«ضمانات وتطمينات» اميركية للبنان: من يضمنها؟
بالرغم من التهديد والوعيد واستقدام حاملات الطائرات الى شرق البحر المتوسط، تغيّرت اللهجة الاميركية والغربية عموماً مؤخراً تجاه لبنان، وأرسلت واشنطن «طلبات وتمنيات» بالمباشر وعبر وسطاء عرب وأوروبيين الى الحكومة اللبنانية و«حزب الله»، بهدف عدم مشاركة قوى المقاومة من لبنان في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، مع تأكيدات بأنها «لا تريد أيّ تصعيد في المنطقة وبخاصة على الجبهة الجنوبية للبنان».
وثمة مَن تحدث عن «ضمانات وتطمينات» اميركية للبنان بمنع اسرائيل من توسيع المواجهات العسكرية في الجبهة الجنوبية وتحويلها الى حرب قصيرة لكن تدميرية للبنى التحتية في الجنوب وخارجه، والبقاء «منضبطة» في اطار الرد الموضعي على مصادر النار. وهناك معلومات رسمية اشارت الى انّ الضغط على لبنان يوازيه ضغط على الكيان الاسرائيلي لمنع التصعيد وفتح جبهة الجنوب.
لكن بحسب خبراء عسكريين، ما الذي يضمن ألّا تكون الضمانات الاميركية للبنان مجرد وعود لحين إنهاء الحرب على غزة وكسر حركات المقاومة فيها، ومن ثم التفرّغ لاحقاً لجبهة لبنان ومحاولة كسر المقاومة فيه، خاصة مع حشد الاساطيل الاميركية في البحر الابيض المتوسط قبالة سواحل لبنان وفلسطين، والتي اعتبرتها الادارة الاميركية رسالة دعم للكيان الاسرائيلي في حال شاركت المقاومة اللبنانية بالحرب.
المفارقة، انّ اميركا لا تزال تعتبر «حزب الله» «إرهابياً ويجب معاقبته»، تماماً كما اعتبرت حركات المقاومة في فلسطين «إرهابية»، وغطّت العدوان الهمجي والمجازر على غزة والضفة الغربية وأرسلت مساعدات عسكرية ضخمة للكيان الاسرائيلي لمواصلة عدوانه. فما الذي يمنعها في حال نجاح خطة «كسر حماس» او تحجميها من الالتفات الى لبنان، ولو بحرب قصيرة الامد لضرب البنى التحتية للمقاومة ومحاولة تحجيمها ولَي ذراعها وردعها ولو مؤقتاً؟
أمّا ما نُقِل عن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، أن هناك اتصالات دولية لوقف الإستفزازات الإسرائيلية التي تحصل في الجنوب، وانه يتواصل مع أطراف الداخل لوقف إطلاق الصواريخ من الجنوب. فعاد واختصره بالقول: لا أطمئن إلا عندما يحصل وقف إطلاق نار في غزة، وطالما وقف النار غير موجود، والاستفزازات الإسرائيلية لا تزال مستمرة، سيبقى الحذر لديّ قائماً.
مَرد عدم الاطمئنان الرسمي والسياسي والشعبي هو الغطاء الاميركي خاصة والغربي عموماً غير المسبوق لمجازر اسرائيل في غزة، واستمرار الحديث عن اجتياح بري للقطاع، جرى تخفيفه لاحقاً الى «مناورة بريّة» بعد ردود الفعل العربية والدولية المُستنكرة للمجازر، ومردّه ايضاً الى عدم اتخاذ مجلس الامن الدولي ولا الدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الاسرائيلي، اي إجراء زجري او تحذيري بحق الكيان الاسرائيلي بقطع العرب علاقاتهم مؤقتاً وطرد السفراء والممثلين التجاريين والاقتصاديين الاسرائيليين من بلادهم. عدا عن رغبة اسرائيل وبدعم من الغرب بفِعل المستحيل وكل المخالفات للقوانين الدولية لإستعادة هيبتها المكسورة ومعنويات جنودها ومستوطنيها، وهذه الاستعادة لا تتم بالكامل في غزة وحدها طالما ان الكيان يرى «خطراً آخر في لبنان»، على ما يقول بعض اصحاب الرؤوس الحامية في الكيان.
في المقابل، ثمة من يرى ان لا ضمانات اميركية ولا اوروبية ولا من مجلس الامن تمنع الكيان الإسرائيلي من التمادي في العدوان طالما الغطاء والدعم الدولي متوافر له بكل المجالات العسكرية والمالية والسياسية، ولكن هناك ضمانة واحدة هي قوة ردع المقاومة في لبنان، بعد الذي حققته من نتائج في عملياتها العسكرية الموضعية الاخيرة خلال الاسبوعين الماضيين باعتراف مسؤولي الكيان وإعلامه، لجهة حجم الخسائر في الجنود والممتلكات والبنى التحتية في المستوطنات، ونزوح المستوطنين (اكثر من 60 الف مستوطن مقابل 12 الى 15 الف جنوبي نزحوا من القرى الحدودية المتاخمة او الملاصقة مباشرة لمواقع الاحتلال، والتي تعرضت منازلها للقصف). برغم الخسائر البشرية لدى المقاومة.
وثمة ضمانة اخرى سياسية وعسكرية، قد تكون بعيدة وربما مستحيلة حالياً، تكمن في سحب الاساطيل الاميركية من المتوسط، ولجم اسرائيل بشكل فعال عن ارتكاب المجازر في غزة. واستمرار الضغط العسكري عليها في دول المنطقة المتمثلة بقصف قواعدها العسكرية في العراق وشمال سوريا وربما لاحقاً في دول اخرى.
المثال ما زال قائماً… ألم تُحيي السفارة الاميركية امس الذكرى الأربعين لتفجير مقر مشاة البحرية «المارينز» ومقر القوات الفرنسية في لبنان (23 تشرين الاول 1983) ؟ فهل تريد اميركا إشعال المنطقة مجدداً؟ الاعتقاد انّ الجواب هو: لا.
غاصب المختار- الجمهورية