هل كان يعلم: ماذا في طيات ساعة الصفر الايرانية؟
واستعان الفلسطينيون على قضاء حوائجهم بالكتمان، عامٌ من التفكير والتخطيط والاعداد أحيط بسرية غير مسبوقة حتى انفجر “طوفان الأقصى” الذي أزال واقعاً مريراً من الذل ليرسي وقائع ستغيّر في قواعد اللعبة السياسية والعسكرية بين الفلسطينيين والعرب والكيان الصهيوني الغاصب. وعلى الرغم من أن حركة “حماس” بجناحها العسكري المتمثل بـ “كتائب القسام” هي مَنْ تزعمت عملية الثأر الكبير، إلا أن هناك حرصاً فلسطينياً مدوياً على إظهار وحدة الدم والسلاح الفلسطينيين تجاه العدو الاسرائيلي حتى حركة “فتح” غير المنسجمة مع “حماس” سياسياً إلا أن الكرامة والأرض والتاريخ تجمع ولا تفرق.
حجم الكوارث التي خلفها “طوفان الأقصى” في الداخل الاسرائيلي لناحية عدد القتلى والأسرى أربك العدو حدَّ فقدانه السيطرة على نفسه وأظهر ضعف منظومته الدفاعية وفق ما عبّر عنه الرئيس الأميركي جو بايدن، كما خلق الطوفان توازناً غير مسبوق بين الفريقين لناحية الخسائر البشرية، فللمرة الأولى يخسر فيها العدو الاسرائيلي هذا الكم الهائل من القتلى في مقابل سقوط شهداء من الجانب الفلسطيني الذي اعتاد تقديم الآلاف من أبنائه أمام العشرات من الطرف الآخر.
عنصر المفاجأة الذي تميزت به هذه العملية المجيدة يؤكد صلابة الموقف الفلسطيني حيال القضية ويظهر أن هناك حرصاً شديداً على حمايتها من التجار والمستثمرين ومدَّعي الولاء والوفاء لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
من البديهي وضع مواقف فريق الممانعة في المنطقة والاقليم في ميزان الربح والخسارة على اعتبار أن “حماس” إحدى أهم فصائل هذا المحور، ولكن إذا حرصت إيران على التنصل من أي مسؤولية عن عملية “طوفان الأقصى” وهو ما عبّر عنه مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي لتبرئة معركة “حماس” المقاوماتية الوطنية من أيادي التدخل الخارجي، وكان قد صرح به مسؤول أميركي عن عدم ثبوت أي تورط إيراني حتى اللحظة وهي شكوك يتفق فيها الفرنسيون معهم أيضاً، فإن شكوكاً قوية تثار حول صحة احتمال إبقاء مخططات عملية “طوفان الأقصى” طي الكتمان حتى عن مختلف قوى الممانعة في المنطقة بمن فيها إيران والحرس الثوري وسوريا و”حزب الله” نتيجة خوف تسلل إلى صدور رجال المقاومة الفلسطينية من استخدام قضيتهم واستثمار بسالتهم في تحسين ظروف التفاوض النووي الذي تخوضه إيران مع الأميركيين أو رفع السقوف الانفتاحية على العرب باستخدام أوراق عسكرية تعوق المشاريع النهضوية المرتقبة في المنطقة.
شكوك تقود إلى الاعتقاد بأن “حزب الله” لو كان على دراية بما تحضره الحركة “الحليف المفترض” لكان استخدم لغة خطابية مختلفة حيال الاستحقاقات الداخلية منها انتظار نتائج التنقيب عن النفط وترسيم الحدود البرية والأهم الانتخابات الرئاسية التي بنى آماله على المبادرات الفرنسية لإيصال مرشحه سليمان فرنجية، فمواقفه حيال مختلف هذه القضايا اتسمت بكثير من الهدوء والتروي والتواضع الخطابي. فبعد انتصاره الالهي في حرب تموز 2006 ترجمه احتلالاً لشوارع بيروت في محاولة لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة تُوّج بأحداث 7 أيار وإنجاز اتفاق الدوحة الذي كرّس فيه الثلث المعطل في الحكومات المتعاقبة. وبعد مشاركته في الحرب السورية وترجيح كفة ميزانها لصالح نظام بشار الأسد ترجمه تعنتاً في الانتخابات الرئاسية في لبنان حتى انتخاب حليفه ميشال عون رئيساً للجمهورية.
أما اليوم فلو كان الحزب يعلم بالطوفان الآتي من الأقصى مع ما سيتأتى عنه من انتصار افتقده العرب لعقود فهل كان ليبديَ استعداده لمناقشة خيارات رئاسية خارج دائرة مرشحه سليمان فرنجية؟ أما كان ليتشدد في تمسكه بخيار ترشيح حليف المقاومة الذي لا يطعنها ريثما تبدأ عملية “طوفان الأقصى” ليستثمر نتائجها العسكرية في الاستحقاقات السياسية وربما الدستورية؟ أما كان ليتوعد ويشهر سبابته؟
لا شك في أن القادم من أيام الطوفان سيحمل أجوبة شافية تهدئ من روع مجمل هذه التساؤلات التي تثار في النصوص والنفوس على السواء، فالاصرار الفلسطيني على ذكر “حزب الله” في قلب العملية العسكرية أقرب إلى المجاملة المعنوية على اعتبار أن روح المقاومة واحدة، والمناوشات الحاصلة عند الحدود الجنوبية اللبنانية والتصويب المحدود على الأهداف ورد الصاع صاعاً واحداً فقط خير دليل على تواضع مشاركة “حزب الله” في عملية “طوفان الأقصى” إلا إذا كان للحزب كلام آخر يخبئه في طيات ساعة الصفر الايرانية.
قد يكون هناك احتمال آخر بأن العملية الطوفانية هي نتاج عمل مقاوماتي ممانع جامع ومشترك من غزة والضاحية إلى سوريا فإيران وبإشراف مباشر من السيد حسن نصر الله الذي يعلم بكل شيئ حتى قبل حدوثه، فهل كان حقاً يعلم أم لا يعلم؟
إلى حين البت بحقائق الخفايا لناحية التفكير والتخطيط والتمويل والأدوار والمشاركة ستتعدد التحليلات وستبقى النتيجة واحدة هي “الانتظار”، إنتظار إما عرض رواية الطوفان كاملة أو إبقاؤها طي الكتمان هو نفسه الذي أحيط به التخطيط لهذه العملية.
عاصم عبد الرحمن- لبنان الكبير