بانتظار الهجوم البري… إسرائيليون وفلسطينيون في وجه الموت

حدث نزوح جماعي من مدينة غزة لفلسطينيين يشعرون بقلقٍ على مصيرهم، بعدما لحق دمارٌ واسع النطاق بمعظم المناطق الحدودية في القطاع، ناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة، وباتت الظروف الآن مهيأةً لانتقامٍ دمويٍ إسرائيلي من حركة “حماس”.

وقد سبق أن نفذت القوات الإسرائيلية عمليات استطلاع داخل غزة لاختبار دفاعات “حماس”، وقامت بجمع معلوماتٍ استخبارية عن نحو 120 رهينة تم جلبها إلى القطاع، واستعادة جثث أولئك الذين قتلوا أثناء الأسر.

لكن عملية غزوٍ واسعة النطاق ما زالت تلوح في الأفق وتجثم فوق رؤوس سكان غزة، كما الغبار المتصاعد من منازلهم التي تحولت إلى ركام نتيجة وابلٍ مستمر بلا هوادة من القذائف والصواريخ.

ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن مراد أبو مراد المسؤول عن العمليات الجوية لحركة “حماس” وأحد العقول المدبرة للهجوم الإرهابي، كان من بين القتلى في الغارات الجوية.

في غضون ذلك، تستمر الخسائر المأسَوية في الأرواح في الارتفاع كل ساعة. وفيما قتلت “حماس” نحو 1300 مدني وجندي إسرائيلي، تقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 2215 مدنياً فلسطينياً قُتلوا منذ بدء الغارات الجوية الإسرائيلية خلال عطلة نهاية الأسبوع في عمليةٍ انتقامية مروعة، أثارت قلقاً وانقساماتٍ عميقة في جميع أنحاء العالم.

وتشير التقارير إلى أن إسرائيل أسقطت 6 آلاف قنبلة على غزة على مدى 6 أيام، أي ما يقترب من متوسط عدد القنابل التي كان “حلف شمال الأطلسي” (ناتو) قد أطلقها خلال الحرب الأفغانية على مدى عامٍ كامل.

وعلى رغم ذلك، واصلت “حماس” الرد بالمثل من هجماتها. فقد أطلقت 7 صواريخ على مدينة سديروت خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، ما أدى إلى وقوع أضرار محدودة.

وما زالت الجثث ملقاةً في شوارع المدينة الإسرائيلية بعد مذبحة نهاية الأسبوع الفائت، فيما تُجرى عملية إجلاءٍ واسعة النطاق لسكان سديروت البالغ عددهم 30 ألف نسمة. وقد اختار معظم سكان المدينة البقاء في منازلهم بعد هجوم “حماس”، لكن كثيرين منهم يعانون من صدمة.

وفي الأيام التي تلت ذلك، تحولت الصدمة إلى ألم، ثم إلى موجةٍ قوية من الغضب. وتزايدت المطالبات بالانتقام، حتى بين بعض الذين اعتبروا أنفسهم في السابق من دعاة السلام الليبراليين، الذي يسعون إلى المصالحة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ويقول إيثان الذي يبلغ من العمر 42 سنة، والذي كان صديقه من بين الذين قضوا نحبهم في الأحداث المأسَوية التي وقعت يوم السبت الماضي، إن “الجميع أصبحوا الآن متشددين. فمن المستحيل رؤية ما حدث ومعرفة أن أشخاصاً قُتلوا، من دون التأثر. إنها مجرد حقيقة”.

لم يشأ إيثان الكشف عن اسم صديقه لأن السلطات لم تتمكن بعد من الوصول إلى جميع أفراد عائلته. وكان الرجلان اللذان يتقاسمان معتقداتٍ سياسية متشابهة، قد شاركا في الاحتجاجات ضد حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية اليمينية المتشددة، بسبب ما اعتبرا أنها تقوم باعتداءٍ على الدستور وحقوق الإنسان، سواءٌ بالنسبة إلى الإسرائيليين أو الفلسطينيين.

لكن إيثان يريد الآن اتخاذ إجراء حاسم ضد “حماس”، وهو على استعدادٍ لقبول العواقب المأسَوية التي قد تترتب عن ذلك على الحياة المدنية في غزة، ويقول: “يجب القيام بذلك والبت في مسألة “حماس” بشكلٍ نهائي. ويتعين بذل كل جهدٍ ممكنٍ لحماية المدنيين، إلا أن المدنيين للأسف يفقدون أرواحهم في الحروب. لكن العدالة يجب أن تتحقق”.

وفيما كان إيثان يتحدث عن تحقيق العدالة، كان رفيقان له يومئان برأسيهما موافقَين على كلامه.

لكن أدوات تحقيق هذه العدالة تُركت على قارعة الطريق، في وقتٍ ظهرت دبابات “ميركافا” وعربات “جولان” المصفحة، ومدافع هاون “دافيدكا”، ومدافع الميدان “سولتام”، وأنظمة صواريخ “ليزر” و”ماتادور”. أما في القواعد الجوية القريبة، فتم تحميل طائرات الهليكوبتر الحربية من نوع “أباتشي” بالأسلحة.

روايات مختلفة تم تداولها حول موعد تنفيذ المهمة وطريقة القيام بها. ويُعتقد أن هذه المسألة هي موضوع نقاش بين الحكومة وقادة الجيش وأجهزة الاستخبارات. وكان الرئيس السابق لجهاز “الموساد” إفرايم هاليفي، من بين الأشخاص الذين نبهوا إلى أن الحرب البرية قد تكون مكلفة، وربما تزعزع استقرار المنطقة.

وقد تم استدعاء أكثر من 360 ألف جندي احتياطي للالتحاق بالخدمة من داخل البلاد أو من خارجها. وهذا الأمر يطرح مسائل لوجيستية معقدة، لأنه بحسب بعض التقارير، تفاقمت الأمور في المؤسسة العسكرية، نتيجة خصخصة الجيش الإسرائيلي بعض عمليات سلسلة التوريد الخاصة به.

وفيما تؤكد الحكومة إصرارها على أن جنود الاحتياط سيتم تجهيزهم بشكلٍ مناسب بكل ما يحتاجونه، برزت حالاتٌ عدة لعائلاتٍ تحاول بنفسها شراء معداتٍ خاصة – بدءاً من الأحذية إلى الدروع الواقية – لأفراد أسرهم الذين يستعدون للمشاركة في المعركة.

في المقابل، يتأثر توقيت العملية البرية في غزة بعوامل واعتباراتٍ أخرى، بما فيها الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، وقطع خدمات أساسية كالكهرباء والمياه والوقود. فقد نبه خبراء قانونيون إلى أن العقاب الجماعي هو جريمة حرب، ولا يمكن أن يستمر إلى أجلٍ غير مسمى.

ويرى سياسيون أيضاً أن الهجوم يجب أن يحدث بينما لا يزال هناك دعم وتعاطف دوليان مع إسرائيل، في ضوء المذبحة التي ارتكبتها “حماس”. وقد لاحظوا تزايد عدد التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، مع انتشار صور القتلى في غزة.

الوقت أصبح الآن مسألة حياةٍ أو موت بالنسبة إلى سكان غزة. فالحكومة الإسرائيلية كانت قد أعطت مهلةً 24 ساعة لسكان الجزء الشمالي من القطاع لإخلاء المنطقة والانتقال إلى الجنوب، ما أدى إلى حركة نزوح جماعي لما يُقدر بنحو مليون و100 ألف شخص داخل هذه المنطقة الصغيرة التي يبلغ طولها 42 كيلومتراً فقط (26 ميلاً)، فيما لا يتجاوز عرضها في أوسع نقاطه 12 كيلومتراً (7 أميال ونصفاً).

واستناداً إلى تجارب الحروب التي حصلت في الماضي في غزة، فإنه يكاد أن يكون من المستحيل تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين عند شن غاراتٍ جوية في المنطقة. وقد لقي أكثر من 70 شخصاً حتفهم في غارةٍ جوية إسرائيلية على قافلة كانت تغادر مدينة غزة، كما يقول مسؤولون صحيون فلسطينيون.

وتظهر مقاطع فيديو للجثث أن عدداً كبيراً من القتلى كان من النساء والأطفال، ويقال إن بعض الضحايا لا يتجاوز عمرهم عامين. وكانت القافلة المؤلفة من شاحنة مسطحة وسياراتٍ عدة، تسلك مسارها في شارع صلاح الدين، وهو أحد طريقين تم تحديدهما لإخلاء سكان المدينة إلى الجنوب.

إبراهيم وآمنة شحادة وأطفالهما الثلاثة الصغار، كانوا قد أعدوا العدة وانطلقوا نحو الجنوب، لكنهم ما لبثوا أن عادوا إلى منزلهم بعد سماع أخبار قصف القافلة. إلا أنهم قرروا مجدداً القيام برحلتهم لأن الخيار البديل المتمثل في البقاء في الشمال، كان أمراً مرعباً للغاية إلى درجة أنه يفوق أي تصور.

ويقول إبراهيم: “أصيب ابن عمي جواد بجروح بالغة، نتيجة انفجار قنبلة قبل يومين. لقد شهدنا الدمار الذي حدث بالفعل في أجزاء من غزة، فقد اختفت المناطق التي زرناها الأسبوع الماضي. لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن لأحد أن ينجو من الغزو”.

إبراهيم الذي يبلغ من العمر 33 سنة وهو خريج كلية العلوم، ظل عاطلاً عن العمل لنحو خمسة أعوام، يشعر بقلق عميق في شأن ما سيبقى من اقتصاد المنطقة الهش أساساً، بعد الحرب البرية.

أما آمنة البالغة من العمر 28 سنة، فقالت إنه “على الأقل لدينا فرصة للبقاء على قيد الحياة في الجنوب. وعلينا مسؤولية تربية أطفالنا”.

لكن بعض سكان غزة قرروا البقاء على رغم الخطر المحدق بهم. وكان يوسف ومريم زعرب وأفراد أسرتهما المؤلفة من تسعة أفراد، قد سبق أن انتقلوا من قرية بيت هامون في شمال القطاع إلى مدينة غزة، بعد اندلاع القتال. وقالت إبنتهما ليلى: “والداي هما في الثمانينيات من العمر، وهما في حالة صحية سيئة، بالكاد يستطيعان المشي. لقد تمكنا من العثور على مسكنٍ للإقامة فيه، ويقولان إنهما منهكان من وطأة المرض والتعب إلى درجة أنهما لم يعودا قادرَين على الاستمرار. نحن نحاول إقناعهما بالانضمام إلينا، لكن الوقت ينفد”.

الحكومة الإسرائيلية دعت إلى إخلاء المستشفيات في مدينة غزة، في وقتٍ تعمل طواقم الإسعاف بلا كلل على رعاية المصابين على رغم تضاؤل إمدادات الطاقة ونقص الأدوية فيها. وتغص باحة “مستشفى الشفاء” الرئيسي في المدينة بالجثث، لأن المشرحة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد. وينبه موظفون إلى أن الجثث الموجودة في المشرحة ستبدأ في التحلل، مع توقع المزيد من انقطاعات التيار الكهربائي. وقال الدكتور محمد أبو سلمية مدير المستشفى، إنه وطاقمه يواجهان “وضعاً مستحيلاً”.

ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت المستشفيات ستكون قادرةً على تنفيذ الإخلاء. وقال عددٌ من الأطباء إنهم يريدون البقاء مع مرضاهم لأنه ببساطة لا يوجد أي مكانٍ آخر في المنطقة لتزويدهم بالرعاية الطبية.

وأفادت أنباء بأن أحد الجراحين المعروفين وهو مدحت صيدم المتخصص في جراحة التجميل ومعالجة الحروق، قُتل في إحدى الغارات الجوية مع بعض أفراد عائلته.

من المحتمل أن يكون الصراع المقبل أكثر دمويةً من حرب غزة التي وقعت في عام 2014، والتي – بحسب أرقام الأمم المتحدة – قضى فيها أكثر من 2205 فلسطينيين، منهم 1483 مدنياً، في مقابل 71 إسرائيلياً، 66 منهم جنود، وذلك خلال 50 يوماً من القتال.

ومع احتشاد القوات الإسرائيلية على طول الحدود، تشير تقارير إلى أن 40 ألف مقاتل من “حماس” ينتظرون في غزة. وقد تم نشر مقطع فيديو يظهر بعض هؤلاء المقاتلين إلى جانب أطفال إسرائيليين أٌخذوا رهائن مع عائلاتهم.

اندبندنت

مقالات ذات صلة