بلد يغرق بشتوة وبموجة نازحين… والحق على الشعب!
مع أول الغيث طاف لبنان وغرقت شوارعه، بما ينذر بشتاء يحول البلد إلى مدينة البندقية شرقي المتوسط، وقد اتفقت المؤسسات وعلى رأسها وزارة الأشغال أن الحق على الشعب، كأن الأشغال وبقية الوزارات تنشر مكبات النفايات بصورة نظامية بين الأحياء، حتى يتمكن المواطنون من اتباع القوانين، بل أصلاً هل هناك أجهزة تحاسب على رمي النفايات عشوائياً، كي يرتدع المخالفون؟ بعيداً عن المساءلة، من المؤكد أن مشهد أول شتوة ينذر بشتاء يصبح فيه لبنان أطلانطيس القرن الـ 21، وقد علق أحد الظرفاء بأن كل الأماكن في لبنان تجمعت فيها المياه، إلا سد المسيلحة.
من فيضانات المطر، إلى الغرق في السياسة، حيث لا تزال طوافات الاستحقاق الرئاسي خارجة عن الخدمة، فيما يغمر الجدال الساحات السياسية، وبالأمس كانت الكلمة للجنس اللطيف، اذ سجل اشتباك كلامي بين نائبتين من “القوات اللبنانية” وحركة “أمل”، واتهامات متبادلة بالعرقلة، وذلك بالتزامن مع تصويب الاعلام المقرب من “حزب الله”، على قائد الجيش جوزيف عون من بوابة النزوح السوري، بعد أن كان الحزب أعلن عدة مرات سابقاً، أن ليست لديه مشكلة مع عون.
وفي موضوع النزوح، حصل تحرك أمس على صعيد وزارة الداخلية، فشدد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي على “أننا لن نقبل بإستباحة بلدنا وتغيير ديموغرافيته مقابل المال ولبنان ليس للبيع”. وقال: “نعمل كخلية نحل دائمة ومستمرة لمعالجة الأزمة وللوقوف في وجه الأضرار الهائلة التي تلحق بلبنان واللبنانيين والديموغرافيا اللبنانية جراء الانفلات والتصرفات غير المقبولة نتيجة النزوح السوري”.
وأكّد أنّه “لا يمكننا أن نبقى في حال تراخ تجاه الوجود السوري في لبنان”، معلناً “أننا عمّمنا على كلّ البلديات أنّنا سنُحاسب كلّ شخص مقصّر بحقّ شعبه وبلدته. لن نسمح بالوجود السوري العشوائي في لبنان، وعلينا أن نحدد عدد السوريين الموجودين في كل شقة ولن نسمح بوجود أكثر من عائلة فيها”. وأشار الى أنّ مطلب لبنان “ليس تنظيم الوجود السوري، بل مطلبنا الحدّ منه”.
في السياق نفسه، كشف عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك في حديث اذاعي، عن توجه التكتل، من ضمن خطة يعدّها لاطلاق قطار العودة، الى توقيع عريضة نيابية تطالب بإقفال مكتب الـ UNHCR في لبنان، “لأنه أصبح مفوضية سامية للتسويق للاحتلال السوري المستجد”، واصفاً ما يحصل بـ “الاجتياح السوري المنهجي الذي يهدد لبنان بعد سقوط كل المبررات التي تعطي صفة النزوح”.
وحمّل “مسؤولية الانفلاش السوري الأخير الى الحكومة التي لا تعمل سوى على توزيع البيانات، بدلاً من استنفار قواها لضبط هذا الواقع والتخفيف من وطأته”، مستغرباً “كيف أن مجلس الوزراء لا يجتمع بجدول أعمال من بند واحد أمام هذه الكارثة الكبرى”. وانتقد “من يُطيّر نصاب الحكومة ويَطير في الوقت عينه نحو كل المنابر لاطلاق النظريات والتحدث طالع نازل”، معتبراً أن “التيار الوطني الحر لا يمكنه أن يقاطع الحكومة أمام الخطر الداهم الذي يفرض عليها أن تجتمع وتجد الحلول سريعاً”.
وعما إذا أصبح الأمن الذاتي خطوة مطلوبة للتصدي للتعديات وللسلاح المتوافر في أيدي النازحين، قال يزبك: “لن نحمل السلاح بل نقف وراء الجيش الذي يقوم بدوره بأعلى قدر ممكن”.
وفي المواقف، رأت عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب ستريدا جعجع، أن “هناك من يحاول كعادته استغلال مآسي الناس للضغط على القوى السياديّة من أجل فرض إرادته على أكثريّة اللبنانيّين”، معتبرةً أن “قول رئيس مجلس النواب نبيه بري: ان الخاسر من عدم انعقاد طاولة الحوار هو جميع اللبنانيين الذين ينتظرون اتمام هذا الاستحقاق، ولا سيما في ظل التحديات الهائلة التي تواجه البلد، ليس سوى دليل واضح على أن فريق الممانعة يتخذ من الناس دروعاً بشريّة لفرض هيمنته على البلاد”.
وقالت جعجع خلال ترؤسها اجتماع الهيئة الادارية لـ”مؤسسة جبل الأرز” في معراب: “نحن كحزب سياسي وكمعارضة قلنا منذ اللحظة الأولى لبدء المهلة الدستوريّة لانتخابات رئاسة الجمهوريّة اننا متمسكون بتطبيق الدستور واجراء الانتخابات الرئاسيّة تبعاً لمقتضياته، إلا أن هناك من يضع مفتاح مجلس النواب في جيبه ويستغل موقعه الدستوري لمحاولة فرض رأي فريقه السياسي على غالبيّة اللبنانيّين”.
أضافت: “الرئيس بري يدّعي أن هناك جهات لا تساعد في انتخاب رئيس، ماذا نفعل؟ أنا ما يهمني هو البلد ولا أعمل بهدف تسجيل نقاط في شباك أحد، لذا يهمني أن أسأل الرئيس بري عمن لا يساعد في انتخاب الرئيس؟ أهم من حضروا كل جلسة انتخاب وبقوا في القاعة ولم يعطلوا النصاب أم من كانوا يسرعون في الخروج من الجلسة حتى قبل انتهاء فرز أصوات الجولة الأولى ليعطلوا النصاب؟”.
وجاء الرد من عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب عناية عز الدين التي قالت: “عفواً يا صاحبة السعادة، لا نود أن ننزلق الى الرد على الاسطوانة المشروخة التي دأبت أنت وزملاؤك على تردادها في إلقاء المسؤولية على غير من يتحملها في إطالة أمد الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية. لا يا سعادة النائب لا تستوي المقارنة بين ممارسة الحق الدستوري في الحضور أو الخروج من الجلسات النيابية وهذا حق، وبين من يعمد عن سابق إصرار وترصد على إنتهاج سياسة التدمير الممنهج والتعطيل للمؤسسات والسلطات الدستورية وفي مقدمها مجلس النواب إشباعاً لأحلام حزبك ونزواته القديمة والمستجدة والتي يعرفها القاصي والداني وهذه جريمة”.
أضافت: “يا صاحبة السعادة رئيس مجلس النواب والمجلس النيابي أبوابهما مشرّعة لإنجاز الاستحقاقات الدستورية لا سيما رئاسة الجمهورية طبعاً بالتكافل والتضامن مع الارادات الخيرة كافة، وطبعاً المجلس أبوابه موصدة في وجه الارادات الشريرة”.
في السياق، توجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان الى القادة السياسيين، بالقول: “غلق الأبواب كارثة، والتدويل تذويب للقرار السيادي، والتحدي خسارة للعائلة اللبنانية، والطوأفة محرقة للبلد ولبنان مفتوح على أسوأ سيناريو دولي إقليمي تقوده واشنطن توازياً مع سياسيات التطبيع التي تعمل على إعادة توزيع المنطقة اقتصادياً وأمنياً، والمطلوب نصف تسوية وحوار تطميني وكسر حواجز لأن العالم غابة مصالح، ولا خوف على لبنان الكيان إنما الخوف على لبنان العائلة، ونحن اليوم أمام اثنين لا ثالث لهما: إما نربح جميعاً أو يخسر لبنان”.
أما المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” فأكد أن التيار “يبذل كل المساعي لتأمين توافق وطني على إسم يحمل في شخصه مؤهلات الرئاسة في هذه المرحلة ويملك رؤية إصلاحية إنقاذية وقدرة على التعاون مع حكومة إصلاحية لمواجهة عدد من التحديات والمخاطر الداهمة ليس أقلّها: النزوح الجماعي للسوريين بإتجاه لبنان بما يعنيه من تهديد سيادي كياني يستوجب الحفاظ على لبنان الواحد الحرّ المستقلّ، والإنهيار المالي الذي يتعمق في غياب أي خطة إنقاذية”. ورأى أن “الخيار الخاطئ في موقع الرئاسة الأولى ستكون له انعكاسات سيئة ربما أخطر من الفراغ. الاّ أن الأولوية تبقى لانتخاب رئيس واعادة تكوين السلطة والبدء بالحل الانقاذي”.
لبنان الكبير