سلاح “السوشيال ميديا” في الخندق… فوضى مطلقة

تأتي أحداث غزة في عصر السيطرة التامة لمنصات “السوشيال ميديا” على حياة الجمهور، حيث التغطية في بث مباشر ببساطة من دون الحاجة إلى معدات معقدة، وإذ مشاهد القتل والقصف والتدمير تحظى بالمتابعة لحظة بلحظة، والهواتف سلاح فعال في خندق الحرب.

وخطفت مواقع التواصل الاجتماعي انتباه المتابعين الكامل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي انطلقت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، ومنذ هذا التاريخ يتساقط الضحايا المدنيون بالآلاف وأغلبهم أطفال، بالتالي اللقطات المروعة تجد طريقها سريعاً إلى الإعلام البديل البعيد من المؤسسات الإعلامية النظامية، وإلى جانب طرق التحايل الإبداعية على الخوارزميات التي تقيد منشورات تلك الحرب بخاصة في منصات “ميتا”، فإن السكان الهواة يقومون بتغطية الحرب بأنفسهم في ظل استهداف الصحافيين “أكثر من 30 مراسلاً ما بين قتيل وجريح”، لكن هل “السوشيال ميديا” كانت وسيلة بالفعل لنقل الحقيقة أم أن شهوة التزييف عصفت بها أيضاً؟

المتابع لتوجه تعليقات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالأخص من غير العرب سيجد أن هناك نسبة منهم بالفعل تبدلت آراؤها أو في الأقل باتت أكثر حيادية، مقارنة بالأيام الأولى من الصراع، إذ باتوا يطرحون وجهة نظرهم التي تحمل بعض اللوم للطرف الإسرائيلي، خصوصاً بعد إصرار بعض الهواة العرب على تدشين صفحات معنية بنشر صور الضحايا الفلسطينيين المدنيين بلغات أجنبية متعددة، معتبرين أن وسائل الإعلام غير الناطقة بالعربية بشكل عام تغض الطرف عن هذا الجانب.

فيما دأبت صفحات إسرائيلية على نشر أفكار في الاتجاه المعاكس، تتضمن شهادات مستمرة من عائلات ضحايا عملية “طوفان الأقصى” الذين يصلون إلى 1400 قتيل إضافة إلى الأسرى، والشهادات المتواترة من الطرفين كان من المستحيل أن تتفرغ لها أية وسيلة إعلام تقليدية، كما أنها لا تخضع لأي معايير مهنية في ما يتعلق بشروط استعراض الصور الحساسة التي تتضمن عنفاً ومشاهد دموية، بالتالي فإن “السوشيال ميديا” هي الساحة التي اتسعت لكل المتناقضات، فماذا فعلت تلك المنصات؟ وهل أثرت بالفعل في توجهات تعاطف بعضهم أو مواقف بعض المسؤولين؟ أم أن سلسلة التدوينات والصور والفيديوهات الملفقة تقلل كثيراً من صدقيتها وتفسد أي نجاح لها؟

المدونون العرب يواجهون التحيز الإعلامي

بات من المعتاد أن نصادف تدوينات متعددة هدفها تعريف الجماهير حول العالم بحقيقة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وأصله، بل بعضهم يعتقد أن المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت عواصم أوروبا وبعض مدن الولايات المتحدة الأميركية تضامناً مع حق الشعب الفلسطيني والمطالبة بالتوقف عن استهداف المدنيين العزل من ضمن المحركات الأساسية لها هو دأب مجموعات عربية كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مشاركة منشورات وتعليقات يحاولون من خلالها إيضاح الصورة من وجهة نظرهم، معززين شهاداتهم بصور حية حقيقية للمتأثرين بنيران الحرب.

وتبدو هذه الطرق أقرب لما يعرف بصحافة المواطن، إذ يلتقط السكان بأنفسهم صوراً للأوضاع ويسردون قصتهم كما حدثت من دون وسيط يقوم بتحريرها ويقتطع منها ما يشاء وما يتوافق مع سياسة منصته، وهي ظاهرة كانت التفت إليها الباحثة في جامعة الشرق الأوسط الأردنية حنان كامل إسماعيل، إذ قدمت في عام 2013 دراسة بعنوان “دور المواطن الصحافي في الحراك السوري من وجهة نظر قادة الرأي الإعلامي العربي” كان من أهم نتائجها أن “صحافة المواطن تحولت إلى أداة مهمة لإيصال المعلومة، خصوصاً في غياب الإعلام التقليدي والتعتيم الإعلامي ومنع الصحافيين من التغطية في مناطق شهدت حراكات سياسية وشعبية”.

ولفتت إسماعيل إلى أن هذا النوع من الصحافة برز بشكل خاص خلال تغطية الحراك العربي عقب العقد الأول من القرن الـ21، ووصفتها الباحثة بأنها مرادف أو بديل في أحيان أخرى عن الإعلام بشكله التقليدي، وهو الرأي الذي يتفق معها فيه جزئياً فقط متخصص الإعلام الرقمي بالجامعة الأميركية بالقاهرة ذفادي رمزي، الذي يدعو إلى الحذر من الاستناد إلى هذا النوع من الإعلام واعتباره مصدراً معتمداً للمعلومات، مشيراً إلى أن “السوشيال ميديا” لها بالطبع ميزة أساسية في هذا المضمار، كونها تنقل الحقيقة كما جرت بشكل مجرد وتلقائي وسريع على ألسنة المواطنين وبصور هواتفهم الشخصية النقالة، لكن في المقابل تتسبب في خلل معلوماتي من خلال تعمد نشر قصص مفبركة وخاطئة من طرفي النزاع، منوهاً إلى أنه لا يمكن أن يعتمد الإعلام الرقمي بديل أمثل ودائم للإعلام التقليدي ولكن يمكن اعتباره وسيلة مكلمة لمحاولة رسم صورة متكاملة أقرب للدقة، فالاعتماد على أحدهما لن يقود إلى الصدقية الكاملة بأية حال من الأحوال وبالتالي يمكن أن يكملا بعضهما بعضاً.

القنوات الإخبارية متأخرة بخطوة

هذه الفوضى المعلوماتية التي تحدث عنها متخصص الإعلام الرقمي، لا تنفي أبداً أن وسائل الإعلام نفسها يمكن أن تغير خططها في التغطية وطرق استعراض المحتوى بناء على لقطة عابرة جرى تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتصنع منها قصصاً وتكشف عن كواليسها بمهارة، وبالتالي ففي بعض الأوقات هذه المنصات هي التي تقود المشهد في وسائل الإعلام الاحترافية رفيعة المستوى.

التأثير الكبير للإعلامي البديل ربما هو ما جعل متخصصة الإعلام التربوي بجامعة القاهرة سهير صالح أكثر حماسة له، واعتبرته شيئاً إيجابياً في مجمله لا سيما في ما يتعلق بالوضع الراهن المتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، مشيرة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مجموعة من الهواة غير المتفرغين نجحت في تغيير الصورة النمطية الخاطئة لدى المواطن الأميركي والأوروبي.

واعتبرت صالح التي تشغل عميد المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق أن المظاهرات الضخمة بشوارع عدة مدن عالمية التي خرجت للتنديد من هول المشاهد في غزة التي راح ضحيتها المدينين العزل بغزة كانت حصاد تلك المجهودات التي قام بها المتطوعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال منشورات وفيديوهات تترجم بلغات مختلفة يخاطبون بها ثقافات لا تدري شيئاً عن الشرق الأوسط، مشددة على أن الإعلام العربي الرسمي لا يزال ضعيفاً في مخاطبة الآخر، وبالتالي “السوشيال ميديا” قامت بهذا الدور نيابة عنه في هذا التوقيت الحرج، إذ تعتقد أن الصورة تغيرت بالفعل بعد أيام قليلة من سيطرة الصوت الواحد المؤيد للجانب الإسرائيلي.

وأضافت الأكاديمية المصرية “الإعلام البديل هنا كان على قدر المسؤولية ولمسنا للمرة الأولى ربما الدور الإيجابي الذي قام به في ما يتعلق بالرد على الأكاذيب المضللة وفي دحض التزييف وإظهار الجانب الآخر من المشهد التي تحجبه بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى عمداً”، مشيدة بلقاء الإعلامي والكوميديان المصري باسم يوسف مع المذيع البريطاني بيرس مورغان، مؤكدة أنه أسهم بشدة في تصحيح الصورة لدى متابعيه من مختلف أنحاء العالم الذين شاهدوا لقاءه بشكل أساس عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي وتداولوا مقاطعه بكثافة.

أطنان من المعلومات المزيفة

في المقابل فإن ظهور فيديوهات ملفقة وصوراً غير حقيقية على نوعية الصفحات نفسها بهدف الترويج لها باعتبارها فرصة للحصول على أكبر قدر من المتابعين يجعل من الضروري الانتباه، ومن أبرز الأمثلة انتشار صور مصنوعة بالذكاء الاصطناعي لما قيل إنه مخيمات للنازحين الإسرائيليين الفارين من الهجمات المتواصلة، وكذلك ظهور فيديو لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني وهو يغادر مسرعاً قمة عربية، واعتبر بعضهم أنه كان معترضاً وغاضباً على سير قمة السلام التي عقدت في مصر قبل أيام، ليتبين أن اللقطات تعود للقمة العربية في تونس قبل أربعة أعوام، إضافة إلى تداول عشرات جلسات التصوير الاحترافية لأطفال فلسطينيين والغبار يغطي وجوهم بينما هم سعداء ويلهون على أنقاض منازهم، قبل الكشف عن كونها مزيفة تماماً.

وتداولت عشرات التدوينات المنسوبة زوراً لنجوم عالميين يدعمون الحق الفلسطيني وبينهم ميل جيسبون ولاعب الكرة النرويجي آرلينغ هالاند، وأيضاً الزعم بأن “غوغل” أخفى اسم شبه جزيرة سيناء من خريطة مصر واعتبار هذا التصرف يصب في مصلحة تنفيذ المخطط الإسرائيلي الأميركي بنقل سكان غزة إلى هناك، لترد الشركة العالمية بأن هذا لم يحدث وأن طريقة العرض سابقة للأحداث الأخيرة بوقت طويل، فمشاركة تلك التفاصيل بشكل مفرط والتعامل معها على أنها وقائع لا تقبل الشك، في حين أن هناك مشاهير بالفعل أبدوا أخيراً تعاطفهم مع أهالي الضحايا ووقعوا عرائض للمطالبة بإيقاف الحرب، بل وسموا ما يجري بأنه انتقام مروع من قوات الاحتلال الإسرائيلي وبينهم جون كوزاك وسينثيا نيكسون.

ويصل التمادي المزيف في صنع لقطات مضللة مثل صورة الأكفان المتراصة للأطفال الصغار بوجوههم المكشوفة التي تناقلتها آلاف الحسابات وعلى رغم التثبت من كونها تعود لـ10 سنوات مضت وتخص أطفال الغوطة شرق العاصمة السورية دمشق الذين راحوا ضحية هجوم كيماوي، ولكن مع ذلك لم يتوقف تداولها على أنها تعود لحرب غزة 2023.

المفارقة أن هناك مئات اللقطات شديد الكارثية والألم تخص الحرب الدائرة بالفعل، إذ إن المأساة الإنسانية حالياً ليست بحاجة إلى استعارة صور من أحداث أخرى للتدليل على خطورتها، وهو ما تعلق عليه سهير صالح بالتأكيد على أهمية وجود وحدات في المؤسسات الإعلامية المحترفة مهمتها التحقق من الأخبار والمعلومات، إذ يمكن أن يتم ذلك من خلال أدوات وبرامج كثيرة، عن طريق تحليل وتفكيك عناصر المحتوى.

وترى صالح أن هناك شقاً سلبياً في “السوشيال ميديا” يتمثل في التشاركية المزمنة والتفاعلية غير المحدودة، لكنها تؤكد أن الضغط الذي قام به نشطاء تلك المواقع أثر بشكل إيجابي في الرأي العام العالمي، الذي قام بتنظيم وقفات للضغط على الحكومات المعنية.

البلوغرز عند المعبر

ويبدو أن المبالغات والفبركات على الأغلب جاءت نتيجة اعتقاد بعضهم أن هذه فرصة مثالية لأن يكونوا جزءاً من “التريند”، ونتيجة لذلك بات من الشائع للغاية أن يظهر “بلوغرز” و”يوتيوبرز” وهم يقدمون مشاهد تمثيلية يعبرون فيها عن تأثرهم في الأوضاع في قطاع غزة وبحال سكانها المحاصرون بالخراب والموت والهلع من دون كهرباء أو وقود أو ماء، فهم ينشرون فيديوهات يستعرضون من خلالها مشاعرهم ودهشتهم خلال متابعتهم للقصف اليومي الذي يخلف ضحايا بالمئات مع كل هجوم، إذ بدا الأمر معهم وكأن القضية تتحول إلى تريند يمكن الاستفادة منه وتحويله إلى أرقام مشاهدات ووصل الأمر ببعضهم إلى استعراض صيحات من الملابس المصممة بألوان العلم الفلسطيني وكذلك مجوهرات تجسد شكل خريطة فلسطين لترويجها وبيعها تجارياً.

لكن لا يزال السقف في تلك المنصات أعلى بكثير من المؤسسات الكلاسيكية، بالتالي تحول رواد “تيك توك” من الدعاية والإعلان للمطاعم ومن وضع فيديوهات كوميدية، على الفور إلى البحث عن أكثر الفيديوهات إيلاماً وقسوة ليشبعوا عطش الراغبين في متابعة الأوضاع عن قرب، وهي أمور أسهمت إيجاباً في الوعي، ولكن أيضاً فتحت الباب أمام سيل جارف من اللقطات المفبركة والمصنوعة باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي، وأخرى حقيقية تماماً ولكن توضع في غير سياقها لتقلب الفكرة برمتها.

كان من ضمن الظواهر أيضاً قيام مجموعة من مؤثري “الشوسيال ميديا” في مصر بالمرابطة عند معبر رفح لأيام عدة انتظاراً لدول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وهو موقف هوجم بشدة واتهموا بمحاولة التكسب على حساب أزمة إنسانية عن طريق التقاط صور استعراضية، ولكن في المقابل أيضاً كانت هناك بعض المواقف الجادة التي أثارت جدلاً مثل الفيديو الذي انتشر للمؤثرة رحمة زين مع مراسلة “سي إن إن” إذ دخلتا في سجال حول أصل الصراع التاريخي والوضع المأساوي في قطاع غزة، وإصرار الإعلام العالمي على تبني الرواية الإسرائيلية مهما كانت مغلوطة.

قلق من الاستقطاب وتعمد نشر أخبار كاذبة

الادعاء بوجود جنود إسرائيليين عند الجانب المصري من معبر رفح البري يقومون بتفتيش المساعدات الإنسانية المرسلة لقطاع غزة قبل السماح بدخولها، وبعد تناقلها بعشرات الحسابات وإعادة نشرها مئات المرات اتضح أن الصورة التقطت عند معبر كرم أبو سالم الذي يشرف عليه الجانب الإسرائيلي، ولكن التوضيح لم يأخذ حيز الاهتمام نفسه بالطبع، وإنما اللقطة الأكثر إثارة كانت الادعاء بوجود جنود إسرائيليين عند معبر رفح المصري مما يزيد من حدة الاستقطاب وهو أمر تقتات عليه بعض الحسابات عبر “السوشيال ميديا” التي تعتبر تلك الموضوعات هي رأسمالها الذي يجلب لها المتابعون.

الأمر ذاته جرى مع فيديو معنون على أنه نقل دبابات مصرية استعداداً لعمل عسكري على الحدود، الذي حظي بعدد مشاركات هيستيرية واستخدم للتعبير عن استنفار الجانب المصري، واعتبار القيادة أن السلوك الإسرائيلي يحمل استفزازات، وبالطبع كانت اللقطات قديمة، ولا تمت بصلة للموقف الحالي، كذلك الفبركة طاولت فيديوهات متداولة تشير إلى إشعال المتظاهرين الغاضبين النيران في مبنى السفارة الإسرائيلية بالبحرين، وسرعان ما تم كشف عن تلك المعلومات المضللة التي تعود لأكثر من 10 سنوات مضت، إذ إن المبنى الظاهر بالصور يخص أحد مراكز الشرطة بالعاصمة المنامة.

من الصور وفبركتها إلى التدوينات حيث التصريح الغاضب على لسان رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق سامي عنان حول استهداف معبر رفح المصري، ليتبين أيضاً أن التغريدة ليست صحيحة، بل بعضهم ادعى أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني توجه إلى مصر مرتدياً بدلته العسكرية في تحذير واضح للقيام بعمل عسكري، وهي كلها صور وفيديوهات وأحدث مصطنعة استغلت حال التأهب النفسي لدى الشعوب العربية في هذا التوقيت لضمان أن تجد صدى لها وقابلية أكبر للتصديق.

ويبقى التساؤل حول ما تتيحه الوسائل التكنولوجية من توثيق للحدث بالصوت والصورة في هذا العصر كمادة أرشيفية دقيقة بالفعل لا تقبل الشك، إذ يرى متخصص الإعلام الرقمي فادي رمزي أنه منذ حرب روسيا على أوكرانيا حدثت تغييرات عدة أساسية متعلقة بـ”السوشيال ميديا” وظهرت بشدة في الأزمة الحالية المتعلقة بالصراع الدائر في الأراضي الفلسطينية، إذ بات هناك كم هائل من المنشورات والصور غير المسبوق عبر المنصات”، محذراً من أن الظاهرة الأكثر خطورة من هي “انتشار الخلل المعلوماتي وتعمد نشر أخبار مغلوطة”، لافتاً إلى أن المنصات ستبقى سلاحاً ذا حدين.

على رغم ذلك فمن خلال تلك المنصات أصبح للمرة الأولى تقريباً من السهل متابعة صوت الطرفين بالقوة ذاتها بعيداً من التوجهات الخاصة بمؤسسات الإعلام، إذ من الممكن أن يتابع الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى استعراض لقطات حية لعناصر بالجيش الإسرائيلي في فترات استراحتهم، دونما انتظار عرض المحتوى على القنوت الإخبارية، كذلك يرى بعضهم أيضاً أنها على الأغلب روجت لمزيد من خطاب الكراهية الذي نتج منه بعض التصرفات العنيفة، وأبرزها مقتل طفل فلسطيني على يد عجوز بولاية إلينوي الأميركية، مما حرك الرئيس الأميركي جو بايدن ليطلق تدوينات عدة يستنكر فيها انتشار الكراهية ويشير في مرة نادرة إلى أن حياة المدينين الإسرائيلين والفلسطينين مهمة على السواء.

أصوات من تحت الأنقاض

المنصات أيضاً أسهمت في صنع نجوم جدد من مراسلين على الأرض لم يحترفوا المهنة يوماً، ولكنهم أخذوا على عاتقهم التوثيق لحظة بلحظة، كما أنها كانت عوناً لبعض المستضعفين الذين لم يكن لديهم وسيلة تبعث باستغاثاتهم لآخرين سوى عبر “السوشيال ميديا” مثل عشرات التدوينات التي كانت تطلب من الحماية المدنية في غزة الذهاب إلى مناطق بعينها لإنقاذ بعض من تراكمت عليهم الأنقاض ولا يزالون أحياء، وكذلك المنشورات التي كانت تطالب بأن تتضمن المساعدات المرسلة للقطاع مياه الشرب بصورة أكبر من الطعام.

واستنفدت تلك المشاهد القوة العاطفية والعصبية لبعضهم تماماً، ممن أصيبوا بالهلع من متابعة مشاهد التمادي في قصف المدنيين واستعراض لقطات الصغار الذين يفتشون عن ذويهم بين الجثث في مشهد لم يكن يعرض تلك الكثافة وبها الزخم العاطفي الصادق سوى في الأفلام السينمائية الميلودرامية، وفي المقابل على ما يبدو أن هناك فريقاً من فرط اعتياد تلك اللقطات وتواترها حدث له ما يشبه الاعتياد، وهي أمور لم تكن لتختبر لولا “السوشيال ميديا”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة