“لا حوار” مقابل “لا تنازل”: أتضطر الخماسية لمراجعة الطائف… وهو الموضوع الأخطر؟
وصل لبنان إلى حالة استعصاء يمكنها أن تكون طويلة جداً. ما يدفع بعضهم للمقارنة بين الاستحقاق الرئاسي الحالي والاستحقاق السابق الذي دام فراغه سنتين ونصف السنة، قبل الوصول إلى تسوية. لكن هناك اختلافات واضحة في الوضع والوقائع، فما بين العامين 2014 و2016 كان هناك بعض من الاستقرار المالي والاقتصادي، ولم يكن الانهيار قد وقع واستفحل كما هو الحال اليوم. أما حالياً، فتحضر مبادرات واهتمامات دولية وإقليمية لم تكن موجودة بهذا الوضوح في تلك الفترة. لكن هذه المبادرات حتى الآن لم تصل إلى النتائج المرجوة، مع علم الجميع بأنها تحتاج إلى وقت.
الرهان على الوقت
رمى اللبنانيون كل الأوراق الداخلية التي يمكن من خلالها رسم معالم تسوية أو نسج خيوطها على تقاطعات فيما بينهم. طرف يرفض الحوار، وطرف آخر يرفض التنازل. أصبح الجميع في عهدة الرهان على الخارج وما يمكن أن ينجزه، وهذا يعني أن الانتظار سيطول. على وقع الانتظارات يتلهى المسؤولون بملفات متعددة، لا ترقى إلى مستوى البحث عن حلول جذرية للأزمة. فيتنقلون بين الأزمات وإثارتها. بعد رفع السواتر أمام أي مبادرة خارجية أو داخلية للبحث في الاستحقاق الرئاسي وتحقيق تقدّم. يجري الانتقال إلى الاهتمام بملف اللاجئين السوريين، ليصبح هو الأولوية. فيما آخرون يبرزون الاهتمام بالحدود البرية، وبعض آخر يهتم باللامركزية الإدارية والمالية والصندوق المالي الائتماني، وهكذا دواليك.
تنتج كل هذه “الإثارات”، في ظل عدم امتلاك أي طرف لرؤية سياسية أو مشروع واضح يمكن اقتراحه على خطّ حلّ الأزمة. يجد اللبنانيون أنفسهم أمام تأجيل الملفات والاستحقاقات، على قاعدة الإستمرار في شراء الوقت، بين من يعتبر أن الوقت سيكون في صالح الحزب، وآخرون يراهنون على الزمن لإضعاف الحزب، ودفعه لتقديم التنازل. في هذا السياق، لا أحد قادر على الانتظار أو تأجيل البحث في عمق الأزمة وجذريتها. أما السؤال الأبرز الذي يُطرح فهو عن الجهة المسؤولة التي ستتمكن من طرح النقاش على هذا المستوى، والذي سيكون مرتبطاً إما بشكل النظام، أو بصيغته أو قواعده، لا سيما أن إطالة الأزمة وتشعّب ملفاتها وصولاً إلى ما قد ينتج عن اللجوء السوري المستجد، والحملة المضادة التي يشهدها الداخل اللبناني، قابلة لأن تؤدي إلى انفجارات متتالية ومتفرقة.
الأسئلة الكثيرة
كل ذلك يحصل من دون امتلاك أي طرف لبناني القدرة على طرح المسائل بكليتها وبشكل واضح لا لبس فيه. خصوصاً أن هناك طبقة سياسية مفتتة ومشتتة غير قادرة على إنجاز التسويات فيما بينها. أما حزب الله فهو جزء أساسي من المشكلة، وجزء من الحلّ، فيما هناك استحالة للمواءمة بين النقطتين. وهناك الخارج أيضاً الذي لا يبدو مهتماً بالواقع الداخلي اللبناني، فيبقى الحلّ بعيداً. أما التعاطي مع ملف تثبيت الحدود البرية، فيريد البعض منه أن يكون بداية الانتهاء من شرعية الحزب كمقاومة، وسيكون ذلك مساراً طويل الأمد، ولا يمكن للحزب أن يسلّم به. وهو حتماً لا يرتبط فقط برئاسة الجمهورية، بل يتجاوزها إلى وجهة البلد ومشروعه.
كل هذه الأسئلة، الناتجة عن الأزمات المتتالية، لا تجد من يجيب عليها، لتتفاقم المشاكل وتتراكم، بما يقود إلى وضع الملف اللبناني بكليته في عهدة القوى الإقليمية والدولية، في سبيل طرح إعادة النظر بالصيغة. ومن هنا يتبدى سؤال جديد، إذا ما ستكون اللجنة الخماسية الحالية التي تتهم بلبنان هي مشابهة للجنة الثلاثية التي كانت تعمل في الملف اللبناني ما قبل الوصول إلى اتفاق الطائف؟
ولكن حتى الآن كل تلك المقومات غير متوفرة، أما أسباب توفرها فستكون أخطر مما هو قائم اليوم.
منير الربيع- المدن