أوجه خطر النزوح السوري على الأمن الإنساني اللبناني!
تتعدّد المخاطر التي يشكّلها النازحون السوريون على أمن لبنان واستقراره ووجوده. فإضافة إلى التهديد الأمني التقليدي الذي يشمل الإرهاب والمؤامرات العسكرية الخارجية، هناك التهديد للأمن الإنساني، والذي يشمل بحسب تعريف الأمم المتحدة: الأمن البيئي والاقتصادي والصحي والأمن الشخصي والغذائي والاجتماعي والأمن السياسي. وتعتبر المنظمات الدولية، أنّ توفير الدولة للأمن الإنساني لمواطنيها جزء مهمّ، يساوي توفير حقوق الإنسان لهم. ومع وجود ما بين مليون ونصف ومليوني نازح سوري، أكثر من نصفهم دخلوا بطريقة غير شرعية، فإنّ الشعب اللبناني يعاني على شتى الأصعدة وفي أوجه مختلفة.
على مستوى الأمن البيئي، فإنّ مصلحة مياه الليطاني قد رفعت عشرات التقارير حول تعدّيات مخيمات النازحين على مياه النهر، نتيجة تحويلها مكبّات للصرف الصحي والنفايات. كما يتعرّض العديد من الأنهر اللبنانية الملاصقة لمخيمات النازحين للمشاكل نفسها، بحسب تقارير وزارة الأشغال. وهذا ما يُلحق ضرراً شديداً بالمياه الجوفية ومياه الري للمزروعات، التي تنتقل القاذورات إليها وتدخل في الطعام. وتنتشر مكبات النفايات في محيط مخيمات النازحين وداخلها، ما يؤدي الى انتشار الأمراض والأوبئة. كما يُقدم العديد من النازحين على قطع الأشجار بطريقة غير قانونية في الأحراج المجاورة، للتدفئة خلال الشتاء، مما يشوّه الطبيعة ويقتل الثروة الحرجية للبنان.
في ما يخصّ الأمن الاقتصادي، هناك عشرات آلاف الشباب السوريين ينافسون العمالة اللبنانية على الوظائف والمهن في العديد من القطاعات. وهذا يؤدي إلى ارتفاع في نسبة البطالة بين اللبنانيين. كما أنّ العديد من السوريين يمارسون مهناً ممنوعة عليهم بحسب القوانين، ما يؤثر سلباً على إنتاجية بعض الشركات اللبنانية واستمراريتها. كما أنّ النازحين السوريين لا يدفعون أي ضرائب على الأرباح وحتى على جزء من المبيعات، وهذا يوجد منافسة غير عادلة مع اللبنانيين الذين يخضعون للضرائب. وغالباً ما تستهلك مخيمات النازحين كهرباءً ومياه شفة من الدولة من دون دفع أي بدل، ما يحرم الدولة من مليارات الدولارات. كما أنّ المساحات الكبيرة من الأراضي التي تحتلها المخيمات، تحرم مالكيها من فرص استثمارها. ويستخدم النازحون منشآت حكومية وخاصة، وتحديداً المدارس، حيث يُتوقع أن يبلغ عدد الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية حوالى نصف المليون.
أما في ما يخصّ الأمن الصحي، فإنّ المستشفيات اللبنانية الحكومية والخاصة، متواجدة بحسب التوزيع السكاني للشعب اللبناني، وبالتالي فإنّ وجود ما يقارب المليوني نازح سوري يزيد من الضغط على المنشآت الصحية والمستشفيات، بخاصة في توافر الأسرّة والدواء والرعاية الصحية، ما يضاعف الأعباء المالية على القطاع الصحي بأسره. كما أنّ الكثافة السكانية داخل المخيمات، وتدني جودة الحياة فيها، يزيدان من مخاطر انتشار الأوبئة والأمراض المعدية.
ازدياد أعداد البشر يعني حاجةً مضاعفةً للطعام والمواد الغذائية. فقد أثّر وجود مئات آلاف النازحين السوريين على حاجة البلد من الخبز والمواد الأساسية مثل السكر والأرز وغيرهما. وقد صارت هناك حاجة لإنتاج محلي أكبر واستيراد أكثر من المواد الغذائية، لسدّ حاجات المقيمين في البلد من مواطنين ونازحين. وقد أدّى ذلك إلى زيادة حجم التضخّم في الأسعار ونقص في بعض المواد في الأسواق.
تراجع الأمن الشخصي للمواطن اللبناني بشكل كبير منذ بدء حركة نزوح السوريين إلى لبنان قبل عقد من الزمن، وهو يزداد سوءاً اليوم، مع وصول المئات بطريقة غير شرعية. فقد سجّلت الإحصاءات للمؤسسات الأمنية نسب ارتفاع ملحوظة في عمليات السلب وسرقة السيارات والاغتصاب والخطف والقتل والاعتداء الجسدي خلال السنوات الماضية، والجزء الأكبر منها ارتُكب من قبِل النازحين السوريين. وقدوم نازحين بطريقة غير شرعية يعني أنّ هناك أفراداً لا تعلم القوى الأمنية بهم، أو أي شيء عن أسمائهم وخلفياتهم، وفي حال إقدامهم على أي اعتداء يصعب القبض عليهم.
ولادة آلاف الأطفال السوريين شهرياً تشكّل خطراً شديداً على أمن المجتمع. فهؤلاء الرضّع يُسجّلون مكتومي القيد، وبالتالي هناك احتمال كبير ألاّ توافق الحكومة السورية على تجنيسهم وعودتهم إلى أراضيها في يوم ما، بخاصة إذا ما صدقت التقارير عن نيّة النظام السوري إحداث تغيير ديموغرافي في مناطق سيطرته. وبحسب تقارير أمنية، فإنّ هناك عشرات آلاف الأطفال مكتومي القيد ضمن النازحين السوريين، الذين سيهدّدون أمن المجتمع. كما أنّ اختلاف الهوية والثقافة بين النازحين السوريين وسكان البلدات والقرى والمدن اللبنانية حيث يتواجدون، يهدّد وحدة المجتمعات اللبنانية وتعايشها مع بعضها البعض.
أما الأمن السياسي، فيمكن اختصاره بالأمن الأهلي. فالنازحون السوريون ينتمون إلى مجموعات مختلفة، منها معارض للنظام ومنها مؤيّد له. كما أنّ جزءاً منهم يتأثر بالمجموعات الإسلامية المتشدّدة. تواجدهم في مناطق لبنانية تتضمن مجتمعات منقسمة سياسياً، بعضها مع النظام وبعضها ضدّه، يشكّل حتماً تهديداً للأمن السياسي. فتواجد النازحين مسألة حسّاسة سياسياً على الصعيد اللبناني الداخلي، وقد يستخدمهم البعض لخدمة أجندات محدّدة. كما أنّ النازحين السوريين قد يتعرّضون إما للقمع السياسي ومنعهم من التعبير عن آرائهم، أو استغلالهم للترويج لسياسات قد تهدّد لبنان واستقراره.
وبناءً على ما تقدّم، فإنّ أوجه تهديد النازحين السوريين للأمن الانساني اللبناني كثيرة وخطيرة ومتعدّدة. وإذا ما أُضيفت اليها التهديدات الأمنية التقليدية، فإنّ الخطر الوجودي يصبح أكبر وآنياً، وهذا يستوجب على السلطات اللبنانية اتخاذ مجموعة إجراءات بهدف تحقيق الأهداف التالية:
توزيع النازحين على ما لا يقلّ عن 4 مخيمات كبيرة، تُقام على الخط الحدودي الذي يفصل لبنان عن سوريا في شرق البلد وشماله. ويتمّ ذلك عبر إبلاغ مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة بقرار رسمي صادر عن الحكومة، بمنع المساعدات عن أي نازح سوري يعيش خارج المخيمات التي حدّدتها الدولة.
يجب على الدولة اللبنانية أن تأخذ المبادرة من يد المفوضية، وأن تقوم هي بوضع الشروط وقواعد التعامل مع النازحين، وليس العكس كما هو قائم الآن. ويجب توجيه المساعدات الدولية لتمكين هذه المخيمات من توفير حاجات ساكنيها من طبابة وتعليم وبنية تحتية، وهي ستخضع للقوانين الجزائية اللبنانية في التعامل مع الحوادث فيها.
ضمّ موضوع أطفال النازحين السوريين الذين ولدوا في لبنان إلى ملف الأمور العالقة لدى الجامعة العربية مع سوريا، واعتبار حلّ هذه المسألة من الشروط التي ينبغي على النظام حلّها لتطبيع العلاقات العربية معه. كما وضع هذه المسألة في رأس الأولويات التي سيبحثها لبنان مع سوريا، في أي لقاءات مستقبلية. يجب جمع بيانات مواليد النازحين السوريين كافة منذ لحظة دخولهم لبنان وتحديثها يومياً.
إصدار تشريعات أو قرارات حكومية تختصر الآلية القانونية لتعامل القوى الأمنية والجيش مع السوريين الذين دخلوا بشكل غير شرعي إلى لبنان، بحيث يتمّ نقلهم فوراً إلى نقاط العبور الحدودية للعودة إلى بلادهم، عوضاً عن إحالتهم على القضاء، تجنّباً لهروبهم لاحقاً والانتشار في الأراضي اللبنانية. ويجب وضع آلية عمل ورصد آليات تمكّن القوى الأمنية من نقل كل من يتمّ القبض عليه فوراً إلى نقطة المصنع أو منفذ آخر لطرده من البلد. كما يجب إنشاء خط وطني ساخن للإخبار عن نازحين غير شرعيين أينما كانوا.
يجب على السلطات اللبنانية أيضاً مواجهة أي محاولة للقوى الدولية بالضغط عليها للسماح بدخول النازحين، أو التمنّع عن دفع مساعدات أو فرض شروط إضافية، باستخدام ورقة الهجرة عبر البحر باتجاه أوروبا، كآلية ضغط. فكما فعلت تركيا، يمكن للبنان أن يستخدم هذه الورقة للحصول على المساعدات المطلوبة، للتعامل مع أزمة النازحين وفق الخطة التي يضعها، بما يضمن أمن أراضيه وهويته ووجوده.
رياض قهوجي- النهار العربي