بعد خيبة الأمل في بلوك 9… هل يحتوي بحر لبنان على غاز؟
قد يكون بعض القوى السياسية بالغ في التفاؤل باكتشاف غاز في بلوك رقم 9 الجنوبي، وربما الآن يبالغ البعض بخيبة أمله في نتيجة عدم العثور على غاز في أحد آبار هذا البلوك، والمؤسف أن هذا الموضوع تداخلت فيه السياسة والاقتصاد منذ البداية، وخصوصاً من “التيار الوطني الحر” الذي اعتبره أحد انجازات عهد الرئيس السابق ميشال عون، فيما يؤكد الخبراء في مجال الطاقة أن الأمر يجب أن يبقى في إطاره العلمي حتى تصدر النتائج وتثبت أن البلوكات الموجودة في بحر لبنان تحتوي على غاز.
يبدو أن نتيجة الحفر لأحد الآبار في بلوك رقم 9 وفق شركة “توتال” لا تحتوي على غاز، وقد أُبلغت وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول إنتهاء الحفر في البئر.
لكن الأستاذ الجامعي المتخصص في شؤون الطاقة شربل سكاف لم يفاجأ بهذه النتيجة، ويعتبر أن عدم العثور على غاز في بئر من آبار بلوك رقم 9 لا يعني أن كل البلوك فارغ من الغاز، علماً أنه يجب إنتظار التقرير الفني الذي سيصدر عن “توتال” أي أن بعض التفاصيل ضروري كمعرفة إذا كان البئر جافاً تماماً أو يحتوي على كمية غاز غير كافية، وحرارته واحتواؤه على بكتيريا… كل هذه الأمور ليست معروفة حتى اليوم.
من المؤكّد أن بلوك رقم 9 يتضمن أكثر من بئر، لكن الاتفاقية مع “توتال انيرجي” و”قطر للطاقة” واضحة بضرورة حفر بئر على الأقل، أما حفر البئر الثاني فيعود حصراً الى تقدير “توتال” بحسب معطيات البئر الأول. وعادة تأخذ الشركة في الاعتبار نتائج البئر الأول لتبدأ باستكشاف الثاني.
نسأل سكاف: على ماذا اعتمد لبنان في الأساس ليبدأ باستكشاف الغاز؟ يجيب: “أولاً اعتمد على دراسات زلزالية جديّة قامت بها شركات متخصصة، ثانياً يتوافر الغاز لدى كل الدول المجاورة القريبة على خط البحر جنوباً مثل قبرص واسرائيل ومصر. ويجب أن لا ننسى أن توتال تنفق أموالاً طائلة خلال الاستكشاف وبالتالي لو لم تكن لديها معطيات، لا تقوم بهذه المهمة، وبالتالي هي ليست جمعية خيرية”.
لا شك في أن البلوكات عددها عشرة تمتد من الشمال إلى الجنوب، وقد سبق أن استكشف بلوك رقم 4 وتبين خلوّه من الغاز. ويرى سكاف أن البلوكات الأكثر احتمالاً لوجود الغاز هي البلوكات الجنوبية، وإذا لم نعثر في البئر الذي استكشفته “توتال” فقد نتوفّق في الآبار الأخرى.
واللافت أن الأحزاب والتيارات السياسية التزمت الصمت بعد النتيجة السلبية في بلوك 9، نظراً إلى تقديراتها الخاطئة التي لم تأتِ فيها حسابات الحقل متطابقة مع حسابات البيدر.
منذ البداية لم يحبّذ سكاف ربط الموضوع بالسياسة والاستثمار الانتخابي، ويلفت إلى أنه كان يجب أن تنصب الجهود على سنّ قوانين اقتصادية اصلاحية، أضافة إلى اصلاحات في القطاع العام والمالية العامة والعمل على تخفيض العجز ورسم خطة اقتصادية تواكب مسألة اكتشاف الغاز، فالموضوع تقني والمرحلة التي يمر فيها اليوم تقنية أيضاً، لكن المسؤولين السياسيين يجدون فيه وسيلة للنفوذ، وربما يتعلقون بخشبة خلاص لتحسين الوضع الاقتصادي، لكن هذا لا يبرر تسييس الموضوع.
في الواقع، لم تكن تلك الحملات السياسية الترويجية سوى تسويق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وتغطية للتنازل عن جزء من المياه اللبنانية وما تحمله من مخزون غازي ونفطي، يمكن التغاضي عنه إذا ما بدأنا باستخراج الغاز سريعاً.
أما سكاف فلا يؤيد نظرية المؤامرة ويعترف بأن هناك سوء حظ في مجال استكشاف الغاز على الصعيد اللبناني.
هناك من ربط حقل كاريش مقابل حقل قانا وتحديداً هذا ما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في 14 تموز 2022: “في حال مُنع لبنان من الافادة من ثروته النفطية فإن إسرائيل لن تستطيع استخراج الغاز والنفط أو بيعهما”. ويبرز تساؤل مهم هنا: هل يسمح “الحزب” لنفسه إذا تطوّرت المواجهات جنوباً باستهداف منصة كاريش وخصوصاً بعدما تبيّن خلو البئر في بلوك رقم 9 من الغاز أو هناك اتفاقية لا يمكن لـ “الحزب” تجاوزها؟
قد تكون مستلزمات الحرب غير مستلزمات السلم، وبالتالي لا أحد يقدر على توقّع ما قد يفعله “الحزب”، لكن سكاف يضع الأمور في نصابها، مشيراً إلى أن معادلة كاريش مقابل قانا غير صالحة، لأن اسرائيل لديها حصة في قانا أيضاً والجميع يعرف ذلك.
بعد خيبة الأمل في بلوك 9 أثار بعض القوى السياسية الكثير من الشكوك بوجود “مؤامرة” على لبنان، تحمل رسالة الى السلطات اللبنانية بأنه في حال فتح “حزب الله” الجبهة الجنوبية مع إسرائيل دعماً للفلسطينيين، فإن الأميركيين والفرنسيين سيطلبون من الشركات وقف أعمال الحفر والتنقيب وحرمان لبنان من استثمار هذه الثروة الطبيعية المهمة التي يراهن عليها لمعالجة أزمته الاقتصادية، وبالتالي إبقاء لبنان تحت الحصار النفطي والمالي والغازي.
مرة أخرى يُكرر سكاف رفضه لنظرية المؤامرة انطلاقاً من مبررات منطقية ترتبط بوجود مصلحة لاسرائيل في استكشاف الغاز في قانا، لكن ما يثير الريبة هو توقّف الحفر عند 3900 متر فيما كانت الضرورة تقضي باستمرار الحفر إلى عمق 4350 متراً المتفق عليه وفق العقد، لأن النتائج باعتقاده قد تنقلب بين متر وآخر، مستنداً إلى تجربة حقل ظهر في المنطقة الاقتصادية المصرية، حين كانت هناك نية لوقف الأعمال، لكن بعد حفر نحو 50 متراً إضافياً وجد أحد أكبر مكامن النفط في البحر المتوسط!
ويرى سكاف أن تحالف الشركات يتكبّد كلفة كبيرة في الحفر، ولا شك في أنه قام بواجبه، ويتوقف قراره على معاودة الاستكشاف في بئر آخر على الوضع الجيو سياسي وخصوصاً حرب غزة والتصعيد على الجبهة الجنوبية.
جورج حايك- لبنان الكبير