقوله «إن أي غلطة يرتكبها حزب الله سيكون ثمنها أكبر مما أنتم تتخيلون». تزامنا مع خطاب نصر الله قال نتنياهو في مؤتمر صحافي بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الذي كان قد وصل البلاد صباح الجمعة للمرة الثالثة «بما يتعلق بالشمال أعود وأكرّر القول لأعدائنا: لا تخطئوا التقدير معنا فأي خطأ سيكون ثمنه باهظا جدا». جاءت تحذيرات نتنياهو على خلفية تهديدات سافرة ومبطنة تضمنها خطاب نصر الله التي قال فيها إن «كل الخيارات في الجبهة اللبنانية مفتوحة وهي رهن التطورات داخل قطاع غزة وتصرف إسرائيل حيال لبنان، فالتدهور نحو حرب شاملة واقعية وعلى العدو فهم ذلك». وفي بيان ألقاه بعد اجتماعه مع بلينكن في القدس المحتلة أوضح نتنياهو أن إسرائيل ترفض التوصل الى وقف لإطلاق النار بدون إعادة المخطوفين في التزامن. وأضاف أن إسرائيل لا تسمح بإدخال الوقود إلى القطاع وتعارض تحويل الأموال الفلسطينية المستحقة إلى غزة.

بدون خطوط حمراء محددّة

عدا نتنياهو التزم الجانب الإسرائيلي الصمت حيال كلمة حسن نصر الله وسيبدو أن هذا مقصود وينبع من الرغبة بتحاشي التصعيد حتى في التهديدات اللفظية خوفا من اشتعال الجبهة الشمالية تزامنا مع الحرب على غزة. لكن الناطق بلسان نتنياهو الخاص بوسائل الإعلام الأجنبية إيلون ليفي سخر من خطاب نصر الله بقوله في منشور «أي حفّار ثرثار هذا الذي يختبئ داخل خندق كالجبان». بعدما اكتفى نصر الله بتهديدات عامة لم يحددّ فيها خطا أحمر واضحا يعني انضمامه للحرب بحال تجاوزته إسرائيل داخل قطاع غزة قال إيلون ليفي في شريط فيديو نشرته وزارة الدعاية الإسرائيلية إن «حسن نصر الله أعلن عدم خوفه من البوارج الأمريكية لكن الولايات المتحدة بعثت برسالة عبر حاملتي طائرات في عرض البحر المتوسط». كما قال هليفي بلغة ساخرة «إننا أصغينا للخطاب الطويل والملتوي لحسن نصر الله وأنا اعترف بأن الكلمة كانت مملة جدا إلى درجة أنني لا أعرف إذا ما كان كاتب خطابات نصر الله قد قتل في عمليات القصف الإسرائيلي». وتابع هليفي في حملته المتغطرسة على نصر الله: «تنبهّت أنه رغم الجمهور الواسع نصر الله لم يكن على المنصة بل اختبئ داخل نفق. لو كنت أقدم خطابا طيلة ساعة ونيّف أدافع فيه عن مغتصبي حماس كنت أنا أيضا أخاف إظهار وجهي علانية». ووجهت الإذاعة العبرية العامة انتقادات لموقف ليفي وقالت إن هناك جهات إسرائيلية تواصل الاستخفاف بالعدو دون تعلم دروس ما حصل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

نصر الله حذر لكن علينا الحذر من التفاؤل

في تعليق على كلمة نصر الله قال الجنرال في الاحتياط دكتور ميخائيل ميليشتاين مدير وحدة الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، إنه علاوة على الشبهات بأن الخطاب ينطوي على تضليل استراتيجي من الواجب التركّز بالتزامه بالعمل في حال باتت سلطة حماس أمام تهديد كبير وتابع «تعلمنا شيئا في السابع من أكتوبر: التواضع». وقال ميليشتاين إن حسن نصر الله لم يظهر بصفته الأمين العام لحزب الله فقط بل كان مندوبا لمحور الممانعة في الشرق الأوسط بقيادة إيران. وفي قراءة الكلمة قال ميليشتاين إن نصر الله في صلب كلمته امتدح محور المقاومة في تعزيز موقعه كالجهة التي تملي أجندة الأحداث في الشرق الأوسط: حتى قبل شهر تمحور الخطاب السياسي في المنطقة بدفع عملية تطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل وهذا موضوع قد تبخّر وأخلى مكانه لنزاع تاريخي.
كما قال ميليشتاين إنه بما يتعدى الاستمتاع بأن عيون كل العالم كانت موجهة له في انتظار ما سيقوله، فقد حرص نصر الله على طرح نفسه كمن يقف في الجانب الصحيح من التاريخ بقوله إن حليفته حماس نجحت في توجيه واحدة من أشد الضربات التي تلقتها إسرائيل منذ إقامتها. كما قال ميليشتاين في هذا السياق إن نصر الله قد أشار لمساهمته في دعم المقاومة الفلسطينية على شكل اشتباكات متواصلة في الحدود الشمالية تعطل قوات إسرائيلية كثيرة بغية تخفيف الضغط على غزة. ويضيف في قراءته: «الثقة بالنفس التي أغدق بها نصر الله تجلت بمدائحه غير الحذرة بالقدر الكافي لميليشيات شيعية في العراق وسوريا هاجمت قواعد أمريكية». في المقابل يرى ميليشتاين أن نصر الله ولجانب امتداح الذات واللغة العالية واحتقار إسرائيل بما في ذلك الاستمتاع في تكرار استخدام موتيف «بيت العنكبوت» امتاز الخطاب بالحذر بكل ما يتعلّق بالالتزام بتصعيد الخطوات ضد إسرائيل.

ومضى في قراءة الخطاب: «صحيح أن نصر الله قد أوضح أن تدخل حزب الله في الاشتباك لم ينته لكنه في نفس الوقت على تكبده خسارة موجعة باستشهاد 57 من رجال المقاومة. واعتبر ميليشتاين أن توجه نصر الله الحذر تجلى أيضا في تعبيره المتكّرر عن الاستخفاف بتهديد الولايات المتحدة المتمثل ببوارج عسكرية في البحر المتوسط، وهذا بنظره تأكيد على تحسب إيران وحزب الله فعليا منها. وينبه ميليشتاين أنه من ناحية إسرائيل من المحظور أن يشيع هذا المضمون الحذر جوا من التفاؤل في إسرائيل وتابع «بخلاف المستمعين العاديين جدير بصناع القرار ومسؤولي المؤسسة الأمنية الامتناع عن فهم خطاب نصر الله بأنه خفيف ويعكس مشاعر خوف لدى نصر الله. السابع من أكتوبر علّم إسرائيل درسا موجعا في التواضع بكل ما يتعلّق بتقدير نوايا العدو». كما اعتبر في تحليله المنشور في موقع «واينت» العبري أن هناك واجبا إسرائيليا بالتمحّور بتوضيح نصر الله بأن ردود حزب الله تشتق من طبيعة العمليات والتطورات في غزة، ففي حال تعرضت حماس لضربات دراماتيكية كقتل قادتها من الممكن أن يشعر حزب الله بضرورة تصعيد قوة خطواته وهذا أمر من شأنه الانزلاق بسرعة لحرب واسعة في الشمال. «خطأ» ارتكبه في 2006 لا يوجد ضمانة بأن لا تسوقه ديناميكية معينة لارتكاب ذات الخطأ مجددا». واعتبر موقع عبري «شأن مركزي» أن خطاب نصر الله وخطاب نتنياهو يوم الجمعة تضمنا تهديدات فارغة متبادلة جلها سياسة داخلية صغيرة لخدمة مصالح ضيقة.

وتابع «نصر الله ونتنياهو (نبحا) الواحد نحو الآخر بتهديدات معروفة تحدث كل منهما لجمهور هدفه بخبث متوقع». كما قالت إن نصر الله هذه المرة لم يستخدم معادلات مقابل إسرائيل على شكل إن فعلتم كذا سنفعل كذا، مكتفيا بتهديدات كثيرة مفتوحة. وقال محللها للشؤون الفلسطينية ايلور ليفي إن هناك خيبة أمل عربية شعبية من عدم إقدام إسرائيل على إنذار بدخول حربها على غزة. من جهته قال البروفيسور إيال زيسر الخبير بشؤون الشرق الأوسط أن الصورة مركبّة أكثر مما تبدو معتبرا حماس تنظيما مستقلا عن إيران وإن حزب الله أقرب لها.

بين بيروت وغزة

واعتبر زيسر المحاضر في جامعة تل أبيب أن هناك حاجز خوف إسرائيليا من حزب الله، لكن نصر الله يفهم أن الإسرائيليين مستعدون أكثر من أي وقت مضى لحرب شاملة مع حزب الله رغم الخسائر الموجعة المترتبة على حرب شاملة في الجبهة الشمالية بعد السابع من اكتوبر، مثلما يدرك أن بيروت ستبدو كغزة. ويتابع «علينا عدم الاستخفاف به ولكن علينا الكفّ عن الخوف من حزب الله فالجيش الإسرائيلي أكثر عددا وعدة وسلاحا متطورا. نصر الله خائف من إسرائيل أكثر من أي وقت مضى ولكن علينا عدم الاستخفاف به». وردا على سؤال الإذاعة العبرية العامة حول ضربة إسرائيلية استباقية ضد حزب الله قال زيسر إن حزب الله حذر ولن يبادر لمغامرة ومواجهة مفتوحة بسبب موازين القوى وخوفه من تدمير لبنان، وهو يعمل وفق مفهوم أن المياه الهادئة أكثر تغلغلا للعمق وأكثر خطورة ومع ذلك الجيش يأخذ الحيطة والحذر ومتواجد بكثافة في الحدود الشمالية».

وعن المستقبل قال إن هناك فارقا بين حماس المحاصرة وبين حزب الله الموجود في حالة جيوسياسية مختلفة تماما وتابع «لا نستطيع للعودة لواقع ما قبل السابع من أكتوبر في الحدود الشمالية أيضا، فالإسرائيليون ظهرهم للحائط ولن يرتدعوا من دفع ثمن لعدم تكرار ذلك في الشمال أيضا. هناك فرصة لتغيير الواقع الأمني في الشمال الآن». ويرى زيسر أن المشكلة مع قائد مثل نصر الله توجهاته الدينية الغيبية منذ رعته إيران التي تفهم هي الأخرى خطورة الحرب المفتوحة في الشمال خاصة بعد رؤيتها مشاهد الدمار في غزة، مذكّرا بمقولة نصر الله بعد حرب لبنان الثانية إنه لو كان يعلم أن عملية أسر الجنود الإسرائيليين ستؤدي لحرب لما قام بالعملية.

يشار أنه قبيّل خطابه كانت التقديرات في جهاز الأمن الإسرائيلي هي أن نصر الله هو الذي سيتخذ القرار بشأن الحرب، بعد مشاورات مع إيران، وأن «نصر الله يتخوف من أن المشاهد في غزة ستتكرر في بيروت، وهو مرتدع من القوات الأمريكية التي وصلت للمنطقة». في المقابل ضجت منتديات التواصل الاجتماعي الفلسطيني بعدما عبرتّ أوساط واسعة من المعقبّين عن خيبة أملها من الحذر الشديد لنصر الله في مقابل أوساط أخرى أبدت تفهمها لأقواله وأفعاله في نطاق قراءة الصورة العامة – الفلسطينية والعربية والدولية.

وديع عواودة- القدس العربي

مقالات ذات صلة