من يحمي الـMEA في “تسلّطها” على ملايين الـPCR؟
إقتحمت مجموعة طلاب تحت شعار الإتحاد الطلابي العام منذ يومين، الفرع الرئيسي لشركة طيران الشرق الأوسط في الـ»جيفينور»، كتعبير إحتجاجي على استمرار احتجاز مستحقّات الجامعة اللبنانية من فحوصات الـPCR التي جرت للوافدين إلى لبنان خلال مرحلة جائحة «كورونا». التحرك تزامن مع بداية عام دراسي، قرّرت خلاله رئاسة الجامعة زيادة رسوم التسجيل في الجامعة الوطنية، في محاولة لتأمين توازنها المالي في ظل الأزمة. إلا أنّ القرار أثار على ما بدا موجة من الإعتراضات، ترجمها بعض الطلاب أيضاً بتقديم مراجعة قضائية أمام مجلس شورى الدولة، تطالب الجامعة بالعودة عن قرارها.
جاء تحرّك الطلاب باتحاه شركة طيران الشرق الأوسط، في إطار حث المعنيين على البحث عن موارد تؤمّن التوازن المالي في الجامعة الوطنية، بعيداً من جيوب طلابها «الفقراء». فظهر هؤلاء بموقع الداعم لرئاسة الجامعة في حربها المفتوحة منذ أكثر من عام لإستعادة حقوقها المحتجزة لدى الشركة، علماً أن الجامعة اللبنانية وفقاً لاتصال «نداء الوطن» مع رئيسها بسام بدران، دخلت حالياً في مرحلة مراجعة قضائية أمام مجلس شورى الدولة، لتطالب بتحصيل عائداتها من فحوصات الـPCR تنفيذاً لقرار قضائي صادر عن النيابة العامة لديوان المحاسبة، وذلك بعدما ربطت النزاع حول هذا الملف مع وزارة الأشغال سابقاً.
ومن هنا، وإذ يقدّر بدران وقفة الشبان الذين اعتصموا في مبنى الـ»جيفينور»، يلفت إلى أن جهد الجامعة لم يتوقف لإستعادة حقوقها، ولكنّه يعتبر أنّ الأمور ستأخذ مسارها الروتيني، وهي تستغرق وقتاً، وعلى الجامعة في هذا الوقت أن تبحث في ظروف استمراريتها. ويضيف بدران «موازنة الجامعة بلغت 864 مليار ليرة في العام 2023، فيما رواتب الأساتذة تجاوزتها لتصل إلى 1120 ملياراً. وبالتالي نحن بحاجة لما يفوق 200 مليار ليرة لتأمين الرواتب فقط، فكيف سنتمكّن من تأمين تكاليف التشغيل والصيانة وغيرها؟».
مضمون الإتفاق
في الواقع، في ذمّة المديرية العامة للطيران المدني حالياً إذاً، حقّ مستحقّ بمبلغ 52 مليون دولار لصالح الجامعة اللبنانية، وذلك كبدل لأتعاب الجامعة في تأمين فحوصات الـPCR بموجب عقد ثلاثي وقّع بينها وبين وزارة الصحة والشركة الوطنية للطيران المدني في شهر تشرين الأول من العام 2020.
نصّ هذا الإتفاق حينها على أن تقوم الجامعة اللبنانية بإجراء الفحوصات للقادمين عبر المطار وتحلل العيّنات المأخوذة في مختبراتها. بالطبع لم يتحدث أحد عن مجانية هذه الخدمة، بل حدّد رسم الفحص بـ50 دولاراً يدفعها كل وافد، وأضيفت إلى ثمن التذكرة، على أن تحوّل هذه الرسوم إلى الشركة اللبنانية للنقل LAT وشركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية MEAG، وهما شركتان تقدّمان خدمات أرضية في مطار بيروت. وحسب الإتفاق، تحوّل الشركتان الأموال إلى حساب الجامعة اللبنانية في مصرف لبنان. مع الإشارة إلى أنّ رئيس مجلس إدارة شركة طيرن الشرق الاوسط محمد الحوت كان هو من أصرّ على فرض رسم الـ50 دولاراً، بعدما كانت بعض الآراء ومن بينها رأي وزير الصحة حينها قد إقترحت تحديد المبلغ بـ25 دولاراً فقط.
ووفقاً لمطالعة قانونية قدّمها المحامي الناشط في هذا الملف جاد طعمه إثر دعوته للمشاركة في لجنة فرعية منبثقة من لجنة التربية النيابية، فإنّ الجداول التي أعدّتها الجامعة اللبنانية بالتنسيق مع وزارة الصحة، تظهر بأنّ الجزء الأكبر من هذا المبلغ إستحقّ في الفترة الممتدّة من 1 تموز 2021 إلى كانون الثاني من العام 2022. فيما لم يتجاوز المبلغ غير المسدّد إلى الجامعة اللبنانية قبل هذه الفترة المليون دولار فقط. لأنّ الجامعة كانت تتقاضى المبالغ السابقة على سعر 3900 للدولار وبواسطة شيكات مصرفية.
عندما بدأت الـMEA تستوفي ثمن بطاقة السفر بالدولار، طالبت الجامعة اللبنانية باستعادة حقّها المحفوظ في العقد الموقّع مع المديرية العامة للطيران المدني، حيث نصّت النقطة السابعة في العقد على أن تجمع الأموال من شركات الطيران، ويتم تحويلها عبر الشركات الأرضية للجامعة اللبنانية بـ»الدولار الأميركي».
هذا النزاع في تحديد «عملة» المستحقّات، جعل رئيس الجامعة السابق يتقدّم في أيلول 2021 بإخبار لدى النيابة العامة المالية برئاسة القاضي علي إبراهيم. إلا أنّ الملف هنا دخل وفقاً لطعمه بمتاهة تعيين خبير لوضع تقرير كلّفه به القاضي إبراهيم، وبدت مهمّته معقّدة للغاية، وبالتالي لم يحرز الخبير أي تقدّم في ما كلّف به حتى الآن، إلى أن دخلت النيابة العامة التابعة لديوان المحاسبة على الخط، وبمبادرة مباشرة من القاضي فوزي خميس، الذي تحرك تلقائياً بناء على ما أثير حول هذه المستحقات في الإعلام، فأصدر قراره في شهر شباط من العام 2022.
خلص قرار خميس القضائي إلى «الطلب من المدير العام للطيران المدني بالتكليف فادي الحسن، وجوب التعميم بأسرع وقت على جميع شركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية العاملة في مطار بيروت رفيق الحريري الدولي، بتحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الأميركي الفريش إلى حساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية، كي لا تثري هذه الشركات على حسابهما إثراءً غير مشروع، وذلك حفاظاً على الأموال العمومية وحرصاً على المصلحة العامة».
إثراء غير مشروع؟
ما الذي قصده القاضي خميس بالإثراء غير المشروع؟ وكيف تحقق؟
يشرح المحامي طعمه ذلك في متن المطالعة القانونية التي قدّمها في لجنة التربية النيابية، فيشير إلى أنه «عندما تقرّر شركات طيران تقاضي أسعار تذاكرها بالدولار ولا تقبل تسديد حقوق الجامعة الا بالليرة، فهذا يشكّل إثراء غير مشروع تسعى إليه».
بعد شهر من القرار القضائي للديوان، صدر أيضاً تقرير عن ديوان المحاسبة حول الأموال الضائعة على الدولة من عائدات فحوصات الـPCR، فحفظ هذا التقرير مجدّداً حقّ الجامعة اللبنانية من مستحقّات الفريش دولار، لا بل ألزم الجامعة اللبنانية على عدم تقاضي هذه المبالغ إلا بالفريش دولار، على رغم كل المخالفات التي أبرزها الديوان حينها حول أربع مذكرات تفاهم عقدتها وزارة الصحة مع الجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني وجمعية «عمال»، وانتهت إلى تضييع المال العام.
منذ صدور التقريرين لا تزال مستحقّات الجامعة اللبنانية في دهاليز شركات الطيران التي ترفض الإفراج عنها. وهذا ما إستدعى نقاش هذه المخالفات داخل اللجان النيابية المعنية أيضاً، ولا سيما لجنة التربية والتعليم العالي، ولجنة الأشغال ولجنة الإدارة والعدل.
وكانت اللجنة الأخيرة، وبعدما طالبت بالإطلاع على مضمون القرارات الصادرة عن ديوان المحاسبة لبناء رأيها حول هذا الملف، خلصت إلى ضرورة حفظ حق الجامعة اللبنانية. وفي هذا الإطار شرح رئيس اللجنة النائب جورج عدوان لـ»نداء الوطن» أنّ الـ 52 مليون دولار يجب أن تدفع للجامعة اللبنانية بالدولار الطازج، وهذا ما إقتنعنا به كلجنة للإدارة والعدل، ووجّهنا بذلك توصية لرئيس الجامعة، مع تحميله مسؤولية التخلّي عن هذا الحقّ، خصوصاً أنّ هناك محاولات للوصول إلى تسوية على هذه المبالغ، بحيث يدفع قسم منها بالليرة اللبنانية».
ويتحدّث المحامي طعمه لـ»نداء الوطن» أيضاً عن التصدّي لمحاولات الضغط على الجامعة اللبنانية لتتنازل عن حقوقها وبالتالي تقبل باستيفائها بالليرة اللبنانية، مشدّداً على أنّ «التفويض المعطى لرئيس الجامعة لتمثيل مجلس الجامعة والذي يأخذ فيه القرارات مع وزير التربية، لا يعطي الرئيس أي حق لمخالصة وتسوية على الحقوق».
رئيس الجامعة اللبنانية يبدو في حديث مع «نداء الوطن» أكثر تمسّكاً من السابق بهذه الحقوق، متسلّحاً بقرارات ديوان المحاسبة الواضحة، سواء تلك التي صدرت عن النيابة العامة أو في تقرير خاص لاحقاً، ويقول أنّ كليهما جاء لصالح الجامعة.
ويعزّز إصرار الشركات الخاصة على التخلف عن تسديد المبالغ المستحقّة للمديرية العامة للطيران المدني على رغم صدور قرارات قضائية ملزمة بذلك، الشكوك التي يطرحها أكثر من ناشط طالبي أيضاً حول هذا الملف. ويعتبر هؤلاء وبعض أساتذتهم، وخصوصاً من هم من المتعاقدين بالساعة في الجامعة، أنّ ما يجري جريمة موصوفة، وسرقة أخرى من سرقات عصر اعتدت فيه مؤسسات يفترض أنها راعية للمواطنين على حقوقهم، وها هي اليد تطول، لتصل إلى حقوق الجامعة الوطنية وطلابها وأساتذتها، الغاضبين فعلاً. وجاءت أولى ترجمات غضبهم هذا، في ما رافق تحرك الـ»جيفينور» الأوّل من إحتكاكات مع القوى الأمنية، علّ شرارة هذا الغضب توقظ ما بقي من ضمير لدى المعنيين.
لوسي برسخيان- نداء الوطن