عشية اجتياح بري بات وشيكا.. “السيوف الحديدية”.. حرب إسرائيلية على غزة والهدف نكبة جديدة
يتساءل كثيرون عن دلالة انضمام “الحزب الدولاني” برئاسة الجنرال في الاحتياط النائب بيني غانتس لحكومة “وحدة وطنية طارئة مؤقتة” على الحرب على غزة.
غانتس أوضح ذلك بقوله بعد الإعلان عن انضمامه لحكومة الاحتلال ليلة أمس، إنه يساند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت في هذه الفترة الحساسة دون أن يقدم أي شرط.
ولن تبشّر هذه المبادرة من قبل غانتس بتخفيف وطأة الحرب على المدنيين في غزة، ورفع العقاب الجماعي الوحشي عنهم. بالعكس، فغانتس وزملاؤه أيضا يعتقدون أن الضربة التي وجهتها حماس يوم السبت، هي استراتيجية تاريخية نتائجها الخطيرة لا تنحصر بما يُرى، وبالخسائر البشرية والمادية، بل لأنها تسببت بانكسار في الروح المعنوية، وتدمير ثقة الإسرائيليين بدولتهم لا بحكومتهم فحسب. ولذا فهو متماثل مع المؤسسة الأمنية والطبقة السياسية الحاكمة الداعية لضربة ترد الصاع صاعين، واستهداف القطاع بشكل عشوائي وإغراقه بالدم والدموع، على أمل أن تستعاد الثقة وأن ترمّم قوة الردع الجريحة والهيبة النازفة.
غانتس يحاول بهذا السلوك السياسي المستجد، المشاركة في منح الإسرائيليين وجبة أكسجين لرفع منسوب معنوياتهم وهو بالحضيض منذ السبت الأخير. وتتأجج الحالة المعنوية وتهتز مجددا مع انطلاق الجنازات وارتفاع عدد قتلى الإسرائيليين لـ1300 منهم مئات من رجالات الجيش والشرطة والمخابرات، علاوة على 3000 جريح مع الكشف عن المزيد من ملامح “الطوفان”.
فقد كشفت القناة 12 العبرية أمس مقاطع توثيقية من احتلال مستوطنة “بئيري” من قبل عناصر حماس، الذي ارتدوا الزي العسكري الإسرائيلي، ونجحوا بالمزيد من التضليل والمباغتة، وتمكنوا من قتل عشرات من وحدات النخبة الإسرائيلية.
وغانتس أيضا كما لدى نتنياهو، حسابات سياسية تدفعه لتأييد تصعيد البطش و”جباية ثمن” يعلّم الفلسطينيين درسا لا يُنتسى، وإرسال شارة “دير بالك” تحذيرية لحزب الله وإيران.
دلالة انضمام غانتس لحكومة الاحتلال
علاوة على حسابات الدولة اليهودية، من المرجّح أن يسعى غانتس لإثبات وطنيته مقابل مزاودات متتالية من قبل اليمين الصهيوني عليه وعلى اليسار الصهيوني، مثلما أن نتنياهو يرغب بإشباع شهوة الانتقام لدى الإسرائيليين، والسعي للإجهاز على المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة وخارجه ليرضيهم، وربما يخفّف وطأة الغضب الكبير ضده، خاصة وأنه على موعد مع زلزال سياسي كبير يتمثّل بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للنظر بـ”فضيحة السابع من أكتوبر 2023″ على غرار لجنة “أغرانات” الرسمية عقب انتهاء حرب 1973. تجلى ذلك بانتقال القادة الإسرائيليين أمس بعد إعلان “حكومة الطوارئ” للحديث عن “تدمير حماس” بدلا من “انتزاع قدراتها العسكرية”.
على قدر الوجع والخسائر يأتي القتل والعقاب الجماعي
في اليوم السادس لهذه الحرب الخامسة على غزة، تدلل وقائع النار والدمار فيها، أنها تشّن على القطاع لا على حماس والجهاد الإسلامي فحسب، وأن الهدف ليس الانتقام فقط، بل تحييد التهديد الفلسطيني منها، وإشباع رغبة الإسرائيليين بالثأر ومحاولة كسب نقاط للإفلات من عملية مساءلة ومحاسبة مستقبلية مؤكدة داخل إسرائيل، وهو محاولة ترميم ثقة إسرائيل بذاتها واستعادة هيبتها من خلال نكبة جديدة داخل القطاع على مبدأ أن “طوفان الأقصى” ضربة استراتيجية موجعة ينبغي البحث عما يوازيها، وعلى مبدأ “على قدر الوجع والصدمة والانكسار، تأتي الهجمات الوحشية وبأسلحة تقليدية وأخرى محرّمة دوليا كالفوسفور”.
ويتجلى هذه الهدف الإجرامي بتصريحات إسرائيلية ومواقف معلنة تطالب بالدم وتسوية قطاع غزة بالرمل كما حصل في حي الرمال، وبالقصف المكثف دون تمييز بين عسكريين ومدنيين كما قال وزير الأمن يوآف غالانت منذ اليوم الأول، وكما يتجلى على سبيل المثال في قصف حي الشجاعية بـ100 طن من المتفجرات في ليلة واحدة.
لذلك وبالتزامن مع القصف الأعمى، تتواصل التهديدات والتصريحات الدموية في إسرائيل والهادفة لشيطنة حماس وغزة، وبشكل غير مباشر كل الفلسطينيين من خلال نعتهم بـ”داعش” و”الوحوش الآدمية” الرامية لكسب الصمت والتأييد الدولي على العقاب الجماعي والقصف الأعمى الذي يرتقي لجرائم حرب ويوقع أعدادا هائلة من الضحايا داخل غزة، وهي أكثر مما يقال رسميا. وكل ذلك، وسط استفادة من دعم غربي سافر يتجاهل الجحيم الذي يتعرض له المدنيون في غزة.
وبعد زيارة وزير الخارجية البريطاني، يصل وزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل اليوم (يلتقي الرئيس عباس والملك الأردني عبد الله الثاني) لذات الهدف: تأكيد الدعم لإسرائيل.
نحن أو هم
يعبر عن هذه التوجهات، عدد كبير من جنرالات الاحتياط، منهم مستشار الأمن القومي السابق الجنرال غيورا أيلاند، الذي يواصل دعواته لقطع الماء والكهرباء والغذاء عن الغزيين بشكل كامل، بهدف إنتاج “كارثة إنسانية”.
وتبعه الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، الذي يدعو هو الآخر لاقتلاع حماس والجهاد الإسلامي، وتغيير واقع الحال في القطاع بكل ثمن دون الانتباه لاحتجاجات عالمية ربما تحدث بعدما تنشر مشاهد الدمار والقتل في غزة.
كما لا يتردّد صحافيون إسرائيليون بالتماثل مع دعوات العسكر ممن يدعون لحرب وجودية على شاكلة إما “نحن أو هم”. وذهب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق مئير بن شبات، رئيس “معهد مسغاف للأمن والاستراتيجيا الصهيونية” إلى ما هو أبعد من ذلك، بقوله في مقال نشرته صحيفة “غلوبس” العبرية اليوم الخميس: “إننا في ذروة حدث جلل له انعكاسات تاريخية، وعلى العملية الإسرائيلية أن تقلب ضربة حماس المباغتة لنكبة غزة”.
ويبرر بن شبات دعوته هذه لتدمير حماس بأن “ضربتها الشيطانية المرعبة توفّر مبرّرا كاملا لخطوات غير تقليدية وغير مألوفة من قبل إسرائيل، وفي إسرائيل كما في الشرق الأوسط، كله سيتم تثمين وتقدير من يرد بقوة أكبر على هذه الضربة الإجرامية. في نهاية اليوم نحن شعب قوي”، بحسب قوله.
إعلام مجنّد
وهذا هو المزاج السائد في إسرائيل، القائم على إجماع صهيوني بضرورة توجيه ضربة موجعة لقطاع غزة عسكريين ومدنيين على حد سواء، ودون رحمة.
وتشارك وسائل الإعلام إلا بعض الأوساط الإعلامية القليلة في الحرب على غزة، بشيطنة الجانب الفلسطيني وحجب مشاهد القتل والعقاب الجماعي داخل القطاع، وحتى تغييب قضية الأسرى العسكريين والمدنيين الإسرائيليين في غزة.
في الشاشات المتلفزة العبرية، يرد وسم مكتوب منذ اليوم الأول تحت عنوان “معا ننتصر” وهي تساند هذا الاستهداف المنفلت للقطاع ضمن سلوك القطيع المعروف في الحروب والأزمات. يشذ عن هؤلاء الكاتب الصحافي غدعون ليفي، الذي يؤكد في مقال بعنوان “رعب في سديروت ورعب في الرمال” نشرته صحيفته “هآرتس” العبرية اليوم، أن الفلسطينيين في القطاع بشر.
ويتابع: “داخل غزة، يعيش آدميون مثلنا، لكن الآن من الصعب ذكر هذه الحقيقة. عندما يسود خطاب الوحوش الآدمية، ويصل حتى وزير الأمن غالانت وللشارع ولاستوديوهات التلفزة، ويكون هذا الخطاب هو السائد، يكون من الصعب الحديث عن الغزيين كبشر. الحقيقة أن ما قامت به حماس عمل بربري، ومع ذلك لابد من التذكير أن هناك مليونيْ نسمة يعيشون داخل هذا القفص المدعو قطاع غزة، نصفهم لاجئون صنعت إسرائيل لجوءهم، وعلينا التشديد على هذه الحقيقة رغم الصعوبة”.
المعضلة اللبنانية أمام المجلس الوزاري الحربي الجديد
هل يخفف حزب الله الحرب عن غزة؟ سؤال يشغل الإسرائيليين. وهناك من يرى أن نصر الله يصعّد ويسخّن تمهيدا للانضمام لحرب تكون أوسع وأخطر تلتحم فيها كل الساحات. فيما يشكك آخرون بذلك، مشيرين لارتداع نصر الله خاصة بعد التهديدات الأمريكية الصارمة، ونظرا لوجود حسابات ترتبط أيضا ببيروت وطهران، لا بحي عبسان وسائر قطاع غزة.
في المقابل، هناك شبه إجماع في إسرائيل على ضرورة تحاشي فتح جبهة في شمال البلاد؛ لأن ذلك سيفقدها فرصة تحقيق الأهداف المشتهاة على الجبهة الجنوبية، وهناك من يدعو للمزيد من الضربات في غزة كي يتعلم حزب الله وبقية أعداء إسرائيل الدرس.
لكن التوتر في الشمال يتصاعد في ظل عمليات يشهدها الجليل مصدرها جنوب لبنان، تهدف على ما يبدو لتخفيف وطأة الحرب الإسرائيلية على غزة من خلال محاولة ردع إسرائيل عن اجتياح بري للقطاع بالتلويح بخطورة إشعال جبهة جديدة، وكل ذلك بالتزامن مع استكمال الاستعدادات العملية والمعلنة لاجتياح بري، ربما بطريقة مختلفة عما كان في 2014، ولكنه يبدو وشيكا وفق قرائن كثيرة، منها إعلان وزير الداخلية الإسرائيلي عن نيته تأجيل انتخابات الحكم المحلي التي كان من المزمع عقدها في نهاية الشهر الجاري، لما بعد ثلاثة شهور، وكذلك إعلان الجامعات الإسرائيلية اليوم الخميس، تأجيل افتتاح السنة الدراسية إلى الخامس من الشهر المقبل.
القدس العربي