حملات المقاطعة المنظمة سلاح نوعي: التزام وضغط وليس إعلانات فقط
منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول، اتخذت دول عديدة موقفاً واضحاً وصريحاً في دعم اسرائيل، وقدمت لها المساعدات والدعم اللامحدود، ودخلت شركات ومؤسسات عالمية على الخط، وتبنت النظريات والروايات التي أطلقها الكيان الصهيوني، وأعلنت دعمه والتضامن معه.
هذه الخطوة دفعت بالمتابعين للقضية الفلسطينية والمناصرين لها، الى إطلاق حملات عدة، لمقاطعة بضائع ومنتجات الشركات التي أعلنت دعمها ووقفها الى الجانب الاسرائيلي، وغالبية هذه الشركات أميركية، وبعضها قدم المساعدات اليه، ومثال على ذلك قيام شركة “ماكدونالدز” إسرائيل، بتقديم وجبات مجانية لجيش الاحتلال وللإسرائيليين، وذلك بحسب موقع “بيزنس إنسايدر”، تضامنا ًمعهم بعد عملية “طوفان الأقصى”.
ما قامت به “ماكدونالدز” إسرائيل، دفع بـ “ماكدونالدز” الى إصدار بيان أوضحت فيه أنها شركة مساهمة لا يملكها شخص محدد بل ملايين من الأشخاص حول العالم بمن فيهم عرب ومسلمون، وأن “ماكدونالدز” العالمية تلتزم بالحياد وعدم تبني أي مواقف سياسية، وذلك حفاظاً على مصالحها التجارية حول العالم. لكن “ماكدونالدز” السعودية أعلنت أنها شركة سعودية 100%، مؤكدة احترامها والتزامها بالمجتمع السعودي، مشيرة إلى أن لا علاقة لها بما يقوم به وكلاء آخرون خارج المملكة العربية السعودية، وكذلك “ماكدونالدز” لبنان التي أكدت أن مواقف الوكلاء الآخرين لا يمثلونها، وأنها حريصة على احترام الشعب اللبناني والوطن والوقوف إلى جانبه. أي أن مقاطعة “ماكدونالدز” لبنان على سبيل المثال لن تضر الشركة العالمية أو الفرع الذي أيد أعمال الكيان الصهيوني، بل على العكس ستضر العائلات اللبنانية والموظفين العاملين في هذه الشركة في لبنان.
دعوات المقاطعة لم تطل “ماكدونالدز” وحسب، بل الكثير والكثير من الشركات العالمية أميركية وفرنسية وألمانية وأوكرانية، ومن هذه الشركات “ستاربكس” و”كوكا كولا” و”بيبسي كولا” و”نستله” و”كورن فليكس” و”كنتاكي”.
ويعد سلاح المقاطعة الاقتصادية أساسياً في التعبير عن رفض فريق ما أو حتى الجماهير والشعوب أمراً معيناً، لذلك يتوقفون عن شراء منتج ما أو استهلاك منتج آخر، في سبيل الضغط أو ارغام الشركة المصنعة أو الدولة المنتجة لهذه السلعة على الوقوف على الحياد أو وقف العدوان.
هذا السلاح له أثر مهم ويعد من أشكال الاحتجاج والنضال السلمي، لكن نجاحه مرتبط بالقدرة على التعبئة الجماهيرية الواسعة، وتأثر الطرف الآخر به والرضوخ له. وعلى مر السنوات، اعتبر سلاحاً فاعلاً في عدد من المواقف.
بي دي إس
خلال السنوات الماضية تكثفت الدعوات الفلسطينية والعربية الى مقاطعة البضائع الاسرائيلية أو التي تنتجها دول تدعم الكيان الصهيوني، للضغط عليه أكثر، ومن هذه الحركات والحملات، الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، المعروفة بـ “بي دي أس”، وهي تعني مقاطعة، سحب استثمار، وعقوبات، وتعد من أهم التنظيمات التي تعمل في هذا المجال.
تأسست الحركة عام 2005، وتستهدف مقاطعة منتجات شركات إسرائيلية ودولية داعمة لها تحقق أرباحها على حساب حقوق الفلسطينيين الأساسية، الى جانب مقاطعة الأنشطة الرياضية والأكاديمية والفنية مع الاحتلال الاسرائيلي.
سلاح رضخ له الغرب
قبل بدء حرب تشرين أو أكتوبر عام 1973، لوح العرب بأنهم قد يستخدمون النفط كسلاح سياسي في وجه الأزمات والحروب وتغيير موازين المعركة، وهذا ما حصل فعلياً، وتبنت هذا الخيار حينها السعودية والعراق وقطر والجزائر والكويت والامارات، وكان اللاعب الأساس حينها العاهل السعودي الملك فيصل، الذي سبق ووعد الرئيس المصري أنور السادات بحظر النفط في حال قيام الجيش المصري بشن هجوم ضد إسرائيل.
وبالفعل، بعد أسبوع على بداية الحرب، كانت واشنطن قد نظمت جسراً جوياً لدعم إسرائيل، وفي المقابل كان العرب يستعدون لاستخدام سلاح النفط. وامتدت فترة الحظر التي طالت الولايات المتحدة الأميركية والدول التي أعلنت دعمها لاسرائيل من 17 تشرين الأول 1973 حتى 18 آذار 1974.
وسبقت هذه الخطوة بيوم واحد أي في 16 تشرين الأول زيادة حادة في سعر النفط وصلت الى 70%، وخفض الانتاج بنسبة 5%.
وفي 4 تشرين الثاني 1973، اجتمع وزراء النفط العرب الأعضاء في “أوبك” وقرروا زيادة خفض الانتاج من جديد بنسبة 25%.
وفي 17 آذار 1974، وبعد انتهاء الحرب، أعلن وزراء النفط العرب نهاية حظر النفط بعد أسابيع من تقدم المحادثات وفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل.
كان أثر قطع النفط عن الأميركيين كبيراً، وضرب الاقتصاد الأميركي، وتسبب بخسائر اقتصادية، بحيث خسرت سوق الأوراق المالية 97 مليار دولار، وكانت شركات الطيران الأميركية قد ألغت في تشرين الثاني 1973، 160 رحلة يومية لمواجهة أزمة الوقود.
وأجبر اعتماد هذا السلاح بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد ورفض استخدام مطاراتهما لنقل العتاد العسكري إلى إسرائيل، وكذلك أصدر وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة بياناً طالبوا فيه إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
غالي: يجب أن تكون المقاطعة منظمة وهادفة
أستاذة فن التفاوض في الجامعة اللبنانية الدكتورة لينا غالي تشير في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن حملات المقاطعة إن كانت على مستوى محلي أو عالمي، فهي بحد ذاتها فعل حربي. وتقول: “بمجرد الانتقال الى مرحلة المقاطعة، فنحن دخلنا المعركة، من جهة من الممكن أن تساهم في عملية التفاوض في حال أردنا الوصول الى التفاوض، ومن جهة أخرى توقف عمل الشركة التي تمت مقاطعتها، فهي سلاح نوعي يستخدم في حال لم تؤدِ الأسلحة الأخرى الى نتيجة”.
وتؤكد أن “هذه وسيلة فاعلة لكنها طويلة الأمد، وفاعلة في المجال الاقتصادي، فمن ناحية هي ستقطع مصدر تمويل لهذه الشركات، وقد توقف عملها في حال وصلت الى غاياتها”، مستشهدة بما حصل خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، عندما قاطعت الشركات العالمية روسيا، وتوقفت عن العمل فيها، كـ “ماكدونالدز” و”ستاربكس” وغيرها، “ثم شهدنا حملة مضادة كإنتاج خدمات أو منتجات محلية بالمضمون نفسه تحت مسمى مختلف”.
وتشدد غالي على أن قوة هذه الحملات ستكون كبيرة جداً في حال كانت منظمة ولها أهداف.
نشابة: المقاطعة مؤثرة والالتزام ضروري
ويعتبر المحلل السياسي والاقتصادي شادي نشابة في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “هذه الحملات في حال الالتزام بها سيكون لها أثر كبير جداً، كون غالبية هذه الشركات، تعتمد على الاستهلاك وموجودة في معظم دول العالم، وبالتالي الجاليات العربية أو المقاطعون العرب الذين من الممكن أن يقاطعوا سيجدون في دول هذه الشركات فروعاً لها”.
ويرى أن “هذه الحملات ستؤدي الى تبرير موقف كما فعلت ماكدونالدز، والتراجع في موضوع التباهي بالدعم المعلن، وبالتالي تلعب دوراً في التأثير ليس على الشركات الحالية وحسب، بل على الشركات الأخرى في المستقبل التي قد تتخذ موقفاً من الممكن ألا يكون محايداً في هذا الصراع القائم أو أي شيئ يحصل مستقبلاً”.
ويضيف: “هذا يؤثر بصورة كبيرة اقتصادياً على هذه الشركات، وشاهدنا في وقت من الأوقات انخفاض أسهم فيسبوك أو أسهم ميتا بعد حملة مقاطعة معينة، أو انتقال أناس من واتساب الى تيليغرام، وبذلك واتساب يخسر عدداً من المتابعين والمسجلين لديه”.
ويلفت نشابة الى أن “هذا الموضوع يلعب دوراً كبيراً وهو عامل مؤثر لكنه بحاجة الى التزام وضغط وليس الى إعلانات فقط، ففي الماضي شهدنا حملات في أماكن سابقة ضمن هذا الاطار، وفي حال حصول الالتزام ونجاحه من الممكن أن يؤثر كثيراً في قرارات الشركات أو على الأقل اجبارها على الوقوف على الحياد”.
حسين زياد منصور- لبنان الكبير