ماذا يعني “استعراض القوة” لحاملة الطائرات الأميركية “جيرالد فورد”؟
مع وصول أحدث وأكبر حاملات الطائرات الأميركية “يو أس أس جيرالد فورد” إلى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل، تثور أسئلة عدة حول المقصود بتعبير “استعراض القوة” الذي استخدمه العسكريون الأميركيون عندما اتخذ الرئيس بايدن القرار بتحريكها لدعم إسرائيل، وما إذا كانت واشنطن مستعدة بالفعل لاستخدام هذه الحاملة ومجموعتها الضاربة من مدمرات وطراد في الصراع القائم الذي قد يمتد لأسابيع، وما الذي تستطيع أن تفعله “جيرالد فورد” لإسرائيل؟ وهل تستطيع هذه الحاملة الضخمة حماية نفسها من الصواريخ التي قد تستهدفها؟
استعراض القوة
في أعقاب الهجمات القاتلة التي شنتها “حماس” على إسرائيل، أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأحد الماضي مجموعة حاملة الطائرات “جيرالد آر فورد” بالتوجه إلى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل التي تعتبرها الولايات المتحدة أكبر حليف لها في الشرق الأوسط، وهو ما جعل الخبراء والمحللون العسكريون الأميركيون يشيدون بهذه الخطوة، التي يطلق عليها اسم “استعراض القوة”.
وتستخدم عبارة “استعراض القوة” لوصف وضع السفن والطائرات الحربية وغيرها من الأسلحة بالقرب من مناطق الصراع المحتملة لإثبات أن الولايات المتحدة مستعدة للتصرف عسكرياً إذا لزم الأمر، ونقل موقع “بريكنغ ديفنس” الدفاعي عن مسؤول أميركي بارز قوله إن “وصول حاملة الطائرات جيرالد فورد يعكس التزام أميركا بالدفاع عن إسرائيل بعد الضربة المفاجئة التي تعرضت لها”.
وفي حين ينصب التركيز الأساسي وراء هذه الخطوة على الإشارة التي ترسلها أميركا إلى إيران، يرى خبراء عسكريون أميركيون أن هناك فوائد عملية تتجاوز “استعراض القوة” تتمثل في أن حاملة الطائرات ومجموعتها الضاربة لديها القدرة على إعادة إمداد الإسرائيليين باحتياجاتهم من الذخيرة والأسلحة، فضلاً عن جمع المعلومات الاستخبارية والتنصت ورصد الاتصالات، وتوفير المعلومات اللازمة، وهي طبقة أخرى من الحماية طويلة المدى لإسرائيل، التي يأمل البنتاغون في أن تمنع اللاعبين الآخرين من توسيع الصراع.
قائمة خيارات
وبينما يرى الخبير في معهد “أميركان انتربرايز” جون فيراري، أن “وجود البحرية الأميركية في منطقة حرب في الشرق الأوسط أمر بالغ الأهمية وهو الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به”، يعتبر كبير الباحثين في مركز الأمن الأميركي الجديد والمساعد السابق في لجنة خدمات القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، جوناثان لورد، أن “جلب مجموعة حاملة الطائرات الضاربة إلى شرق البحر المتوسط من شأنه أن يمنح الرئيس جو بايدن قائمة كاملة من الخيارات لدعم إسرائيل”.
وعلى سبيل المثال، يمكن لمجموعة حاملات الطائرات الهجومية، التي تتألف من الحاملة “جيرالد فورد” والطراد نورماندي وأربع مدمرات من طراز فورد قادرة على إطلاق الصواريخ، أن توفر دفاعاً صاروخياً باليستياً لإسرائيل حينما تكون قواتها منشغلة بمهمات أخرى.
ووفقاً للأدميرال المتقاعد من البحرية الأميركية، الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مارك مونتغمري، فإن المهمة الرئيسة للمجموعة الهجومية لحاملة الطائرات “جيرالد فورد” هي الدفاع بالصواريخ الباليستية ضد الصواريخ الإيرانية في حال وجود أي هجوم على إسرائيل من إيران، ذلك أن الدفاع الصاروخي الباليستي لن يكون فعالاً ضد الهجمات من غزة أو لبنان.
ردع وإمداد ومراقبة
وعلى رغم أن بعض الصواريخ أطلقت بالفعل من لبنان على الأراضي الإسرائيلية، إلا أن مسؤولاً دفاعياً أميركياً كبيراً قال، إن “أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى الدفع بالمجموعة الضاربة لحاملة الطائرات إلى المنطقة هو ردع “حزب الله” عن اتخاذ القرار الخاطئ بتوسيع نطاق الصراع”، من دون أن يكشف ما إذا كانت الطائرات المقاتلة الأميركية فوق الحاملة أو المدمرات والطراد المرافق لها، يمكن أن تقصف مواقع “حزب الله” بالصواريخ من الجو والبحر إذا شن حرباً واسعة ضد إسرائيل.
وهناك أيضاً قدرات أخرى لحاملة الطائرات التي يمكن من خلالها تزويد إسرائيل بمزيد من الصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية التي تقول صحيفة “بوليتيكو” إن مسؤولي الإدارة الأميركية أخبروا المشرعين في الكونغرس أن إسرائيل في حاجة ماسة إلى مزيد من الصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية، وهو نظام دفاع صاروخي من صنع شركة “رافائيل” وشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية الذي مولته الولايات المتحدة بكثافة لمواجهة الصواريخ التي تطلق من غزة وجنوب لبنان.
وعلاوةً على ذلك، تستطيع حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إيصال المساعدات إلى إسرائيل من خلال طائراتها المروحية التي يمكن أن تحمل الإمدادات، ذلك أن الحاملة تمتلك مخزناً ضخماً من الأسلحة بحسب جيري هيندريكس، وهو كابتن بحري متقاعد وكبير باحثين في معهد ساغامور للأبحاث ومقره مدينة إنديانابوليس.
كما أن المجموعة الهجومية التابعة لحاملة الطائرات تجلب معها مجموعة متنوعة من القدرات المتطورة في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية والاتصالات التي يمكن استخدامها لنقل الإنذارات المبكرة بسرعة إلى القوات الإسرائيلية قبل الهجمات القادمة وفقاً لموغال براد بومان، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
ويقول دوغلاس بوش، رئيس قسم المشتريات بالجيش الأميركي، إنه لا يزال من السابق لأوانه الكشف عن أسلحة محددة قد تكون متجهة إلى إسرائيل، لكنه قال إنها يمكن من الناحية النظرية أن تشمل مجموعة واسعة من الأشياء من الأسلحة الصغيرة إلى الذخائر المتطورة، كما أوضح أنه يمكن للجيش أن يرسل صواريخ اعتراضية أو قاذفات صواريخ إلى إسرائيل.
هل تغير “فورد” شيئاً؟
فيما يعد هذا الانتشار القتالي هو الأول لحاملة الطائرات “يو أس أس جيرالد فورد”، فإنها تندرج في فئة خاصة بها عندما يتعلق الأمر بالقدرات الهجومية، ووفقاً للبحرية الأميركية، فهي “منصة حربية مبتكرة” سميت على اسم الرئيس الثامن والثلاثين للولايات المتحدة كنوع من التكريم والاحترام كون الرئيس فورد كان ضابطاً خدم في البحرية خلال الحرب العالمية الثانية. وبدأ تشغيل هذه الحاملة في عام 2017، وهي أول حاملة طائرات جديدة تصنعها الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، ويبلغ طول الحاملة التي تسمى “القلعة العائمة” 1100 قدم (335 متراً) من مقدمتها إلى آخرها، وهي أطول من ثلاثة ملاعب كرة قدم مجتمعة، وتعمل بمفاعلين نوويين متطورين، مما يسمح لها بالتقدم بسرعة 34.5 ميلاً في الساعة، باعتبارها السفينة الأولى من نوعها للجيل المقبل من حاملات الطائرات.
تقنيات هجوم ودفاع
وفقاً للبحرية الأميركية، تحمل “جيرالد فورد” 23 تقنية لتوفير قدر أكبر من الفتك والقدرة على البقاء وقابلية التشغيل البيني المشترك مع تقليل تكاليف التشغيل والصيانة، وعلى عكس حاملات الطائرات القديمة المجهزة بمقاليع تعمل بالبخار لإطلاق الطائرات، فإن “فورد” لديها نظام إطلاق كهرومغناطيسي جديد، يسمح بمزيد من التحكم والأتمتة.
وإضافة إلى ذلك، تحتوي السفينة على مصعد أسلحة متقدم، يمكنه نقل 24 ألف رطل لكل حمولة بسرعات أكبر من حاملات الطائرات فئة “نيميتز” التي تسبق فئة “جيرالد آر فورد”، كما تحمل الحاملة مجموعة من الأسلحة المصممة لدعمها ضد الهجمات أثناء إطلاق طائرات مدججة بالسلاح لمئات الأميال في أي اتجاه، ومن بين الأسلحة على متن حاملة الطائرات صاروخ يدعى “عصفور البحر” الذي يوفر قدرة موثوقة للدفاع عن النفس ضد صواريخ “كروز” المضادة للسفن عالية السرعة ومنخفضة الارتفاع والتهديدات الجوية منخفضة السرعة مثل المروحيات، والتهديدات السطحية عالية السرعة القابلة للمناورة.
وتم تجهيز “جيرالد فورد” أيضاً بصاروخ خفيف الوزن، هو “رولنغ آيرفرام”، وهو سلاح أسرع من الصوت يهدف إلى الدفاع ضد صواريخ “كروز” والتهديدات الأخرى.
ويمكن للسفينة أن تحمل ما يصل إلى 90 طائرة، وفقاً لشركة “نافال تكنولوجي”، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز “أف 35″، التي يبلغ مداها حوالى 1000 ميل، ويمكنها حمل ما يصل إلى 18 ألف رطل من الأسلحة، وفقاً لشركة “لوكهيد مارتن”، وهي الشركة المصنعة، كما يعمل على متنها ستة آلاف بحار، مما يجعل عدد سكانها أكبر من عديد من المدن الأميركية.
العالم يراقب
وفي حين يترقب العالم ما الذي يمكن أن تفعله حاملة الطائرات “جيرالد فورد” في صراع غير تقليدي قد يطول في غزة، وربما يتسع إلى ساحات معارك أخرى، يستمر القصف الإسرائيلي على القطاع وتتواصل الرشقات الصاروخية من “حماس” والفصائل المسلحة الفلسطينية ضد المدن والبلدات الإسرائيلية ما أدى إلى ارتفاع متزايد في عدد القتلى والمصابين.
وبينما تحشد الولايات المتحدة وإسرائيل دول العالم لإدانة هجوم “حماس” وقتل المدنيين الإسرائيليين بشكل عشوائي واختطاف العشرات كرهائن، استشهدت “حماس” بزيادة المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون كأحد أسباب هجومها، وفقاً لوكالة “أسوشييتد برس”.
وخلص تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2022 إلى أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني بموجب القانون الدولي بسبب ديمومته وسياسات الضم الفعلية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، ويعيش سكان قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي منذ عام 2007، عندما سيطرت “حماس” على المنطقة، وليس لديهم مكان يذهبون إليه، وفقاً للأمم المتحدة، كما يعاني 63 في المئة من السكان الذين يعيشون هناك من انعدام الأمن الغذائي، وعديد منهم لاجئون ونصفهم من الأطفال، كما لا يحصل 95 في المئة منهم على المياه النظيفة، وفقاً للأمم المتحدة، ووصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” غزة بأنها “سجن مفتوح”، ووصفها الأمين العام للأمم المتحدة بـ “الجحيم على الأرض”.
اندبندنت