جنبلاط يرى يرى تحولات في المنطقة: هنا تكمن هواجسه!

تحمل دعوة الرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، لوقف تصفية الحسابات السياسية في هذا الوقت، رسالة واضحة لكل المختلفين مع “حماس” راهناً بألا يكونوا بوقاً دعائياً لصالح الاحتلال الذي يوظف كل ما يتوافر لديه في سبيل حملاته الدعائية.

ومع إستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة تتكثف هذه المساعي، تحديداً تلك المتعلّقة بتسليط الضوء على أصوات عربية رافضة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وتصنّفها بـ”المتطرفة”، إستكمالاً للدعاية التي بدأ بها الاحتلال بعد عملية طوفان الأقصى على أن “حماس” مثل “داعش”.

وجنبلاط هو أبرز الأصوات العربية التي تفاعلت بشكلٍ واسع على الفيديو المنشور عبر قناة “القاهرة والناس” المصرية، ويتضمن تصريحاً للكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى الذي شن هجوماً حاداً على “حماس” معتبراً أن الحركة مُتطرفة ومارست القتل والتفجير وحرقت بيوت وكنائس ومؤسسات المصريين. قال جنبلاط: “يا لها من مأساة أن يخرج علينا هذا الصوت المُخجل في أوج صمود غزّة. كفانا تصفية حسابات”.

والحال إن موقف جنبلاط ينطلق من هواجس لتصفية القصية الفلسطينية، عبر الاستفراد بفصائلها، وصولاً للسلطة الوطنية الفلسطينية في وقت لاحق، مما يهدد بضياع القضية. يمثل هذا الامر الهاجس الأكبر لجنبلاط الذي يرى تحولات في المنطقة، ومشاريع جديدة ستطيح الستاتيكو القائم الآن، وهي نقطة استشراف للمستقبل، دفعته لرفع الصوت ودعوته لوقف آلة القتل الاسرائيلية للفلسطينيين في غزة والضفة وسائر الأراضي المحتلة.

وكان ابراهيم العيسى، واحداً من مجموعات عربية زادت انتقاداتها لـ”حماس” وللفلسطينيين في وقت واحد، وبدت في موقع الممهد والمدافع عن التطبيع. وبرز بين المطبّعين في وقت سابق، الإعلامية الكويتية، فجر السعيد، التي نشرت في حسابها في “إنستغرام” تصريحات هجومية على حركة حماس، قائلة: “مين اللي بدأ الحرب حماس أم إسرائيل؟!!! الإجابة حماس، ‏إذن أي رد إسرائيلي على الهجوم يعتبر دفاعاً عن النفس، ‏بعدين اللي يقولي عن تجاوزات الإسرائيليين فليسأل نفسه من بدأ في ذلك. ألم تبدأ حماس المخالفات بقتل الأسرى الإسرائيليين مخالفة لكل القوانين العالمية الإنسانية”.

وفي السياق، نشر موقع معهد الدراسات الأمني الإسرائيلي باللغة العربية مقابلة مع من قال إنها ناشطة مصرية، وتدعى داليا زيادة، إعتبرت خلال المقابلة بأنّ 75% من مشاكل المنطقة هي بسبب حماس وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. وإشتعلت المنصّات الرقمية بالردود على هذه التصريحات، فيما صنّف المتفاعلون هذه الأصوات بأنّها صهيونية وتعمل لدى الأجندة الدعائية الإسرائيلية.

آلة دعائية صهيونية
والحال أن الاحتلال الإسرائيلي يُركّز عبر مؤسساته المعنية للإستفادة القصوى لتعزيز حملته الدعائية، بهدف حرف الأنظار عن عدوانه المستمر والوحشي على قطاع غزّة، في محاولة لنقل السردية للعالم بأنّ “حماس” هي المسؤولة عما حدث، وهي من بدأت بالقتل والإرهاب وقطع الرؤوس. يسعى الاحتلال إلى حشد رأي عام عربي من خلال بعض الأصوات العربية كتلك الواردة أعلاه على سبيل المثال لا الحصر، والتي تقوم على تنميط “حماس” على أنّها جماعة إرهابية، مستفزاً المشاعر العربية التي عانت سابقاً من تطرّف وإجرام تنظيم “داعش”.

والواقع أنّ هذه السياسات الإسرائيلية ليست جديدة، بل هي نتاج عمل وجهد مُمنهج ومُنظمّ داخل مؤسسات دولة الاحتلال في سياق توظيف وسائل الإعلام التقليدي والرقمي لحشد رأي مؤيد لممارساته، ولحرف الأنظار عما يرتكبه من إنتهاكات وجرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني. لذا أطلق، قبل سنوات، وسائل إعلام ومنصّات ناطقة باللغة العربية للتأثير أو بالحد الأدنى للتمكّن من الخرق داخل الرأي العام العربي.

وخلال شهر آب/أغسطس الماضي، كشفت منصة “مسبار” تقريراً عن الصحافي المقرب من أجهزة الأمن الإسرائيلية إيدي كوهين حمل عنوان: “إيدي كوهين: كيف يعمل على إثارة الجدل وتضليل الرأي العام العربي؟”

ويعد حساب كوهين من بين العديد من الحسابات الإسرائيلية المنتشرة باللغة العربية وتستهدف المواطنين العرب. وبحسب دراسات سابقة أجراها متخصصون، فإن هذه الحسابات تحاول اختراق صفوف العالم العربي، من خلال التحدث معهم بلغتهم الأم، لنشر الأكاذيب والدعاية المضللة بهدف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وتبييض صورته وعرض أجندته السياسية، وتشويه سمعة المقاومة الفلسطينية بحسب ما ورد في التقرير.

وما ينشره إيدي كوهين والحسابات الإسرائيلية الأخرى الناطقة بالعربية، يسير على نهج نشاط توجهه دوائر الدعاية الإسرائيلية “هاسبارا” وهي أداة تعمل على نشر الدعاية الإيجابية عن إسرائيل في الخارج، وتساعد في تصوير إسرائيل على أنها ضحية، بينما تعمل كأداة تستخدم ضد الفلسطينيين.

غير أن النقطة المضيئة، أن هذه الأصوات العربية لا تُشكّل تأثيراً في الشارع العربي، ويزداد الكره لها وتُصنّف بالخائنة، بالرغم من مساعي الاحتلال الإسرائيلي لنفخ هذه الفقاعات عبر وسائله المُتعدّدة لا سيّما في ظل إستمرار العدوان الوحشي الذي أشعل معظم الساحات العربية بالاحتجاج وأعاد إحياء القضية الفلسطينية على أنها القضية الأولى للعرب والمسلمين.

وبدا أن الحسابات مخالفة لما توقعته إسرائيل، ففي أيام السلم لم يتماهَ الشارع العربي مع دعايته، فهل يعقل أن يتمكن من تكوين ذلك اليوم وفي كل دقيقة تجتاح المنصّات الرقمية صور مجازره التي لم يشهدها التاريخ الحديث؟

راغب ملي- المدن

مقالات ذات صلة