خلق شبه جبهة داخليّة مُوحّدة للمواجهة!
اقترب الموفدون الدوليون الذين يزورون لبنان من حافة اليأس، من إمكانية الحصول على تطمينات أو ضمانات من حزب الله بشأن دخوله الحرب الواسعة من عدمه، فالحزب الحاضر لكل الاحتمالات، لا يضع خطة واحدة نصب عينيه ويسير لتحقيقها، بل يربط الأوضاع بتطور الحرب على غزة، ولذلك يشدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري منذ اليوم الأول للمعارك، وأمام كل من يزوره مستفسراً او محذراً، على أن لبنان ليس معنياً بالتصعيد والعدو الاسرائيلي هو المعني الوحيد به.
إن هذه الوقائع التي تُثبتها مجريات الحرب في فلسطين المحتلة، تؤكد ما كان حزب الله يقوله دائماً بأن قرار الحرب والسلم، بظل وجود “اسرائيل” في المنطقة، ليس بيد غيرها، وطالما أنها حاضرة فهذا يعني “إعلان حرب” على لبنان، حتى ولو ظن بعض القاصرين أن العداء الاسرائيلي للبنان سببه وجود المقاومة، لا العكس.
من هنا، يمكن قراءة الحركة الداخلية اللبنانية، ففي الأيام الأخيرة برز حراك داخلي متعدد الأوجه، لا سيما بعد المبادرة التي ذهب إليها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، تحت عنوان تحصين الوضع الداخلي، لكن الرهانات على هذا الحراك، ومدى قدرته على تحقيق خرق ما بجدار الأزمة الداخلية لا تبدو كبيرة، بحسب مصادر سياسية، نظراً إلى أن البحث عن حلول كبرى، كمثل الإتفاق على إنجاز الإستحقاق الرئاسي أمر صعب جداً في حالة الحرب، وبالتالي هي غير ممكنة في ظل الظروف القائمة على مستوى المنطقة، بينما أقصى ما يمكن الوصول إليه هو إتفاق على تفادي الشغور في قيادة الجيش، مع إقتراب موعد إنتهاء ولاية العماد جوزاف عون.
خلال اتصال رئيس التيار بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله رسالة أساسية أبعد وأكبر من كل الملفات التي تم تداولها، على أهميتها، وهي حضور السيد نصر الله واهتمامه بالداخل اللبناني، فحزب الله طوال الفترة الماضية أكد على لسان مسؤوليه أن الداخل يعنيه بشكل كامل، وليس صحيحاً أن اولوياته في مكان آخر، فملف المقاومة وفلسطين واهتمام الحزب به، لا يعني أنه بعيد او غير مبال بما يجري في الداخل اللبناني، وهنا الرسالة الأساسية، حيث أكد الحزب استعداده لتسهيل بعض الملفات لتسلك طريقها نحو الحل، ومنها ملف قيادة الجيش.
في الداخل خلاف أكبر وأعمق من أن يتم تجاوزه ولو اندلعت الحرب، فالبلد منقسم بين فريقين احدهما يرى بـ “اسرائيل” تهديدا دائما ويوميا، وآخر ينادي بالحياد في معركة قد تغير وجه المنطقة، ولن يبقى لبنان بعيداً عن تداعياته بل هو في صلبها، لذلك يجب أن يكون تركيز التحركات الداخلية على بعض الملفات التي يمكن تحقيق نتائج فيها، مثل تعزيز صمود اللبنانيين وكيفية التعاطي مع حال الحرب والطوارىء، وخلق شبه جبهة داخلية موحدة للتعامل مع المستجدات قوامها “الثنائي الشيعي”، الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”التيار الوطني الحر” وجزء من النواب السنّة، وهؤلاء يشكلون مكونات الحكومة، وتحركهم يهدف الى الحفاظ على قيمة العملة ومنع تدهورها، ومنع الفراغ في قيادة الجيش.
حتى الساعة، تقول المصادر السياسية ان مسألة منع الفراغ في قيادة الجيش مرهونة بإمكانية أن يوافق باسيل على هذا الأمر، إنطلاقاً من الظروف الإستثنائية القائمة على مستوى المنطقة، بعد أن كان في الفترة الماضية يرفض كل المخارج المتاحة على هذا الصعيد، الأمر الذي يربطه البعض بطلب أميركي مباشر بهذا الأمر، لا سيما بعد الزيارة التي قامت بها السفيرة الأميركية دورثي شيا في الأيام الماضية إلى الرئيس السابق ميشال عون، فهل يكون هذا الملف أولى نتائج الحراك الداخلي المواكب للتصعيد العسكري؟ وهل يتمكن الساسة من تحييد خلافاتهم لمرة واحدة لأجل المصلحة العامة؟
محمد علوش- الديار