“نادي قضاة لبنان” متهم بخرق موجب التحفظ

تجاوز الخلاف بين “نادي قضاة لبنان” ووزير العدل هنري خوري مستوى الاختلاف في وجهات النظر حول “موجب التحفظ”، إلى المستوى العقابي أمام “التفتيش القضائي”. ودخلت العدلية في مرحلة انتظار القرار المتوقع صدوره بحق الهيئة الإدارية المؤلفة من ثمانية قضاة، والذي يمكن أن يتراوح بين حفظ الملف، أو الإحالة للمجلس التأديبي لاتخاذ إجراء كالتنبيه، أو التأديب وكسر الدرجة أو حسم الراتب، وصولاً إلى الطرد، وإن كان الخيار الأخير مستبعد إلى حد بعيد.

أمام التفتيش القضائي

الأربعاء الماضي 4 أكتوبر (تشرين الأول)، مثلت الهيئة الإدارية لـ”نادي قضاة لبنان” أمام التفتيش القضائي برئاسة القاضية بالتكليف سمر سواح الذي استمع إلى أقوالهم بناء لطلب وزير العدل هنري خوري الذي “أرسل إلى التفتيش مجموعة من بيانات نادي القضاة، وقرص تسجيلي لتصريح إعلامي لأحد أعضاء النادي”.

قدمت الهيئة دفاعها حول الاتهامات الموجهة إليها بخرق “موجب التحفظ”، و”التعبير عن مواقف سياسية”، و”خرق القانون”. فيما يُنتظر الموقف الذي سيصدر عن هيئة التفتيش القضائي المولجة بإنزال الإجراءات العقابية بحق القضاة المخالفين.

حدود حرية التعبير؟

في عام 2018، تأسس “نادي قضاة لبنان”، وليس من قبيل المبالغة الحديث عن دخول “حقبة جديدة” في تاريخ العدلية، قوامها “حرية التعبير للقضاة في القضايا العامة”، حيث كانت له مواقف عدة لناحية إدانة تدخل السياسة في القضاء، وبلوغ الأمور خواتيمها في ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، وإنصاف المودعين. لا يبدو أن هذا الأمر سيكون مقبولاً لدى جمهرة واسعة من القضاة الذين يرفضون إدلاء القضاة بمواقف صريحة من القضايا العامة، وترى أن “من واجبات القاضي الانسحاب من الفضاء العمومي، واقتصار عمله على النظر بالملفات المعروضة عليه، والتزام الأخلاقيات القضائية الصارمة التي تشبه قواعد الحياة الرهبانية”.

حدود موجب التحفظ

يدور جوهر الخلاف حول حدود موجب التحفظ، بين موقف كلاسيكي يدعو القضاة إلى “التزام الصمت والحيادية المطلقة، وعدم إدلاء بوجهات نظرها في أي ملف كان”. في المقابل، تظهر وجهة نظر حديثة تؤكد “عدم تجاوز نادي قضاة لبنان لحدود موجب التحفظ”، لا بل أنها تتسلح بقرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي لا يرى تعارضاً بين موجب التحفظ و”حرية التعبير في القضايا العامة”.

نلتزم القانون

تؤكد أوساط “نادي قضاة لبنان” التزامها القانون والمطالبة باستقلالية السلطة السياسية التي يمثلها الوزير، وتنفي وجود أي خلاف جوهري مع وزير العدل على تفسير موجب التحفظ، لأنه “يتحجج بهذا الموجب من أجل إسكات النادي، لأنه ليس لديه أي شبهة يمكن ملاحقة القضاة بموجبها”. وتشير إلى أن حدود الموجب هو عدم الإدلاء بأي مواقف أو معلومات حول الملفات التي ينظر بها القضاة، أو القيام بأي تصرف يؤدي إلى التشكيك بحياد القاضي. وتضيف “ترتبط المواقف العلانية للنادي بالمسائل التي تتصل باستقلالية القضاء عن السياسة”، وتتساءل “هل يجرؤ وزير العدل على القيام بملاحقة القضاة المحسوبين على سياسيين أو الذين يدخِلون السياسة إلى القضاء؟ أليس في ذلك خرقاً لموجب التحفظ”؟

وترد الأوساط على دخول بيانات نادي القضاة وقوتها المعنوية عنصراً في السجال السياسي المحلي، وتجيب “ليست لنا علاقة بالسياسة، ولسنا مسؤولين عن مواقف الأحزاب التي تدين وزير العدل بسبب ملاحقته نادي القضاة ومخالفة موجباته الدستورية”.

تتمسك أوساط النادي بمواقفها العلنية، وأنها لن تتراجع عن مبادئها تحت وطأة الضغط السياسي، مطالبةً السلطة التنفيذية بمحاسبتها على “مضمون كلامها في حال مخالفة القانون، وعدم منعها عن التعبير بصورة مطلقة”، وكذلك المبادرة لحل المشكلات التي تعانيها العدلية، وإنارتها، والعناية بالنظافة، وتأمين التجهيزات للمحاكم، وتحسين أوضاع القضاة، عوضاً عن التلهي بإسكات النادي. كما تذكر بأن “نادي القضاة عضو في الاتحاد الدولي للقضاة الذي يضم 94 نادياً من أنحاء العالم”. وتلفت إلى أن “وجود نادٍ للقضاة هو ضمانة لمستقبل البلاد، وقد تأخر لبنان بتأسيس نادٍ كهذا، وهو موجود منذ ثلاثينيات القرن الماضي في مصر، كما يمتلك بقوة معنوية كبيرة. وفي المغرب يمتلك النادي منصة رسمية وتلفزيون”.

وخلال بيان أصدره النادي بتاريخ 6 أكتوبر الجاري أكد “أن نادي قضاة لبنان خاض معركة الحرية قبل أن يُبصر النور قانوناً”، مشدداً على أهمية الحق في التعبير وإبداء الرأي “شديد الالتصاق بأي إنسان”، والمكرس في مقدمة الدستور اللبناني والمواثيق الدولية، وبديهيات الحضارة الإنسانية، ومتعهداً بأنه “سيبقى ثابتاً على نهجه”، وأن “لا محيد عن إقرار قانون استقلالية فعلية للسلطة القضائية”.

أولوية الرصانة القضائية

على الضفة الأخرى، يشدد مرجع قضائي على “سرية الإحالة إلى التفتيش”، مستغرباً تسريب الخبر إلى الإعلام، ويوضح “في الحقيقة، لم يقم وزير العدل بإحالة النادي إلى التفتيش، وإنما أرسل سلسلة من البيانات وقرصاً بتصريحات لأحد لأعضاء النادي من أجل إخبار التفتيش بوجود وضعية تحتاج إلى معالجة”.

يؤكد المرجع أن “قانون التنظيم القضائي يمنع ظهور القضاة على الإعلام أو التصريح بموجب التحفظ المنصوص عليه في “إعلان بنغالور” الذي يلزم القضاة العمل بصمت”، ناهيك أن “نادي القضاة لا يمتلك كياناً مستقلاً عن الجسم القضائي الذي يحكمه هذا القانون”، مشيراً إلى أنه “لا يمكن التذرع بالنظام الداخلي للنادي لتبرير مخالفة القانون. ونحن بحاجة إلى تعديل قانوني لتشريع تلك الاستقلالية”. ويضيف “لا يمكن لـ70 قاضياً الاستئثار بالتعبير عن جماعة القضاة المؤلفة من 600 قاضٍ التي يمثلها قانوناً مجلس القضاء الأعلى”، داعياً النادي لتنظيم أنشطة تثقيفية ونشر الوعي الحقوقي في المجتمع من خلال إقامة الندوات.

ينتقد المرجع مضمون بيانات النادي “ذات الصبغة السياسية”، و”التي تخالف واجبات القضاة”، قائلاً “جميعنا نعمل لإقرار استقلالية القضاء عن السياسة. كما أن القاضي النزيه لا يحتاج إلى قانون ليكون مستقلاً، يكفيه الالتزام بالقانون، وعدم الالتفات للمطالب السياسية”.

يرفض المرجع القضائي تصنيف القضاة إلى مؤيدين ومعارضين لاستقلالية القضاء، أو بين أنصار العدالة وأخصامها، لأن ذلك غير صحيح، “فهو يشكل مطلباً لجميع أفراد السلطة القضائية”، متهماً بعض القضاة بالسقوط في الشعبوية، واستعطاف المواطنين، ومخالفة القانون من خلال إعلان مواقف داعمة أو رافضة لقضية ما بما يخالف “مبدأ فصل السلطات”، لأن “مهمة القاضي إعداد الأحكام وإنصاف الناس، والرد إنما يكون من خلال العمل المهني”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة