الفلفل الأحمر… مذاق اللهب ورمز الغيظ والمكايدة
مع تطور الحياة انتشرت مطاعم الوجبات السريعة وثقافة الطعام الجاهز، ويعد الفلفل بكل ألوانه وأشكاله مكوناً رئيساً في معظم الوجبات السريعة وأشهرها “البيتزا” و”السباغيتي”، إذ يخلط كتوابل مع الوجبات أو يقدم كإضافة وهو من المقبلات التي تزيد شهية الإنسان وتحفزه على الأكل بسرعة.
وقديماً شكلت الثدييات بما فيها الإنسان عدو الفلفل الأول، لذلك تعد دموع الفرح الكاذبة علامة رئيسة من علامات تعرضنا لخديعة تناول الفلفل الأحمر الحريف أو الحارق، إذ يرسل إنذارات كاذبة إلى العقل البشري مفادها بأن حريقاً اندلع داخل فمه، فيهرع الإنسان لإطفائه. في الوقت ذاته يحفز شعور الإنسان بالألم إفراز “إفيونات” تزيد شعور الإنسان بالسعادة عبر هرمون “أندروفين”.
وينتج الألم بعد تناول الفلفل من تفاعل كيماوي متقدم يشمل تغيير ترتيب الذرات في الجزيئات، ويشبه في جوهره تفاعلات الأكسدة التي تؤجج الحريق داخل محرك السيارة.
أسطورة الفلفل
يمكن وصف الفلفل الحار الأحمر بأنه أسطورة ذات وجهين، تشبه إلى حد بعيد المهرج المرعب الذي يثير من خلال قناعه الشهير وأزيائه الملونة سخرية فئة من الناس، فيما تسبب لآخرين نوبة قلبية قد تؤدي إلى الموت، لذلك تستمر أسطورته حتى وقتنا هذا وتتطور رمزيته بصورة دائمة لتأخذ طابع “إيموجي” محبب وجد طريقه ضمن الرموز التعبيرية في الأجهزة الذكية على شكل رسومات لخضراوات حمراء ساخنة جداً.
وفي زمن وصل الإنسان المتحضر فيه إلى قمة ذكائه من خلال العلم، ما زالت خدعة الفلفل الأحمر الحار البدائية الساذجة تنطوي على أكثر من نصف سكان الكوكب، إذ يخافه أكثر من 90 في المئة من الأميركيين، غالبيتهم من النساء، فيما لا يتعدى معجبو هذا المكون النباتي حاد الذكاء ما نسبته 10 في المئة من هؤلاء الأشخاص، وصف بعضهم بأنهم من محبي التعرض للألم.
أثره على الإنسان
بطريقة بهلوانية حادة الدهاء، تمكن الفلفل الأحمر خلال رحلة وجوده في الحياة من جعلنا ننشغل بأثره علينا وليس العكس، وحتى هذه اللحظة لم يفصح العلم عن جميع أسرار هذه النبتة، فيما يعد العالم الأميركي ويلر سكوفيل واحداً من علماء قليلين حاولوا فك شيفرته، فنال شهرة واسعة من خلال ما عرف بمقياس “سكوفيل” الذي يقيس درجة الحرارة في منتجاتنا الصناعية التي لا تتعدى قوتها حتى يومنا هذا 220 ألف وحدة حارة، فيما تصل حرارة المادة الطبيعية في الفلفل الأحمر الحارق إلى 16 مليون وحدة.
ألسنة اللهب
صورة ألسنة اللهب المتصاعدة هي أشهر صورة عبرت بها مخيلة الإنسان عن هذا النبات، لذلك تتربع هذه الصورة على لافتات المطاعم الحديثة التي تقدم بوصفها خدعة مسلية تجتذب جمهوراً كبيراً.
ويعني ذلك أن خدعة إنتاج الحرارة أو اللهب البدائية ضمن طقوس تناول الطعام ما زالت تسيطر على أدمغتنا حتى بعد تأكيد العلم أن تأثير هذه النار ليس سوى إنذار كاذب بوجود حريق في الفم، لا يستغرق أكثر من دقائق عدة لدى تجريبها للمرة الأولى، إذ تتبدد الحرارة ذاتياً بعد بضع دقائق من دون الحاجة إلى استخدام وسائل إطفاء خارجية.
وسائل إطفاء
من المؤكد علمياً وعملياً أن الماء هو عدو النار اللدود، لكن الفلفل الأحمر الحارق تمكن من إبطال صحة هذه المقولة بطريقة عضوية بحتة، فالعلم يقول إن إطفاء لهيب الفلفل الحار لا يتحقق بالماء، بل إن مركب الماء والمادة الحارقة في الفلفل المسماة “كابسيسين” متشابهان لدرجة أن أحدهما يذوب في الآخر، مما يعني أن الفلفل سبق الإنسان بخطوات عدة في مجال خدعته هذه لأن الماء يزيد انتشاره بدلاً من احتوائه وإزالة أثره، لذلك ينبغي اللجوء إلى الحليب والألبان والجبنة لإزالة ذلك الأثر، وإن لم يوجد فبالخبز أو حتى بعض أنواع المثلجات لاحتوائها على النشويات اللازمة لذلك.
سلاح كيماوي
يؤكد العلماء أن قدرة نبات الفلفل الأحمر على إنتاج الحرارة بوسيلة طبيعية هي نتيجة لتفاعلات كيماوية معقدة، لذلك يعد هذا السلاح البدائي أول سلاح كيماوي بسيط ظهر في الطبيعة.
وتقول الموسوعات العلمية إن نبات الفلفل موجود على سطح الأرض منذ 350 مليون سنة، فيما لم يعرف الناس مكوناً حياً ينتج اللهب ذاتياً بهذه الطريقة المبتكرة في الواقع، غير أن التنين الأسطوري هو المخلوق الوحيد الذي اشتهر بفكرة نفث اللهب من فمه، ويعود مهد هذا الكائن الخرافي لدول أوروبا وآسيا التي تعد من أوائل الدول التي عرفت الفلفل الأحمر وتداولته بكثرة، فيما وصل إلى العالم الجديد بعد وصول المستشكف كولمبوس إلى أميركا.
يذكر أن أسطورة الفلفل الأحمر تنطوي عند بعض الناس على مفهوم الإثارة الجنسية، فيما أشارت دراسات غذائية إلى أن نسبة الوفيات بين محبي “المهرج المخيف” أقل بمقدار 25 في المئة، وتعد مهرجانات الفلفل من المسابقات التي يستمتع كثير من عشاق هذا النبات شرقاً وغرباً بحضورها والتنافس فيها في أوقات محددة من العام في مختلف العواصم والمدن العالمية.
اندبندنت