“الحزب” يرفض إعطاء أيّ تعهّد: المعركة تعنيه… ولن يكون محايدا!
“لم يعد لدينا ما نقوله ونفصح عنه، فالكلمة الفصل عندنا صارت مرهونة بما يفترض أن يقرره الإسرائيلي والأميركي نهائياً خلال الساعات الـ72 المقبلة، وهي المهلة الزمنية التي نتوقع بناءً على معطيات وردتنا أن يكون الطرفان الإسرائيلي والأميركي حزما خلالها أمرهما وأنهيا رحلة الارتباك التي يعيشانها منذ صبيحة السابع من الشهر الجاري، وقررا طريقة التعاطي مع الوضع في غزة وعما إن كانت تل أبيب ستمضي في تنفيذ تهديداتها المعلنة باقتحام المدينة المنكوبة براً أم ستستوعب الضربة القوية التي تلقتها وتجنح تالياً نحو دائرة التفاوض والتسويات”.
هذه هي خلاصة أي جولة أفق تُجرى مع أي قيادي في “حزب الله” تطلب منه الإجابة عن سؤال “متى تغادرون هوامش المواجهة التي تمارسونها على الحدود وتلجون صلب الحرب المفتوحة مع إسرائيل بعدما فتحت حركة حماس بالتنسيق معكم أبواب المنازلة الكبرى عندما شنّت هجومها الصاعق على غلاف غزة”؟
تقلّل مصادر على صلة وثيقة بالحزب من التعبير الدارج في الفترة الأخيرة، وهو أن الحزب يتوسّل الغموض البنّاء حيال أي مقاربة لمستقبل مواجهته مع إسرائيل لكي لا يكشف أوراقه وخططه ولا سيما لجهة انخراطه في المواجهة. فهو كان الأسرع إلى البوح والإفصاح عندما ظهر كل ما يعتزمه وينويه في هذا الاطار، إذ ترجم ذلك من خلال أمرين:
الأول إعلامي إذ سارع على لسان أكثر من قيادي فيه ليؤكد أنه لن يكون محايداً أبداً لأن المعركة تعنيه وهو يرى نفسه جزءاً أساسياً منها.
الثاني ميداني إذ بادر مقاتلو الحزب على طول الحدود، وبعد أقل من 24 ساعة على انطلاق معركة “طوفان الأقصى” إلى مهاجمة ثلاثة مواقع في مزارع شبعا. وكان الأمر بمثابة رسالة إلى من يعنيهم الأمر بأنه لن يكتفي بدعم حماس والفصائل المشاركة معها بتأييد إعلامي ومعنوي، بل أعدّ العدة اللازمة لمثل هذا اليوم. وبين هذا وذاك، أكّد الحزب أيضاً أن كل خطواته المستقبلية مرهونة بتطورات الموقف الميداني في غزة وتحديداً بالتعاطي الإسرائيلي مع الموقف هناك.
وخلال الأيام التسعة التالية كانت الحدود اللبنانية الممتدة من الناقورة حتى مزارع شبعا شاهدة على واقعتين أساسيتين:
– أن الحزب غير متهيّب من كل أشكال الضغوط والتهويلات التي تمارَس عليه مباشرة وغير مباشرة.
– أن الحزب ربط حركته الميدانية بواقع الميدان في غزة، فهو كان يرفع وتيرة هجماته الحدودية بمقدار ما كانت غارات إسرائيل الوحشية على المدينة المنكوبة ترتفع، فضلاً عن أنه كان يتعمّد أن تكون ضرباته مؤذية للإسرائيليين لكي يفهم المعنيون أنه لا يؤدي “رفع عتب” بل هو أعدّ للأمر عدته اللازمة والجدية.
وعموماً، صبّ الحزب جهوده الميدانية أكثر ما يكون لكي لا يشعر الإسرائيلي والأميركي في لحظة بأنه ليس في وارد ولوج عتبة ميدان المواجهة، أو أنه أسقط هذا الاحتمال من قائمة حساباته ضمناً. وعلى رغم التهديدات الأميركية المقرونة بحشد البوارج كان تكتيكه وما يزال يقوم على أمر أساس وهو أنه ليس في وارد النأي بنفسه عن المواجهة المفتوحة مع غزة، وما ينفذه ميدانياً على الحدود ليس مجرد مشاغلة وتحريك.
لذا كان الحزب يسر عندما يسمع الإعلام الإسرائيلي يتحدث على لسان كبار المحللين والخبراء فيه أن ضغوط الحزب العسكرية وعملياته التي باتت يومية أفضت إلى أن يجمّد #الجيش الإسرائيلي أكثر من ثلث عديده وعتاده على الجبهة الشمالية مع لبنان تحسّباً لأي هجوم ينفذه الحزب، وهذا ما يحرم تل أبيب فرصة زجّ كل قواها في مواجهة غزة.
ومنسوب الارتياح عند الحزب يزداد عندما يعرف أن واشنطن ودولاً أوروبية مضطرة لأن تعد حساباتها بناءً على حركة الحزب ونيّاته واحتمالات ما يمكن أن يقوم به في مقبل الأيام. وعلاوة على ذلك، كان الحزب يتمعّن في قراءة التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي تتحدث عن “أن قوته الصاروخية تعادل قوة دول أوروبية مجتمعة”، وسواء كان إطلاق هذه التقديرات من باب التهويل والتضخيم لكي تبرر عدم دخولها في أي مواجهة مع الحزب أو أنه جزء من “بروباغندا” التحريض عليه، فإن الحزب يستشعر أكثر من أي يوم مضى بأن الجهود التي يبذلها منذ عام 2006 ليرفع مستوى قواه الرادعة قد آتت ثمارها وحققت المنشود منها.
وفي الأعمق من ذلك، فإن الحزب يستشعر جدياً أنه يملك زمام المبادرة على الحدود وأن إسرائيل وفق كل حساباتها عاجزة عن فتح أبواب المواجهة مع الحزب أو أنها تحسب لذلك ألف حساب وأنها استطراداً تجنّد العالم الغربي كله وتدفعه إلى إيفاد ممثّليه إلى بيروت بهدف “التحذير والنصح والتمنّي” ليبقى الوضع على الحدود هادئاً.
وإن كان الحزب وفق هذه الرؤية يرهن مستقبل حركته الميدانية بمآلات الوضع في غزة فما هي تصوراته؟
ما تزال تلك المصادر تعتقد أن تل أبيب ما انفكت حتى الساعة تحت وطأة الصدمة ولم تنجح في استيعاب مفاعيل الضربة التي تلقّتها صبيحة السابع من الشهر الجاري. لذا فما زالت في حال ارتباك وعجز عن اتخاذ أي قرار بالمضي نحو اجتياح بري للمدينة كما تهدد، وهي في الوقت عينه غير قادرة على الجنوح نحو التهدئة والبحث عن تسويات خصوصاً أنها ترفض قبول فكرة أنها مهزومة. والواضح أن الدخول الأميركي القوي والمباشر على الخط قد أسهم في زيادة منسوب الارتباك عند الإسرائيلي ويدفعه إلى محاولات الحسم في غزة آملاً من ذلك تحسين معنوياته وورقة شروطه التفاوضية لاحقاً.
وتتحدث الدوائر عينها عن أن ثمة من الموفدين الغربيين الذين زاروا بيروت خلال الأيام القليلة الماضية بعثوا سراً إلى الحزب رسائل مفادها أن أعطونا بعض الوقت لكي نروّض الذئب الجريح وننجح في جرّه إلى دائرة التفاوض السياسي.
لكن ما لم تقله تلك المصادر أن الحزب ليس بمقدوره إعطاء أي تعهّد أو تطمينات واستطراداً لم يعد بمقدوره إلا المضيّ قدماً في ما بدأه على الحدود منذ اليوم التالي لانطلاق “طوفان الأقصى” ما يبقي الأمور على سخونتها هناك.
ابراهيم بيرم- النهار