معركة جامدة لا تتحرك فيها سوى الألسنة: رئاسة الجمهورية انتهت!
رئاسة جمهورية انتهت ومعركة لبنان آخر
ليس توجه «الخماسية» العربية والدولية نحو «المرشح الثالث» سوى تسليم بأن مأزق الإستعصاء صار كاملاً. معركة جامدة لا تتحرك فيها سوى الألسنة لدى القوى المحلية، ومحكومة بعجزين مزدوجين: عجز قوى «الممانعة» عن انتخاب مرشحها الذي تتمسك به، وعجزها، ولو تمكنت من انتخابه، عن ضمان القبول العربي والدولي به وبدء المساعدات والإستثمارات التي من دونها يتسارع الإنهيار في لبنان، قبل الحديث عن المصاعب الداخلية في إعادة تكوين السلطة. وعجز المعارضة «السيادية والتغييرية» عن انتخاب مرشحها، وعجزها ولو صار المرشح رئيساً عن ضمان القبول به والإنخراط في تأليف الحكومات من جانب «الثنائي الشيعي». لكن الخروج من مأزق العجزين عملية معقدة وليست سهلة، سواء في الداخل أو عبر الخارج.
ذلك ان ثمن «المرشح الثالث» ليس بسيطاً. وبداية المخرج، كما يقول كثيرون، هي انضمام ايران الى فرنسا وأميركا والسعودية وقطر ومصر لتصبح الخماسية سداسية. لكن هذا ليس على النار. فلا طهران حددت الثمن والظروف التي تراها مناسبة لنجاح التفاوض عليه. ولا واشنطن المطلوب منها دفع الثمن جاهزة للأمر في الظروف المناسبة لها. وصاحب الورقة لا يبدو خائفاً من أن تحترق في يده مع الوقت والتطورات في المنطقة والعالم، وسط رهان الآخرين على احتراقها. فهو يراهن على أن يتكرر سيناريو الشغور الرئاسي الطويل الذي سبق انتخاب الجنرال ميشال عون، وسيناريو التفاهمات التي لولاها لما كان انتخابه ممكناً. لكن سيناريو الشغور الطويل مرشح للتكرار. أما سيناريو التفاهمات، فإن تكراره صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً.
ومهما يكن، فإن رئاسة الجمهورية ليست اللعبة الوحيدة في المدينة، بصرف النظر عما كشفه الشغور من حاجة ملحة إليها، وسط ممارسات أراد أصحابها الإيحاء أن إدارة الأمور في البلد ممكنة من دون رئيس جمهورية. فضلاً عن أن جماعة «الممانعة» الممسكة بالسلطة تجاوزت مرحلة الخطاب الناعم الى مرحلة الخطاب الخشن الذي يرافقه الفعل. فما عادت تحاذر أن تمارس علناً «غطرسة السلطة والقوة». ولم تعد تتورع عن اتهام المعارضين من كل الطوائف لما تريد فرضه بأنهم «صاروا عبئاً ثقيلاً على البلد»، وهم شركاء في الوطن وأسرى الأعباء الثقيلة.
والواقع أننا في معركة يراد تصويرها بأنها عبثية. أقل ما يقال للمعارضين هو إنكم تضيعون الوقت في الإصرار على إنتخاب رئيس لجمهورية لم تعد قائمة. فنحن في لبنان آخر، لا على الطريق إليه. ولا رئيس إلا لهذا اللبنان الآخر الذي عماده «المقاومة الإسلامية». أليس مختصر ما يطلبه «حزب الله» من المرشح للرئاسة هو «حماية ظهر المقاومة»، والباقي على الله في أزمات اللبنانيين؟ أليس ما يمنع «الممانعة» من أن تتولى حكم لبنان بالكامل بدل التحكم به هو أنها لا تستطيع أن تضمن له أن يعيش؟
يعبّر أنطونيو غرامشي في «دفاتر السجن» عن موقف ضد «الحتمية التاريخية» وضد نظرية تروتسكي عن «الثورة الدائمة». لكن لبنان والمنطقة يواجهان مشروع رهان على المقاومة والثورة الدائمتين والنصر بالحتمية التاريخية.
رفيق خوري- نداء الوطن