الانقسام حول خطاب نصر الله يتصاعد فلسطينياً ولبنانياً

تتوالى ردود الأفعال على خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله، أمس الجمعة، لتعكس انقسامًا عميقًا في قراءته، حتى داخل أطراف محور المقاومة بالمنطقة. ويسلك الانقسام مسارين وقراءتين: فلسطينية ولبنانية.

ورغم أن خطاب نصر الله الأول بعد عملية “طوفان الأقصى”، كان مشحونًا بالرسائل ووضع الأهداف والمحددات وسقوف المعركة على الجبهة الجنوبية في المرحلة المقبلة، إلا أن التفاعلات معه والانقسامات كانت مبنية على استنتاج واحد، وهو: لم يعلن نصر الله الحرب.

في الأيام التي تلت إعلان حزب الله لموعد إطلالة نصر الله، كانت معظم التقديرات المنطقية والقراءات المدركة لسلوك حزب الله العسكرية، تذهب إلى أن الخطاب لن يكون حتمًا موعدًا لإعلان حرب أكثر شمولًا واتساعًا. بل رجحت التوقعات أنه سيحمل مواقف تصعيدية عالية السقف، وهو ما حصل، وعلى هيئة شروط أمام إسرائيل ومن خلفها واشنطن مقابل عدم انخراطه الأعمق في الحرب.

ونصر الله الذي نقل الصراع إلى مواجهة مباشرة مع واشنطن، باعتبارها مالكة قرار الحرب، وأنه جاهز ومستعد وأعدّ العدة لأساطيلها، حاول القول، أنه المدافع الأول عن حركة حماس رغم عدم علمه المسبق بعملية “طوفان الأقصى”، وأنه انخرط في الحرب من يومها الثاني، وقدم شهداء، وأدى ذلك لتهجير أبناء القرى الجنوبية الحدودية.

لذا، فإن الهدفين اللذين وضعهما، هما وقف العدوان الاسرائيلي على غزة، وعدم السماح لإسرائيل، وتحت أي ظرف، أن تقضي على حماس. بمعنى آخر، إن الانتصار المرتجى بخلاصة خطاب نصر الله، والذي قال إنهم يسجلون الأهداف “بالنقاط وليس بالضربة القاضية”، سيكون بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة مع بقاء حركة حماس على رأس القطاع ومواصلة دور جناحها العسكري المقاوم، ومن دون تحقيق إسرائيل لأي هدف عسكري، مع ربط ممارساتها لعمليات الإبادة بحق الفلسطينيين، بعجزها عن كسر المقاومة.
فكيف تجلت ردود الأفعال؟
منذ مساء أمس، اتسعت رقعت ردود الأفعال الانقسامية حول خطاب نصر الله، وبلغت ذروتها في صفوف ناشطين ومحللين، وحتى بين الأوساط الشعبية التي غلب عليها طابع السخرية المضادة، لكنها تجلت في وجهتين: فلسطينية ولبنانية.

الوجهة الفلسطينية

فلسطينيًا، ما هي إلا دقائق على انتهاء الخطاب، حتى توالت ردود الأفعال في الأوساط الشعبية الفلسطينية ولدى محلليها. وقد اعتبر معظمهم أن خطاب نصر الله سيشكل ارتياحًا لإسرائيل وواشنطن، كونه لم يقرع طبول الحرب من لبنان، وأنه كان مخيبًا لأبناء قطاع غزة الذين ترقبوا إعلانه لمستوى أعلى من الدعم العسكري، حتى يخفف عنهم آلة الإبادة والوحشية الإسرائيلية. وأن موقفه يعني استمراره بالمعركة كما بدأها في قواعد اشتباك جديدة جنوب لبنان منذ الثامن من تشرين الأول، وأنه لن يوسع الصراع إلى مستوى اشتعال الحرب من الجبهة الشمالية بالكامل.

ولعل أكثر نقطة أثارت سخطًا وسجالًا في الأوساط الفلسطينية، هو لدى قول نصر الله أن قتل المدنيين في الجنوب ولبنان عمومًا، سيبادله بالمثل بقتل المدنيين في إسرائيل. إذ اعتبر هؤلاء أن نصر الله لم يشمل أبناء قطاع غزة، الذين يرزحون تحت أقسى محرقة إسرائيلية منذ حصار القطاع في 2007، بمعادلة “المدني مقابل المدني”. وبأنه لم يوجه تهديدًا صريحًا لإسرائيل بتوسيع الضربات والهجمات عليها إذا واصلت ضرب المدنيين في غزة.

كذلك لامت بعض الأوساط الفلسطينية نصر الله، لكونه لم يهدد إسرائيل بالعقاب إذا واصلت الضغط بإقفال معبر رفح.

ورغم أن حزب الله يواصل دور الاشغال والاستنزاف لقوات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن القراءة الفلسطينية الشعبية اعتبرت، بعد خطاب نصر الله، أن نسق المواجهة والمعارك التي يخوضها، لم ترق بعد إلى ما كانوا ينتظرونه من أقوى حليف في مواجهة إسرائيل، لا سيما أن نصرالله هو أول من أطلق شعار وحدة الساحات.

كما ذهبت بعض التحليلات لاعتبار أن هذه الحرب، أثبتت أن مراكمة حزب الله لقوته وترسانته العسكرية، هو ضمن مشروعه اللبناني، وأنه ما كان ليحصل على أفضل من هذا الظرف الراهن للانقضاض بكل ما أوتي من قوة على إسرائيل، في مسار عملية التحرير الكبرى.

الوجهة اللبنانية

أما على مستوى حزب الله وآراء شريحة واسعة من جمهوره، فإن موقف الفلسطينيين وأهالي غزة مفهوم بالمعنى الإنساني، ولا يلامون على ما يقولون في ظل جنون إسرائيل بعدوانها ومجازرها وتهديدها بتهجير أبناء القطاع المحاصر. لكنهم في المقابل، يعتبرون أن ثمة تقليلًا مبالغًا من قيمة دور الحزب، والأهمية الاستراتيجية والعسكرية لجبهة الجنوب التي تشكل أكبر تهديد لإسرائيل.

كما تساءل كثيرون منهم عن مطالبة حزب الله بأكثر مما يقوم به، مقابل التغاضي عن الأداء المخجل والمخزي لمعظم الدول العربية و”الإسلامية” وصولًا إلى تركيا. حيث أن معظم من يملكون أوراق ضغط على واشنطن وتل أبيب، بالاقتصاد والغاز والدبلوماسية، لم يستعملوا شيئًا منها لوقف هذا العدوان، وكأنه موافقة ضمنية على استمراره حتى هزيمة حماس.

وتعتبر أوساط حزب الله ومؤيديه في لبنان، أن خطاب نصر الله بلغ درجة عالية من الاتزان والحنكة في مخاطبة إسرائيل وواشنطن، وأنه وضع أمامهما سقفًا عاليًا باشتراط وفق العدوان وانتصار حركة حماس. وأن هذا السقف، شكل تمهيدًا لمسار جديد من العمليات العسكرية على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.

وواقع الحال، يرى كثيرون بأن نصر الله لم يسمح لإسرائيل بجر حزب الله إلى رقعة المواجهة الإقليمية، التي قد تشكل أفضل مخرج لها بنقل آلة الصراع والحرب إلى الدفة الأميركية واستدراج إيران إليها؛ علمًا أن هذين الطرفين لا يبديان حماسة بتوسيع رقعة الحرب. ومع ذلك، بدا أن نصر الله متمسك بدوره الهجومي تصاعديًا، حين ربط مسار حركات المقاومة بالمنطقة ومبادرتها لعمليات أوسع وأكبر شمولًا لكل الجبهات، بسياق المسار العسكري والعدواني لإسرائيل.

أما لبنانيًا، فقط أعاد خطاب نصر الله الانقسام إلى مربعه الأول بين مؤيدي وخصوم المقاومة وحزب الله. حتى أن ما عكسه الخطاب من ارتياح على الداخل اللبناني الذي يخشى بكل أطيافه وقوع الحرب، شكل مادة نقد، من الذين يتهمون حزب الله بالاستئثار بقرار السلم والحرب وبجر لبنان إلى الصراعات الإقليمية.

والسؤال ما بعد الخطاب: هل فعلًا أضحى وقوع الحرب الشاملة والعدوان الإسرائيلي على لبنان هو المطلب للتأكد من موقع حزب الله في الصراع؟

المدن

مقالات ذات صلة