جنبلاط يدعو “فتح” الى المقاومة مع “حماس”… بوصلة المختارة الفلسطينية لا تخطىء

كان وليد جنبلاط أولى الشخصيات اللبنانية التي غردت وأطلقت مواقف مساندة لحركة “حماس” ووصف عملياتها بـالجريئة في وجه الاسرائيليين في غلاف قطاع غزة وما جرّته من ويلات وخسائر على تل أبيب. وقبل ان تتبلور معالم الانجاز العسكري الفلسطيني على اكثر من مستوى في المنطقة والعالم، عمد جنبلاط الى اتخاذ هذه المواقف التي كان لها وقْعها في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي وبيئته الدرزية وصولاً الى كل من يلتقي مع خياراته، ولا سيما من الجهات والاسماء التي كانت منضوية في صفوف “الحركة الوطنية”. وكانت العبارات التي كتبها جنبلاط على منصته محل متابعة في لبنان والخارج وعند ابناء الطائفة الدرزية في لبنان والاراضي الفلسطينية وسوريا والاردن. أما ابرز ما اعلنه فهو توجهه الى الدروز المنضوين في الجيش الاسرائيلي “قهراً” بتحذيرهم من الاشتراك “في الحرب في مواجهة المناضلين من الشعب الفلسطيني”. وخلص الى القول ان “مقدسات فلسطين ستعود الى اصحابها العرب”.

ولم يكتفِ جنبلاط بهذه الدعوة بل صب جام غضبه على الدول الغربية “التي تدّعي الحضارة واحترام حقوق الانسان”، مسمّياً فرنسا وبريطانيا ومذكّراً أوروبا بـجذورها الاستعمارية و”تاريخها الملطخ بدماء الابرياء من الجزائر الى سائر الشعوب العربية”. ولم يختلف كلام جنبلاط هنا عن كلام اركان الموحدين الدروز وعلى رأسهم شيخ العقل سامي أبي المنى، الى الوزيرين السابقين طلال ارسلان ووئام وهاب وغيرهم من نخب الطائفة وفاعلياتها التي التقت كلها تحت راية “المقاومة والتصدي للاحتلال الإسرائيلي” وآلته العسكرية التي تستمر في اعمال البطش والتي لم توفر المسجد الاقصى وما يمثله عند مجموع المسلمين. ولم تسلم كنائس القدس بدورها من اعتداءات الجماعات اليهودية الدينية المتطرفة. ولم يشأ جنبلاط ان يضيف الى ما قاله في تغريداته الاخيرة المعبّرة بعد تحياته لـ”حماس” والفصائل المقاومة سوى توجهه في رسالة عبر “النهار” الى قيادة حركة “فتح” في رام الله وقوله لها: “يجب إحداث تجديد في حركة فتح والعودة الى زمن المقاومين الكبار من امثال خليل الوزير(أبو جهاد)، وان المقاومة تبقى السبيل الوحيد لتحرير فلسطين من الاحتلال”. ويبقى ان جنبلاط يترجم اليوم القول بالفعل، ولا سيما في محطة تسليمه مقاليد المختارة وتراثها العربي عندما وضع في 19 آذار 2017 الكوفية الفلسطينية من دارته ورمزيتها التاريخية على كتفَي ابنه تيمور قبل دخوله الندوة البرلمانية في رسالة واضحة المعالم في لحظة تسليمه راية الزعامة الجنبلاطية التاريخية التي سبقت نشوء ولادة دول في المنطقة.

وكانت لهذه الواقعة دلالة كبيرة ومعبّرة عند اطياف هذا المكون. وبقي الحزب التقدمي على مدى سنوات طويلة يشدد على عدم تشجيع الشبان الدروز في الاراضي الفلسطينية على الانخراط في صفوف الجيش الاسرائيلي.

ثمة التزام تاريخي عند التقدمي بالوقوف مع المقاومة الفلسطينية بغضّ النظر عمن يحمل رايتها، واذا كانت “فتح” بالامس فلا ضير عند جنبلاط من نسجه علاقة خاصة مع قيادة “حماس” من خالد مشعل واسماعيل هنية وغيرهما حيث لم تنقطع علاقاته معهم. ولا ينزعج او يعترض على علاقة هذه الحركة مع “حزب الله” وايران. ويقول قيادي في التقدمي لـ “النهار” ان العلاقة مع الفلسطينيين هي “علاقة مع جميعهم وليست مع اجزاء. ونحن في النهاية نعمل وفق اقتناعاتنا وهذا ما نعبّر عنه أمام الاقربين والابعدين”. وتعقّب قيادات فلسطينية تدور في فلك قوى الممانعة على كلام جنبلاط وتحييه على خياراته حيال “المقاومة في غلاف غزة واستهداف المحتل الإسرائيلي”.

تنسجم تغريدات جنبلاط مع ارث والده كمال جنبلاط وأدبياته السياسية التي رافقته في كل محطاته وزياراته، ولا سيما عندما عاش وقائع فصول حربي 1967 و1973. ويعلّق الوزير السابق محسن دلول الذي رافق وواكب اكثر محطات كمال جنبلاط وزياراته الى الخارج بالقول انه “من غير المستغرب اتخاذ وليد مثل هذه المواقف، وخصوصاً حيال القضايا العربية الكبرى حيث لا يبدل خياراته التي تشرّبها من والده ولا يمكنه استبدالها. وكان في مرات عدة يزايد على والده ابان وجوده على رأس وزارة الداخلية ويدعوه الى مزيد من التشدد والمواجهة جراء حماسته للقضية الفلسطينية”. ويعود دلول بالذاكرة الى الوراء وكيف تلقّى جنبلاط الأب عبور الجيشين المصري والسوري في حرب تشرين الاول 1973، ولام الرئيس الراحل انور السادات معترضا على إقدامه على وقف الحرب. وتوجه جنبلاط بعدها في زيارة الى بغداد وكنتُ برفقته وطلب من القيادة العراقية عدم سحب وحدات جيشها من الجبهة لان الاسرائيلي كان يحضّر لهجوم معاكس في سوريا”. ولم يستوعب جنبلاط هزيمة 1967، وعندما حلت تلك الكارثة حمل دلول معه قصاصات صحافية من الوكالات الاجنبية الى مكتب جنبلاط فكانت الصدمة لدى اطّلاعه على مضمونها ما دفعه الى الغضب، ولا سيما بعد تأكيدها من جانب السفير المصري عبد الحميد غالب. وكاد جنبلاط ان يبكي عندما تلقّى نبأ استقالة الرئيس جمال عبد الناصر.
ويصف دلول مواقف وليد جنبلاط بـ”التاريخية، ولا احد يسبقه الى اطلاقها” والتي يختصرها رئيس مجلس النواب نبيه بري بان الرجل يبقى كما يعهده ويعرفه من كثب، وان بوصلته في القضايا الكبرى “لا تخطىء”.

النهار

مقالات ذات صلة