رهان على خرق رئاسي قبل 10 كانون الثاني…او عام آخر من الشغور؟

فيما كان من المتوقع وصول وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي نهاية تشرين الأوّل الجاري إلى لبنان في استكمال لمسعى الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني حطّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الدوحة صباح أمس في زيارة رسمية التقى خلالها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الحكومة وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، فيما كان لافتاً تكليف الخليفي استقبال رئيس حكومة لبنان في مطار الدوحة.

طغت حرب غزّة وتداعياتها على الداخل اللبناني والستاتيكو العسكري على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية على مجمل محادثات ميقاتي في الدوحة. لكن هذا الملف الإقليمي الساخن والذي قد يستدرج انفلاشاً لرقعة التوتر في المنطقة برمّتها شكّل الممرّ لطلب ميقاتي من المسؤولين القطريين ليس فقط تدعيم حزام الآمان لإبقاء لبنان بمنأى عن كرة نار الحرب، بل التدخّل مجدداً على خط الملف الرئاسي الذي دخل الثلاجة بفعل حرب إسرائيل على غزّة.

وفق معلومات “أساس” تمّ التداول في اللقاء الذي جمع ميقاتي بالرئيس نبيه بري في عين التينة بالأفكار التي سيطرحها رئيس الحكومة على أمير قطر وعنوانها الأوّل إحداث خرق في الشغور الرئاسي الذي يسجّل عامه الأول غداً، فيما لم يكن البيان الصادر عن لقاء الرجلين الذي تحدّث عن “الهدوء والروية” في معالجة الشغور العسكري والرهان على “النتائج المرجوة” سوى إشارة إلى المعالجة التي قد تتأتى من الخارج وليس عبر الحلول المحلية.

بهذا المعنى، يقوم ميقاتي بزيارة جسّ نبض لمعرفة مدى استعداد قطر للاستمرار في مسعاها الرئاسي كوسيط نظراً لكونها الأكثر مرونة في مخاطبة طهران وواشنطن والسعودية وهو الأمر الذي عجزت عنه باريس، ومن الأكثر ديناميكية على خط الملفات الساخنة من ضمنها غزّة، وكون ميقاتي يرى أن هناك فرصة في ظل الإعصار الاقليمي الذي يلفح لبنان لإعادة تحريك المياه الرئاسية الراكدة إذا تأمّن التوافق الداخلي أوّلاً.

كما أنّ الموفد القطري “أبو فهد” الذي كان من المفترض أن يحضّر لزيارة وزير الدولة القطري محمد الخلفي غادر لبنان في 23 الجاري بعد أيام من اندلاع حرب غزّة، فيما المستشار في السفارة القطرية في بيروت مشعل الكواري “أبو محمد” كان من ضمن الوفد القطري الذي قام بجولات على القوى السياسيّة وهو لا يزال موجوداً في لبنان كونه من طاقم السفارة. وثمّة تعويل لدى ميقاتي لزيارة يقوم بها الخليفي كان منتظراً يَستكمِل من خلالها مهمّة تقريب وجهات النظر بين “المعسكرات” اللبنانية المعنية بالملف الرئاسي والربط مع أصحاب القرار في الخارج.

تأتي زيارة ميقاتي وسط ورطة كبيرة لرئيس الحكومة المعني بإيجاد مخرج لشغور قيادة الجيش بعد شهرين وعشرة أيام وانسداد المخارج السياسية والقانونية للتمديد والتعيين، فيكون أحد الحلول المحتملة إحداث خرق في جدار الرئاسة ما قد يؤدي إلى انفراجات متتالية على رأسها التعيينات.

في المقابل، تبدو المهلة الفاصلة عن استحقاق قيادة الجيش قصيرة جداً لإنجاز استحقاق رئاسي بهذا الثقل والتعقيد، وثمّة من يروّج لعام آخر من شغور رئاسة الجمهورية ما يقتضي الاستمرار في سياسة الحلول المؤقتة بما فيها التمديد لقائد الجيش في موقعه. وفيما كان ميقاتي لا يزال في قطر وصلته دعوة النائب وائل أبو فاعور، نيابة عن وليد جنبلاط، “لعقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء لأجل التمديد لقائد الجيش وتعيين مجلس عسكري، من ضمنه رئيس الأركان، لأننا في شبه حالة حرب”.

في قراءة لمتابعين أنّ “انتخاب رئيس للجمهورية في هذا التوقيت بالذات، ورغم صعوبة تحقيقه وليس استحالته، من شأنه أيضاً أن يحدّ من إمكانية أي جنوح لدى اسرائيل في توسيع رقعة اعتداءاتها في جنوب لبنان خصوصاً إذا بقي نزيف غزة مستمر لأشهر طويلة، كون هذا الانتخاب أو التحضير له يؤشّر إلى انخراط دولي وإقليمي في المسار السياسي في لبنان”.

يرى هؤلاء أنّ التسوية التي قد تولد من بين ركام حرب غزّة وتوتر الجبهة الجنوبية مع شمال إسرائيل قد تأخذ أحد هذين المسارين: انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية ضمن تسوية يكون التيار الوطني الحر خارجها، وإمّا انتخاب مرشّح آخر ضمن تسوية تكون القوات اللبنانية خارجها. وفي الحالتين يكون هناك غطاء مسيحي لهذا الإنتخاب، فيما من المؤكّد أنّ الظرفين الإقليمي والدولي ورقعة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية في غزّة ولبنان ونتائجها سيكون لها التأثير المباشر على “بروفيل” الرئيس المقبل”.

مع ذلك، تعطي مصادر مطلعة زيارة ميقاتي إلى الدوحة أبعاداً أخرى مرتبطة بزيارته السابقة إلى أبو ظبي في 5 تشرين الأوّل ولقائه رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد.

في الوقت الذي أتت فيه الزيارة تحت عنوان “اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة افتتاح سفارة دولة الإمارات في بيروت، وتشكيل لجنة مشتركة لوضع آلية لتسهيل إصدار تأشيرات دخول اللبنانيين إلى الإمارات”، فإن العارفين يشيرون إلى الطابع الخاص أيضاً الذي غلّف هذه الزيارة حيث بقي ميقاتي لفترة أطول في الإمارات لإدارة بعض “البيزنس” الخاص به. لذلك يرى مطلعون أنّ زيارة الدوحة أتت أيضاً ضمن إطار إيجاد “توازن” مع زيارة الإمارات التي توقفت عندها الدوائر المعنية في كل من قطر والسعودية.

ملاك عقيل- اساس

مقالات ذات صلة