ناغورني قره باغ بلا سكان… 100 ألف شخص غادروا الإقليم: لجوء اختياري أم تطهير عرقي؟

مع سيطرة أذربيجان على ناغورني قره باغ، شهد الإقليم هجرة جماعية باتجاه أرمينيا. ولا يعرف إن كانت أذربيجان قد مارست ضغوطا وتخويفا على السكان ما دفعهم إلى الهروب، أم أن الناس لم يستوعبوا فكرة أن يحكمهم خصمهم التاريخي في تحد لحالة الكراهية المتبادلة لعقود.

يستمرّ النزوح الجماعي للأرمن من جيب ناغورني قره باغ، غداة الإعلان عن حلّ الجمهورية الانفصالية المعلنة من جانب واحد، وعلى الرغم من دعوات أذربيجان لهم للبقاء.

وفرّ أكثر من 100 ألف من السكان الأرمن من إقليم ناغورني قره باغ في أعقاب العملية العسكرية التي شنتها أذربيجان وانتهت باستسلام الانفصاليين، وفق ما أكدت الحكومة الأرمنية السبت.

وقالت نظلي باغداساريان المتحدثة باسم رئيس الحكومة نيكول باشينيان إن أكثر من 100 ألف شخص غادروا الإقليم، علما بأن عدد السكان الأرمن في المنطقة كان يقدّر بنحو 120 ألفا.

وخلال فرارهم على الطريق الجبلي الوحيد الذي يربط الإقليم بأرمينيا، قُتل ما لا يقل عن 170 شخصاً في انفجار مستودع للوقود الاثنين، وفقاً لحصيلة جديدة نشرتها الشرطة التابعة للقوات الانفصالية الجمعة.

وقالت إنّه “تمّ العثور حتى الآن على رفات 170 شخصاً… وتمّ تسليمها إلى الطب الشرعي”. وسيتم إرسالها إلى أرمينيا لتحديد هويات أصحابها.

وفي سياراتهم المملوءة بالمؤن القليلة، المتبقية بعد أشهر من حصار باكو، توقف العديد من السائقين في هذه المحطة الواقعة على مشارف “العاصمة” ستيباناكيرت، وهي واحدة من المحطات القليلة التي ما زالت في الخدمة.

وأدى الحادث أيضاً إلى إصابة 349 شخصاً، معظمهم يعانون من حروق خطيرة.

وتلقى الناجي الجريح سامفيل هامباردسيوميان رعاية في بلدة غوريس الحدودية الأرمنية وهو يستريح في خيمة للصليب الأحمر. وقال الرجل الذي أصيب بحروق في وجهه ولُفت يداه بضمادات سميكة إنه كان يسير نحو المحطة لجلب البنزين عندما حدث الانفجار وألقاه على الأرض.

وأضاف الرجل البالغ 61 عاما وهو أب لتسعة أطفال “كان تسعة أشخاص أمامي في الطابور. لو لم يكونوا هناك لاحترقت تمامًا. لا أحد يعرف بالضبط ما حدث، يقول البعض إن شخصا ما أشعل النار، ويقول آخرون إن قنبلة يدوية ألقيت”.

في المجموع، أُفيد عن مقتل حوالى 600 شخص في أعقاب الهجوم العسكري الخاطف الذي شنّته باكو وأدى إلى استسلام الانفصاليين في 20 سبتمبر الماضي. وأدى القتال نفسه إلى مقتل نحو 200 جندي من كلّ جانب.
تذكارات وكتب محترقة

أصدرت سلطات ناغورني قره باغ الانفصالية الخميس مرسوماً يأمر بحلّ “جميع المؤسسات.. في الأول من يناير 2024”، معلناً أنّ جمهورية ناغورني قره باغ المعلنة من جانب واحد قبل أكثر من 30 عاماً “ستزول من الوجود”.

بدوره، أعلن الكرملين الجمعة أنّ روسيا ستقرّر مع أذربيجان مستقبل مهمّة حفظ السلام في هذه المنطقة الانفصالية التي نشرت فيها قوات منذ العام 2020.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف رداً على أسئلة الصحافيين بشأن مستقبل هذه القوات “بما أنّ المهمّة موجودة الآن على الأراضي الأذرية، فإنّ هذه النقطة ستكون موضوع مناقشات مع الجانب الأذري”.

وتسود خشية من الانتقام بين سكان المنطقة ذات الغالبية المسيحية، والتي انفصلت عن أذربيجان ذات الغالبية المسلمة بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، وخاضت على مدى أكثر من ثلاثة عقود مواجهات مع باكو، لاسيما خلال حربين بين عامي 1988 و1994 وفي خريف العام 2020.

ومن بين اللاجئين الذين التقت بهم وكالة فرانس برس في غوريس، تحدّث الجميع عن “وحشية” هذه الحرب الأكثر تدميراً بكثير من سابقاتها، فضلاً عن الرعب الذي عانوا منه عند وصول جنود العدو.

وقال معظم الأشخاص في هذه المنطقة التي يتمتّع فيها جميع الرجال بخبرة في الجيش والقتال، إنّهم أحرقوا زيّهم الرسمي ووثائقهم العسكرية، وحتى أكثر من ذلك بكثير.

وقالت الشابة لاريسا “الصور العائلية وذكرياتنا، وكتب تاريخ أبطالنا. ليس هناك شك في أنّ الأذريين سوف يدنّسونها”.

تعايش مستحيل

غراف

اتهم رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان أذربيجان بتنفيذ “تطهير عرقي”، معتبراً أنه لن يكون هناك أرمن في الجيب “في الأيام المقبلة”.

غير أنّ باكو رفضت هذا الاتهام، مؤكدة أن “السكّان الأرمن يغادرون قره باغ بمحض إرادتهم”، فيما دعتهم إلى “عدم مغادرة منازلهم” وإلى أن “يكونوا جزءاً من مجتمع متعدّد الأعراق”.

وقالت إن رئيس الوزراء الأرمني “نيكول باشينيان يدرك تمامًا أن السكان الأرمن يتركون ناغورني قره باغ بمحض إرادتهم”.

وأضافت “إنه قرارهم الشخصي والذي لا علاقة له بالهجرة القسرية. إذا كان بعض السكان الأرمن لا يريدون العيش في ظل القوانين الأذرية، لا يمكننا إجبارهم على القيام بذلك”.

وتابعت “على العكس، ندعو السكان الأرمن إلى عدم مغادرة منازلهم وإلى أن يصبحوا جزءًا من المجتمع الأذري متعدد الإثنيات”. ولكن هذا الاحتمال يصعب تصوّره بالنسبة إلى الكثيرين.

ويقول الباحث في معهد العلوم السياسية في فرنسا بيرم بالجي إنّ “لا أحد يؤمن بإمكان التعايش بين الطائفتين. لا الأرمن ولا الأذريون مستعدّون لهذا الخيار”.

ويضيف أنّ أرمن ناغورني قره باغ “غادروا بإرادتهم. أجد أنّ الأمر أكثر إثارة للقلق” ممّا لو تمّ طردهم، مقدّراً أنّ “5 إلى 10 آلاف نسمة فقط ربما سيبقون” هناك.

وتقول يريفان إنّ مخاوف السكان تتأجّج بسبب سلسلة من الاعتقالات غير القانونية بين صفوف المدنيين الفارّين، على الرغم من التزام السلطات الأذرية السماح للانفصاليين الذين سلّموا أسلحتهم بالمغادرة.

وأعلن جهاز الأمن الأذري الجمعة أنه اعتقل قائدا كبيرا في ناغورني قره باغ للاشتباه في تورطه في أنشطة “إرهابية”. وقال إن الموقوف المعروف بأنه دافيت مانوكيان ارتقى إلى رتبة ميجور جنرال في الجيش الأرمني قبل أن يصبح النائب الأول لقائد القوة الانفصالية.

وتقول زالا بيراموفا المحامية المتخصّصة في مجال حقوق الإنسان وابنة أحد رموز المعارضة الموجود في السجن في باكو “لقد اتُهموا جميعاً بالإرهاب والخيانة لمجرّد نشرهم رسائل (على شبكات التواصل الاجتماعي) تنتقد الحرب”.

وتضيف “لذلك، عندما تقول الحكومة إنّها ستعامل الأرمن بشكل جيّد وبكرامة، فهذا غير صحيح البتة”.

في أرمينيا التي يتدفق إليها اللاجئون يتنامى شعور بالغضب. وأعلن معارضو رئيس الوزراء نيكول باشينيان المتهم بالوقوف متفرجًا أمام هجوم باكو الخاطف، تنظيم مسيرة السبت.

وتلقي يريفان باللوم على روسيا، الحليف التقليدي الذي لم يتدخل في حين يفترض به أن يضمن الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار المبرم عام 2020.

وطالب الاتحاد الأوروبي بإرسال بعثة تابعة للأمم المتحدة “في الأيام المقبلة”. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية في بيان “هناك نزوح جماعي للأرمن من ناغورني قره باغ. ومن الملحّ ضمان المساعدات الإنسانية دون عوائق لأولئك الذين ما زالوا في حاجة إليها في قره باغ وللذين فروا” من الإقليم.

صحيفة العرب

مقالات ذات صلة