خبراء عن العملية البرية في غزة: “كابوس حقيقي” ومهمة “معقدة للغاية”

كان خبير المتفجرات، إيال، يبلغ من العمر 26 عاما، عندما دخل قبل 9 سنوات إلى مشارف قطاع غزة لأول مرة، ويبدو أنه يتأهب للدخول مع القوات الإسرائيلية في عملية برية متوقعة بمواجهة حركة حماس، وفقا لما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية في تقرير خاص.

وعن دخول الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها حماس، أجاب إيال، الذي لم يكشف عن اسمه كاملا: “إنه كابوس حقيقي، فأي شيء تلمسه يمكن أن يكون قنبلة، وأي شخص تراه قد يكون إرهابيا.. عليك أن تتحرك ببطء وحذر، والأمر الوحيد الذي يبقيك على قيد الحياة هو مدى جودة تدريبك”.

وتهدف العملية الإسرائيلية البرية المتوقعة، وفق تصريحات قادة عسكريين إسرائيليين، إلى القضاء على قدرات حماس داخل منطقة تعتبر الأعلى كثافة سكانية في العالم، وذلك بعد الهجوم الذي شنته الحركة الفلسطينية، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وعدد من الدول، على أراضي إسرائيل، السبت.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، الذي أرسل قوات برية في عام 2008 إلى القطاع، البالغ طوله 40 كيلومتراً خلال “عملية الرصاص المصبوب” التي استمرت 3 أسابيع، إن ما ينتظر الجنود الإسرائيليين هو “كل ما يمكن تخيله وما هو أسوأ”.

وأضاف: “لن يكون الأمر بسيطاً، ولن يكون ممتعاً لنا أو لهم.. ونظراً للإخفاقات الاستخباراتية الواضحة التي سبقت هجوم يوم السبت، فمن الممكن أن تتجه القوات الإسرائيلية نحو استخدام قاذفات جديدة، أو أنواع جديدة من الصواريخ الأقوى والأكبر حجماً”.

وعلى عكس المرات السابقة، عندما تم إرسال قوات لتحقيق أهداف محدودة، فقد تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بـ”القضاء نهائيا على حماس”.

وبحسب خبراء، فإن تلك المهمة “ستكون معقدة للغاية ومليئة بالتحديات”، لدرجة أنه “من غير الواضح كم من الوقت ستستغرق”، خاصة أن حماس “جمعت ترسانة صاروخية هائلة منذ دخول الجنود الإسرائيليين إلى القطاع آخر مرة في عام 2014”.

كما قامت بحفر وتشييد مئات الكيلومترات من الأنفاق، لنقل المسلحين والأسلحة، دون أن يتم اكتشافها، وفق الصحيفة البريطانية.

وحتى هجوم السبت الصادم، كان الجيش الإسرائيلي “مقتنعا بأنه كان على علم بتكتيكات حماس، حيث أنفق المليارات على أجهزة استشعار للكشف عن التحركات تحت الأرض وبناء حاجز لمنع الأنفاق من الوصول إلى داخل إسرائيل”.

وأضافت الصحيفة: “الآن، مع حشد 300 ألف جندي إسرائيلي على حدود غزة وقصف القوات الجوية لأهداف تابعة لحماس، يبدو أن الجيش الإسرائيلي على شفا عملية برية لم يسبق لها مثيل، منذ (حرب لبنان) عام 1982

وفي هذا الصدد، أوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الرائد نير دينار: “حماس مستعدة بشكل جيد للغاية، لكننا نعرف ذلك أيضًا، لذلك قمنا بتحسين أدواتنا وأساليبنا”.

وقتل ما لا يقل عن 66 جنديا إسرائيليا و6 مدنيين خلال الحرب مع حماس عام 2014، بينما سقط من الفلسطينيين 2133 شخصًا، من بينهم 1489 مدنيًا، وفقًا للأمم المتحدة.

كما تم تهجير 500 ألف شخص، بعد أن تحولت مساحات واسعة من القطاع إلى أنقاض.

وفي حال اجتياح غزة بريا، فإن الجيش الإسرائيلي “سيقاتل عدواً يستغل الفخاخ المتفجرة ومواقع القناصة المخفية، فضلاً عن مجموعة من التكتيكات منخفضة التقنية، لإضعاف القدرات التكنولوجية الإسرائيلية”، وفق الصحيفة.

وبحسب العقيد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي، شمعون أراد، فقد “منعت شبكة الأنفاق في غزة، قوات بلاده من القيام بعمليات برية واسعة النطاق داخل القطاع في الحروب السابقة”.

وسيستخدم الجيش الإسرائيلي ما يسمى بـ “عقيدة النصر”، والتي تتطلب من القوات الجوية أن يكون لديها مجموعة كبيرة من الأهداف التي تم فحصها مسبقًا، وتدميرها بطريقة سريعة.

وقد بدأ الأمر بالفعل، حيث تقصف الطائرات المقاتلة بشكل مكثف مساحات واسعة من غزة، وتتوقف فقط للتزود بالوقود، وغالبًا ما تحدث عملية التزود بالوقود في الجو، حسب الصحيفة.

“تكتيكات عسكرية”

وقال الضابط الأميركي السابق، جون سبنسر، الذي يرأس قسم دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في الأكاديمية العسكرية الأميركية، المعروفة باسم “ويست بوينت”: “ستكون الأمور دموية للغاية.. لا يمكن تغيير طبيعة حرب المدن، لذلك سيكون هناك الكثير من الأضرار الجانبية”.

وقد طورت إسرائيل بعضًا من أحدث التدريبات على حرب المدن في العالم استعدادًا لمثل هذه الصراعات، حيث لا تزال تجري مناورات معقدة في منشأة تبلغ مساحتها 5000 فدان (أكثر من 20 كيلومترا مربعا) في جنوب إسرائيل.

وكشف تقرير “فايننشال تايمز”، أنه كان قد جرى بناء تلك المنشأة عام 2005، “لتبدو وكأنها مدينة شرق أوسطية، حيث تضم 600 مبنى، بما في ذلك مساجد وأحياء عشوائية وشوارع وأزقة ضيقة”.

وإحدى التقنيات العسكرية التي بالإمكان استخدامها، هي دخول المباني عن طريق اختراق الجدران الجانبية، لتجنب الأبواب المفخخة.

وبمجرد الولوج إلى المبنى، يقوم الجنود بتفجير الجدران والسلالم الداخلية، والانتقال عبر الأبنية، وبالتالي يمكن تجنب نيران القناصة.

وهناك تكتيك آخر يتمثل في استخدام الجرافات المدرعة التي يبلغ ارتفاعها 3 طوابق، لتمهيد الطريق أمام الوحدات التي تقاتل على الأرض.

وهنا يوضح، أنتوني كينغ، أستاذ دراسات الحرب في جامعة إكستر ومؤلف كتاب “الحرب الحضرية في القرن الحادي والعشرين”، إن “الخطوة الأولى المحتملة لإسرائيل ستتضمن عمليات يمكن تشبيهها بأسطوانة متعددة الطبقات”.

ويشرح: “ستتواجد الطائرات بدون طيار الصغيرة والمروحيات الهجومية في أدنى طبقة، وفوقها طائرات المراقبة، ثم الطائرات المقاتلة، وفي أعلى (الأسطوانة) ستتواجد طائرات الاستطلاع الاستراتيجية، مع ربط جميع الطبقات ببعضها البعض”.

وزاد: “الخطوة التالية ستشهد مرور المدرعات في الشوارع وقوات المدفعية، لتفجير الطرق وتمهيدها، وبالتالي سيكون الأمر مدمرا للغاية”.

وقبل أن تتمكن القوات الإسرائيلية من الوصول إلى معاقل حماس الحضرية، يتعين عليها اختراق سلسلة من الخطوط الدفاعية التي ستشمل الألغام ومواقع الكمائن ومدافع الهاون، وذلك وفقا لمراجعة حديثة أجراها المستشار الأمني الإسرائيلي السابق، نداف موراغ.

من جانب آخر سيتطلب اختراق الأنفاق “قتالا مكثفا واستخدام للقنابل الإسفنجية”، وهو مركب كيميائي يغلق المداخل الصغيرة، حسب الصحيفة.

وأوضح سبنسر: “تلك القنابل لا تدمر الأنفاق، لكنها تسمح للقوات بالمضي قدمًا دون أن تضطر إلى إخراج قوات العدو من كل نفق”.

تقليل الخسائر بصفوف المدنيين
وبحسب خبراء، فإن تفكيك حماس مع إنقاذ المختطفين الإسرائيليين وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، سيكون “مهمة معقدة للغاية بالنسبة للجيش الإسرائيلي”.

فخلال الحرب بين إسرائيل وحماس عام 2021، تم تحذير المدنيين من خلال المنشورات ومكبرات الصوت والهواتف لإخلاء مناطق المعركة قبل شن الضربات.

لكن الأمر لم يعمل دائمًا كما هو مخطط له، فحتى عندما تصيب النيران الدقيقة “مواقع العدو” في أحد المباني، فإنه بإمكان المسلحين الانتقال إلى مبنى آخر إلى أن يتم تدميره، وهكذا دواليك.

وفي هذا الصدد، حذر أولمرت من أن “نتانياهو والجيش الإسرائيلي يواجهان مأزقاً أخلاقياً، فاستخدام القوة الجوية لمهاجمة حماس يزيد من خطر وقوع خسائر في صفوف المدنيين، بينما الاعتماد على القوات البرية سيكون أكثر دقة، لكنه يزيد من المخاطر على الجنود الإسرائيليين”.

وأضاف: “الأمر يتلخص في أمر واحد: هل نحن مستعدون للقيام بعمل ينطوي على مخاطر كبيرة للجنود الإسرائيليين، أم أننا سنختار استراتيجية من شأنها أن تتسبب في مقتل عدد أكبر من الأشخاص غير المتورطين بشكل مأساوي”.

وختم بالقول: “مما أعرفه عن الرأي العام الإسرائيلي في الوقت الحالي، فإن الدافع سيكون القيام بمخاطرات أقل”.

الحرة

مقالات ذات صلة