من يقف وراء الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص السورية؟

لم تتبن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الذي ضرب الكلية الحربية في حمص، وسط سوريا، أثناء حفل تخريج الضباط، والذي أدى إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح. وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام عن ارتفاع عدد القتلى إلى “89 شخصاً منهم 31 من النساء و5 أطفال” بينما أفادت وكالة إعلام النظام الرسمية “سانا” أن عدد الإصابات بلغ 277 إصابة. ويدفع استهداف الكلية العسكرية في مدينة حمص السورية، في هذا التوقيت، والذي أسفر عن مقتل العشرات نصفهم تقريباً من المدنيين، بالعديد من التساؤلات وعلى رأسها من يقف وراء هذا الهجوم؟
وردت قوات النظام السوري عبر حملة برية وجوية غير مسبوقة منذ أشهر، استهدفت مدينة إدلب والأرياف الملاصقة بها، شمال غربي البلاد، حيث تفرض فصائل المعارضة وبعض المجموعات المصنفة أمنياً، سيطرتها على المنطقة، موقعة عشرات القتلى والجرحى، في مؤشر على أنها توجه أصابع الاتهام إلى هناك. لكن مصادر إعلامية موالية، جزمت بأن الحزب الإسلامي التركستاني وراء الهجوم، مشيرة إلى “معلومات موثوقة، بأنّ الحزب التركستاني وكتيبة المهاجرين هما الفصيلان اللذان يمتلكان تقنية الطائرات المسيرة” مشيرة إلى أن “قطع طائرات مسيرة متطورة نقلت إلى الفصيلين قبل 3 أشهر”. وأكّدت المعلومات، “رصد إطلاق طائرة مسيرة من مناطق سيطرة الحزب التركستاني، قبيل استهداف الكلية الحربية في حمص”.
العقيد عبد الباسط الطويل رأى في تصريح لـ”القدس العربي” أن أفرع النظام الأمنية الموجودة في حمص هي من يقف وراء العملية. وقال الطويل: لا شك أن أفرع الأمن الموجودة في حمص العسكرية أو الاستخبارات الجوية هي المسؤولة عن التفجير، سيما أن هذه المنصة تبقى من 24 إلى 48 ساعة تحت تصرف الأمن العسكري والأمن الجوي في مدينة حمص، حتى ضباط الكلية الحربية والضابط فيها ممنوع عليهم الاقتراب من المنصة. وأضاف: لا شك أنهم وراء الإشراف على هذا العمل. مرجحاً أن يكون الانفجار نفذ عن طريق عبوات ناسفة مرتبطة بقنابل متفجرة أو انشطارية، أكثر منه استهدافاً عن طريق المسيرات. وهو ما اتفق معه النقيب رشيد حوراني، من محافظة حمص، الذي اعتبر في حديث مع “القدس العربي” أن النظام يقف حتى الآن وراء هذه التفجيرات.

وقال: الكلية الحربية في يوم تخريج الطلاب من كل عام في الشهر العاشر تشهد مدينة حمص استنفاراً عسكرياً، كما أن الكلية الحربية تقع في الجهة الغربية لمدينة حمص وبجانبها كليات عسكرية ومنشآت عسكرية أخرى ككلية الشؤون الفنية وكلية المدرعات وكلية الإشارة ومدرسة الرياضة والإعداد البدني ….وإن صدقنا رواية النظام أن الاستهداف بالطيران المسير، فالجهة المنفذة من المفترض استهداف أهداف مؤثرة للنظام (الطلاب الخريجين الجدد الذين سيعملون كضباط في صفوف وحدات النظام) لكن ما رأيناه أنه تم استهداف المدنيين ونسبة من العسكريين القتلى اذا ما تم قياسها بحجم التفجير والترويج له، لذلك يقف وراء التفجير النظام السوري عن طريق متفجرات لأن السكان المحليين في مدينة حمص لم تشاهد مسيرات أو تسمع أصواتها في وقت التفجير. والهدف من وراء التفجير وفق وجهة نظره، ارتفاع نسبة التململ في حاضنة النظام ولوم هذه الحاضنة له على تضييع التطبيع العربي والتطبيع مع تركيا وهو الأمر الذي يحول دون أي تحسن في المستوى المعيشي، وبالتالي قال النظام لهم عبر التفجير إن “الأمن مقابل البقاء”.

من جهته، اعتبر مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد “محمد سالم” في حديث مع “القدس العربي” أن النظام السوري يحاول الاستفادة من نتائج الضربة التي استهدفت الكلية الحربية في حمص، على أكثر من صعيد. وقال: على المستوى المحلي يحاول الأسد شد عصب طائفته ومواليه لإعادة توجيه بوصلتهم نحو التهديد الخارجي، وهذا الذي أيضا يثير الكثير من التساؤلات عن إمكانية أن تكون العملية مدبرة من إيران أو من بعض الأطراف داخل النظام لتكون ذريعة لإشغال حاضنته عن المشاكل وتوجيهها نحو التهديد الخارجي.

وعلى صعيد آخر، يحاول أن يستثمر فيها كما استثمر في موضوع الزلزال لإثارة نوع من دبلوماسية الكوارث او التعاطف الدولي معه على أنه تحت تهديد الإرهاب مع ذلك اعتقد أن هذا سوف يكون محدوداً لأن الدول العربية تحديداً لا تجد جدوى حالياً من زيادة التواصل مع النظام طالما لا يستجيب لتحقيق مصالحها ومطالبها. وأشار المتحدث، إلى وجود فساد كبير داخل النظام، مما يجعل اختراق حواجزه ودفاعاته أمراً ممكناً ودون تعقيدات كبرى، من خلال دفع الرشاوى في حال كان هناك تمرير للقنابل أو القذائف بشكل داخلي، أما فيما يتعلق بالطيران المسير فدفاعات النظام والدفاعات الروسية عموما أثبتت عجزًا عن مواجهه الطيران المسير، والدليل على ذلك أن الطائرات المسيرة تصل إلى موسكو وتستهدفها بشكل متكرر.

كما لم يستبعد أن تكون العملية إيرانية كون بعض الخبراء ذكروا أن التنفيذ بواسطة طائرات مسيرة انتحارية وهي مستخدمه بشكل كبير من إيران، وفي ذات الوقت، ربما تريد إيران إيصال رسائل بالضغط على تركيا في إدلب كونها متضايقة من سلوكها في أذربيجان ودائما ما كانت إدلب هي الخاصرة الرخوة ونقطة الضعف التي يتم الضغط فيها على تركيا.

عن مصلحة الجهات المنفذة، اعتبر مدير مركز “جسور للدراسات” محمد سرميني أن النظام السوري، يملك مصلحة مباشرة في حصول استهداف مماثل، إذ يحتاج في الوقت الحالي إلى حدث ضخم يُمكّنه من إعادة ضبط حواضنه ومنها الساحل السوري، ويعيد التأكيد لهم بأن الخطر عليهم لم ينته بعد، وأنه بكل عيوبه هو الضمانة الوحيدة لأمنهم.

هذا الدافع مرتبط وفق سرميني بمظاهر التفلّت غير المسبوق التي بدأت تُظهر في الآونة الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية، بالتوازي مع التأثير الذي تتركه أحداث واحتجاجات السويداء وعدم قدرة النظام على الرد فيها. وأضاف: رغم أن النظام يستطيع التأثير على حاضنته ومؤيديه من خلال القيام بتفجير في وسط إحدى مناطق الساحل، أو سهل الغاب، أو ريف حمص، أو حماة، إلا أن استهداف الخريجين في الكلية الحربية وسط مدينة حمص وبمثل هذا المكان والحجم يُعيد إلى الذاكرة حادثة مدرسة المدفعية بحلب عام 1979، التي وظفها النظام لحملة قمع واسعة.

وما يُعزز احتمال هذا السيناريو هو طبيعة التعاطي الإعلامي من طرف النظام مع الحادث، فعلى غير المعتاد في القضايا المماثلة، فإنّ إعلام النظام بدأ بنشر التفاصيل وبشكل مفصل بعد وقت قصير جداً، وانطلقت بالتوازي حملات تجييش في كل صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة للنظام، بصورة أقرب ما تكون للحملة المنظمة.

ومن الممكن أن تكون الجهة التي نفذت الهجوم كانت تسعى لاستهداف وزير الدفاع، لكن حصل خطأ في التقدير أدّى لمغادرته قبل حصول الاستهداف، أو أن الجهة تعمّدت تأخير الهجوم إلى ما بعد مغادرته كي تحصر مدى الرسالة التي يراد إيصالها. وفي الحالة الثانية فإنّ ذلك يوجه أصابع الاتهام لأطراف على مستوى الدولة، سواء النظام السوري أو إيران.

ومن المعروف أن المنطقة التي تم استهدافها هي منطقة عسكرية بالكامل، حيث تُحاط الكلية الحربية على بعد أقل من 1 كم بالفرقة الجوية 22 وقيادة قوات حرس الحدود، وفي نطاق أوسع تتواجد العديد من المطارات الحربية وقطاعات الدفاع الجوي، بما فيها قطاعات روسية، إلا أن هذا الانتشار لا يحد من إمكانية وصول المسيرات، نظراً لضعف إمكانية التعامل معها حتى على مستوى الجيوش الكبرى (كما حصل في الهجوم على الكرملين)، ناهيك عن دفاعات الجيش السوري البدائية.

المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، وجه اتهامه للدول التي تملك مثل هذه التقنيات المتطورة، مؤكداً أن المجموعات المصنفة أمنياً لا تملك طيرانا مسيراً قادراً على التحكم عن بعد. وقال أبو هنية لـ”القدس العربي” نحن أسرى لرواية النظام السوري، ومن المعروف أن من يمتلك المسيرات على مستوى دول وهي الولايات المتحدة وتركيا وإيران. أما بالنسبة للتنظيمات الموجودة في تلك المنطقة فهناك 3 أنواع، هيئة تحرير الشام وهي المجموعة الأكبر في إدلب، وهناك فصائل الجيش الوطني، وهناك مجموعات أخرى تابعة لهيئة تحرير الشام مثل الحزب التركستاني وبقية فصائل الأجانب وهم تابعون للغرفة المشتركة لهيئة تحرير الشام. كما يتواجد في المنطقة تنظيم الدولة الموجود في الصحراء ومجموعة مغاوير الثورة التي تنتشر في قاعدة التنف.

لكن كل هذه التنظيمات وفق الخبير “لا تمتلك مثل هذه التقنية التي تبعد بأقرب مسافة لها 150 كيلو متراً ولا أحد مثل هذه التنظيمات يمتلك مثل هذه التقنيات”. وقال: شاهدنا ردة فعل النظام عندما ذهب لتوجيه رسالة مباشرة، حيث قصف مواقع لهيئة تحرير الشام وللحزب التركستاني، وهذا الأخير لا يملك سوى أسلحة متوسطة أو خفيفة، حتى تنظيم الدولة، عندما كان في أوج سيطرته وقوته كان يستخدم طيران مسير بدائي، فهو لا يمكنه التحكم عن بعد. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه التنظيمات عادة تحتفي بالتفجير، ولو كانت هي وراء الهجوم، كانت قد تبنت العملية. وعبّر المتحدث عن اعتقاده بأن “هناك لغزاً حول الموضوع وكلنا أسرى لرواية النظام بأن الهجوم نفذ بالطائرات المسيرة ولن نعرف من كان وراءه ولكن بالتأكيد من يملك هذه المسيرات هم الأمريكان والأتراك والإيرانيون وبسهولة يمكن معرفة نوع المتفجرات المستخدمة”.

القدس العربي

مقالات ذات صلة