هل تذهب المبادرة القطريّة… الى”الدوحة 2″؟
يرى البعض أنّ لبنان ليس بعد من ضمن أولويات دول الخارج، وحتى ليس على رأس أولويات المجموعة الخماسية التي اجتمعت أخيراً في نيويورك للبحث في الملف الرئاسي، إلّا أنّ المعطيات تُشير الى بوادر إيجابية من الحركة الخارجية في اتجاه لبنان. فالمساعي القطرية والفرنسية لا يمكن وضعها في خانة “عدم الاهتمام” بالملف اللبناني، وتُعتبر فرصة أمام المسؤولين اللبنانيين الذين يجب عليهم عدم إضاعتها، على غرار الفرص السابقة التي هُدرت من دون الوصول الى تفاهم أو توافق على اسم رئيس الجمهورية.
مصادر سياسية مواكبة للحَراك الخارجي، أكّدت أنّ انتخاب الرئيس لن يحلّ الملفات الشائكة التي يعاني منها لبنان واللبنانيون بعصا سحرية، غير أنّ من شأن انتخابه أن يعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم أولاً، وثقة المجتمع الدولي ثانياً بلبنان وبالمسؤولين اللبنانيين. ولهذا فمنذ الآن وحتى عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المرتقبة الى بيروت في أواخر تشرين الأول الجاري، بعد أن كانت متوقّعة في الأسبوع الأول منه، لا بدّ من وصول النوّاب الى موقف متقارب في ما يتعلّق بـ “الخيار الثالث” من خلال تخلّي كلّ فريق سياسي عن مرشّحه، والبحث عن مرشّح وسطي يرضي الفريقين، لأنّ الذهاب الى جلسات انتخاب كالجلسات الـ 12 السابقة لن يوصل الى انتخاب رئيس للبلاد، من وجهة نظر “الخماسية”.
أمّا “الخيار الثالث” فلم يتبلور بعد على صعيد الأسماء، على ما شرحت المصادر، وقد يكون وليد ساعته في حال وافق الجميع على التواصل. فموضوع الأسماء لا يُبتّ في الداخل فقط، بل لا بدّ من أن يتدخّل فيه الخارج أيضاً. وفي ظلّ الانقسام الداخلي الحالي لا يمكن أن تكون صناعة الرئيس لبنانية، إنما تحتاج الى التعاون مع دول الخارج، ولهذا فعندما تحصل التسوية الخارجية، من الصعب أن يقف أي فريق في وجهها، غير أنّ الوقت لا يزال غير واضح في ما يتعلّق بتوقيت هذه التسوية.
وفي ما يتعلّق بـ “الخماسية” فهي حتى الآن لا تتمسّك، وفق المعلومات، بأي مرشّح، على غرار ما يفعل كلّ من الفريقين السياسيين المتنازعين حالياً على الساحة الداخلية. أمّا بالنسبة لكون لبنان ليس على أولوية “الخماسية”، فتشير المصادر الى الى أنّه من الواضح أنّ السعودية تهتمّ بملفات أخرى اليوم مثل التسوية في اليمن، ودورها الدولي عبر استضافة الرياض لعدد من القمم الدولية، فضلاً عن “خطة 2030” التي تعمل على تنفيذها، ولهذا لا تقوم بأي مبادرة خاصّة. كذلك فرنسا المتلهية بملفات عديدة، رغم أنّها تولي الملف الرئاسي اللبناني رعاية معيّنة، فضلاً عن الولايات المتحدة التي لديها أجندتها ومخططها للبنان والمنطقة، الى جانب قطر التي تسعى، ومصر التي تترقّبـ ولا يجب إلغاء دور ايران التي تعمل على تعزيز علاقاتها مع كلّ من السعودية من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية.
من هنا، وفي ظلّ النقسامات اللبنانية الداخلية، لا تتحمّس أي من دول “الخماسية” للضغط من أجل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، غير أنّها وضعت المواصفات المطلوبة له، وتترك للبنانيين اختيار المرشّحين أو المرشّح المناسب للرئاسة، بحسب المواصفات الموضوعة. غير أنّه جرى الحديث بإمكان مساعدة لبنان بعد انتخاب الرئيس، لا سيما إذا لبّى مطالب “الخماسية” وحاز الغطاء العربي والدولي، وإلّا فإنّ لبنان سيبقى في عزلته الخليجية والدولية، وستتضاعف الأعباء الملقاة على عاتقه جرّاء الأزمات المتراكمة.
وذكرت المصادر عينها أنّ “الخماسية” تصرّ على وضع سقف زمني لإجراء الإنتخابات الرئاسية، إذ لا يمكن مرور عام أو أكثر على الشغور الرئاسي وبقاء البلاد من دون رئيس بسبب المناكفات الداخلية، ولهذا تلوّح بإمكان فرض عقوبات على معطّلي انتخاب الرئيس. ويحاول كلّ فريق تبرئة نفسه من هذه التهمة من خلال الإعلان عن استعداده للذهاب الى الانتخاب وعد التعطيل. فيما دعا رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الى الحوار لمدّة 7 أيّام تحت قبّة البرلمان، تليها جلسات انتخاب مفتوحة بدورات متتالية الى حين انتخاب الرئيس، وأعلن أحد نوّاب كتلته أنّ لن يُصار الى تعطيل النصاب القانوني لجلسة الانتخاب على الأقلّ من قبل “حركة أمل”، غير أنّ هذا الأمر لم يُقنع “التيّار الوطني الحرّ” وقوى المعارضة للذهاب الى الحوار الذي دعا اليه برّي للمرة الثالثة.
وإذ يرى البعض أنّ الحركة الخارجية لا بَركة منها، تقول المصادر انّها أفضل من اللاشيء كونها تحثّ المسؤولين اللبنانيين على التحرّك بعد أن أصبح الوضع لا يُحتمل. وبما أنّه من الواضح أنّ التوافق السياسي لن يحصل، مع عدم رغبة جميع الكتل النيابية بتلبية دعوة برّي للحوار، عاد الحديث عن إمكان أن يطرح الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الذي يستكمل جولته السياسية ويواصل مساعيه بين المسؤولين، “إتفاق الدوحة 2” للخروج من الأزمة الرئاسية، رغم أنّ السعودية تفضّل استكمال تطبيق بنود الطائف وليس الذهاب الى اتفاق جديد.
غير أنّ المصادر أكّدت أنّ أي اتفاق ستتمّ الدعوة الى عقده خارج لبنان، لن يكون الهدف منه تعديل الدستور أو “وثيقة الاتفاق الوطني” التي وُضعت في الطائف، إنّما سيكون كمخرج أو حلّ للأزمة الرائسية فقط، على غرار ما حصل في “اتفاق الدوحة في العام 2008 ، الذي جاء بقائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. علماً بأنّه لا بدّ من التوافق بالتالي على اسم رئيس الحكومة، فضلاً عن برنامج أولويات الحكومة في سلّة واحدة، لكيلا تعود الأمور الى نقطة الصفر بعد انتخاب الرئيس. ولهذا أبدت المصادر تفاؤلها بإمكان التوصّل الى “الخيار الثالث” وانتخاب الرئيس خلال الأشهر الأخيرة من العام الحالي، وإلّا فإنّ الوضع الاقتصادي والمالي العام سيتجه نحو الأسوأ.
دوللي بشعلاني- الديار