برّي يدير المعركة الديبلوماسية و”الحزب”: لا ضمانات!

عندما قيل إن الإدارة الأميركية تنوي فرض عقوبات على رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، على خلفية الملف الرئاسي، علت أصوات داخل الإدارة نفسها لترفض هذا الأمر، على اعتبار أن برّي هو الشخصية الشيعية الوحيدة ربما التي يمكن للأميركيين والغربيين التواصل معها عند كل استحقاق. وما يجري اليوم خير دليل على ذلك.

تزدحم عين التينة بالموفدين الدوليين، والسفراء ووزارء الخارجية. تحول مقر الرئاسة الثانية “محجّة” لمساعي منع انزلاق لبنان (والمنطقة) إلى حرب واسعة، وذلك ليس بسبب غياب رئيس الجمهورية، بل بسبب موقع برّي في المعادلة وعلاقته بحزب الله.

وحسب مصادر متابعة لما يجري في عين التينة، فإن موقف رئيس المجلس الذي أبلغه إلى السفيرة الأميركية دوروثي شيا بعد ثلاثة أيام على عملية طوفان الأقصى، والذي ينص على أن “لبنان ليس معنياً بالتصعيد، فاذهبوا وتحدثوا مع الإسرائيلي”، لم يتغيّر بعد. وهو موقف يسمعه كل زوار رئيس المجلس، الأميركيين والأوروبيين.

تكشف المصادر عبر “المدن”، أن الأمور بالنسبة إلى برّي واضحة، وهي تحميل الإسرائيلي مسؤولية ما يجري في فلسطين، وما يمكن أن يجري في لبنان والمنطقة. فهو المحتلّ، وهو المعتدي وهو المسؤول عن دفع الفواتير. وبالتالي، من لا يرغب بالتصعيد فعلاً، فوجهته يجب أن تكون إسرائيل لا بيروت، “فنحن غير معنيين بتقديم الضمانات للعدو”.

المزاج اللبناني المنقسم
المزاج اللبناني منقسم بين وجهتي نظر. الأولى، لمعارضي المقاومة وسلاحها. وهؤلاء يقولون بوضوح وبخطابات علنية ومواقف على مواقع التواصل بأنهم يرفضون تدخل لبنان بالحرب. والثانية، لأبناء المقاومة الذين يقولون بأن الحرب قد تُفرض، وعندها لا مناص من الدخول فيها. والقصد تحديداً هنا المزاج الشيعي، حتى بيئة حزب الله. فهي لا تُريد الحرب، وتتمنى عدم وقوعها. ولكنها بحال وقعت ستقف حتماً إلى جانب المقاومة.

إذاً، ما من أحد يتمنى الحرب، ولكن، حسب المصادر نفسها: بحال اتفق حزب الله وحركة أمل على رفض الحرب، فهل يقتنع العدو الإسرائيلي؟ وبحال كان لديه مصلحة بالحرب علينا هل ينتظر رأينا في هذا السياق؟ لذلك تؤكد المصادر، أن برّي يعمل وفق قاعدة أساسية، هي رفض إعطاء ضمانات لأحد بأن المقاومة في لبنان لن تدخل الحرب بظروف معينة، لأنه يعلم أنه بحال قُدمت الضمانات، فما من أحد في العالم قادر على تأمين ضمانات للبنان من قبل العدو الاسرائيلي. ويعلم أيضاً أنه بحال أعلنت المقاومة عدم نيتها الدخول في حرب، فسيكون لهذا الموقف تداعيات كبيرة، وكأننا نقول للاسرائيلي “إفعل ما تشاء في غزة ومن ثم بيروت”.

كذلك تُشير المصادر إلى أن برّي الذي يسعى لنقل الصراع من كونه بين محور المقاومة واسرائيل، إلى صراع عربي اسرائيلي، بعد حديثه الأخير خلال المؤتمر الطارئ لرؤساء المجالس النيابية لإتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. يعلم أن قيمة سلاح المقاومة تُفقد بحال كان باستطاعة أحد “تقديم الضمانات بشأن استخدامه”.

بين حزب الله والعدو.. من له مصلحة؟
حسب المصادر المطلعة على دوائر القرار لدى الثنائي الشيعي، فإن توقيت عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول لم يكن منسقاً بين قوى المحور. وهو ما أكد عليه المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي. وما يقوله محمد الضيف أو موسى بو مرزوق أو حتى خالد مشعل، بأن حماس قامت بما عليها وعلى المحور استكمال “حرب التحرير” ليس تفصيلاً بسيطاً. وبالتالي، فالمحور بحالة حرج، وحزب الله لا يستطيع، منطقياً وعاطفياً، البقاء خارج الحرب. ولكن عدم دخوله منذ اللحظة الأولى يوم كانت اسرائيل “نائمة”، وتمكن مجاهدو حماس من الوصول إلى مشارف الضفة الغربية، يعني بأن “المعطيات” لم تكن متوفرة لديه بشكل كامل لكي يقرر المشاركة بالحرب. فهو ربما لم يكن يرغب أن يكون مصيره كمصير حافظ الأسد في “حرب تشرين”، حيث يكشف التاريخ دور هنري كيسينجر في قرار الحرب، ودوره بجر مصر إلى كامب ديفيد بعد 4 سنوات لوحدها، وترك دمشق وحيدة. لذلك فهو من جهة لا يستطيع الدخول في حرب لا يعلم أفقها، وبالوقت نفسه لا يمكنه البقاء خارجها، لأنه حزب مبني على معادلة تحرير القدس.

كذلك قد لا يكون العدو الاسرائيلي له مصلحة بفتح الجبهة الشمالية ضد حزب الله، لكنه بالوقت نفسه ليس لديه ما يخسره، ويشعر اليوم بفائض قوة ناتج عن الدعم الأميركي العسكري المباشر له. فمنذ 50 عاماً لم يحضر الأميركي بحاملات طائراته إلى مقابل شواطىء فلسطين المحتلة لدعم اسرائيل. وبالتالي، هو أيضاً قد يفتح الحرب باعتبارها فرصته الذهبية، خصوصاً بعد سقوط معادلات كان يخشاها سابقاً، ويمكن حصرها بثلاث: الخسائر البشرية، وهو ينطلق اليوم من خسائر تزيد عن ألف. أمان تل أبيب، وهي اليوم تُقصف. والخشية من دخول المستوطنات، وهو أمر حصل وبشكل واسع جداً.

حركة حماس مارست الفعل المقاوم الذي هو حقّ طبيعي لها، والعدو الاسرائيلي يملك خيار فتح الحرب الواسعة، والرئيس برّي ينطلق من هنا، “فنحن لسنا معنيين بوقف الحرب عن اسرائيل”، تقول المصادر، مشيرة إلى أن الحرب ليست نزهة، ولا هي “منيو” طعام نختار منه ما نريد، وليس المهم ما يُريده لبنان، بل ما يريده العدو، فالثابت بظل كل ما يجري بالنسبة إلى عين التينة هو أن “ولا يوم منذ 7 تشرين كان أسهل من الذي سبقه”.

محمد علوش

مقالات ذات صلة