“حرب المناخ” اشتدت فمتى تعرف المنطقة العربية أنظمة الإنذار؟
“تفاقمت الخسائر البشرية في ليبيا لغياب أجهزة الإنذار”، هكذا فسرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة حجم الأضرار الكبير الذي خلفه إعصار دانيال في درنة والمدن المجاورة، وأسفر بالتبعية عن غرق أحياء ليبية بأكملها. وأوضحت المنظمة أنه في حال وجود تحذير مسبق باستخدام أنظمة الإنذار المتقدمة، كان من الممكن تجنب معظم هذه الخسائر البشرية في ليبيا.
تلك الكارثة التي اجتاحت ليبيا، وقبلها زلزال المغرب الذي دمر البنية التحتية في مناطق عدة بالمملكة منها مراكش والحوز وتارودانت، دقا ناقوس الخطر حول مدى قدرة وجاهزية دول المنطقة العربية على مواجهة مثل تلك الأزمات المناخية، والخروج بأقل الخسائر والأضرار الممكنة.
كما لم يغب عن الأذهان مشاهد الدمار التي تخلفها حرائق الغابات في الجزائر وتونس بين حين وآخر، والسيول والعواصف والفيضانات التي تترك خلفها أزمات إنسانية بمدن وقرى عربية، وتتسبب في موجات من الهجرة الداخلية والنزوح نحو المناطق الأكثر استقراراً.
ويبدي باحثون في المناخ قلقهم لافتقاد عديد من الدول العربية أنظمة إنذار مبكر تمكنها من تجنب الآثار السلبية للظواهر للأحداث الطارئة، في ظل توقعات بتعرض المنطقة على المدى القريب لحوادث مشابهة، مما يجعل امتلاك مراكز رادارية مسألة ملحة للتخفيف من آثار تلك الكوارث الطبيعية وتقليل الخسائر، لما تسهم فيه من إجلاء السكان في المناطق المتوقع تأثرها بشكل سريع.
ويبدو أن الأردن على سبيل المثال أدرك حجم الخطر المتوقع، وعمل على تدريب كوادره على عمليات الإنقاذ والإغاثة عقب زلزال المغرب المدمر، إذ أعلن المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات قبل أيام انطلاق فعاليات تدريب “درب الأمان 3″، الذي يحاكي وقوع زلزال مدمر مفترض في البلاد، بهدف قياس جاهزية واستعداد المؤسسات العامة والخاصة للتعامل مع الزلازل في حال حدوثها.
افتقار أنظمة الإنذار المبكر
يؤكد عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ واستشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة سمير طنطاوي لـ”اندبندنت عربية”، عدم وجود أنظمة إنذار مبكر في معظم الدول الأفريقية، “إذ تمتلك 37 منشأة رادارية في 54 دولة، وهي نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بأوروبا التي لديها 390 منشأة”، مشيراً إلى أن المنطقة العربية وأفريقيا بأكملها تعاني بشكل كبير في توفير تلك الإمكانات التي تلعب دوراً كبيراً في الحد من الخسائر والأضرار البشرية الناتجة من الكوارث الطبيعية.
في فبراير (شباط) الماضي ظهرت حال الارتباك بشكل واضح على أطقم الإنقاذ والإغاثة في سوريا عندما تعرضت لزلزال ما زالت تعاني تبعات آثاره المدمرة، مما دفع منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة المصطفى بن المليح للتعليق على الواقعة بالقول، إن الأنظمة الهشة في سوريا بسبب الحروب تأثرت بشدة من الزلزال، وعدم تعافي البلاد قبل وقوعه جعل مناطق سوريا أكثر تدميراً وفتكاً، وأدى الأمر إلى فقد عدد لا يحصى من الأرواح لأن أنظمة الاستجابة لم تكن قادرة على العمل.
وفي مايو (أيار) الماضي سلط مجلس الوزراء العرب المعنيين بشؤون الأرصاد الجوية والمناخ الضوء على تلك الأزمة، وأبدى تخوفه من أخطار الكوارث الطبيعية على المنطقة، داعياً إلى ضرورة تطبيق أفضل الممارسات لنظم الإنذار المبكر، وتطوير وتحديث خدمات الأرصاد الجوية لإتاحة بيانات دقيقة تساعد في مجابهة مخاطر الطقس الحاد والتخطيط طويل الأجل تجاه الأحداث المناخية المتطرفة، مؤكدين ضرورة تبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين دول المنطقة في مجال نظم الإنذار المبكر والسياسات المعتمدة عليها.
وفي مارس (آذار) الماضي عمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على تأليف لجنة استشارية من قادة وكالات الأمم المتحدة ومصارف التنمية متعددة الأطراف والمنظمات الإنسانية والمجتمع المدني وشركات تكنولوجيا المعلومات، من أجل تفعيل مزيد من النفوذ السياسي والتكنولوجي والمالي لضمان أن تصبح الإنذارات المبكرة للجميع، معلناً تكثيف العمل في 30 دولة معرضة للخطر، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً. وكان غوتيريش دعا في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي جميع البلدان إلى الاستثمار في نظم الإنذار المبكر، وتقديم الدعم لأولئك الذين يفتقرون إلى القدرات.
ونظام الإنذار المبكر هو إجراء تكيفي لتغير المناخ، باستخدام أنظمة الاتصال المتكاملة لمساعدة المجتمعات في الاستعداد للأحداث الخطرة المتعلقة بالمناخ، وتسهم مثل تلك الأنظمة في إنقاذ الأرواح والوظائف والأراضي والبنى التحتية وتدعم الاستدامة على المدى الطويل.
معاناة المنطقة العربية
بحسب المتخصص في المناخ عماد سعد فإن الدول العربية هي الأكثر هشاشة تجاه التغيرات المناخية، مشيراً إلى ارتفاع معدل الهجرة الناتجة من الظواهر الجوية القاسية مثل الأعاصير، التي أدت في العقد الماضي إلى نزوح أكثر من 20 مليون شخص في العالم العربي. وأضاف في تصريحات متلفزة أن تداعيات التغيرات المناخية وآثارها السلبية يمكن أن تضر جميع قطاعات المجتمع والتنمية بالمنطقة، وعدم اقتصار الأزمة على المناخ فقط، بل جميع القطاعات تتعرض لأضرار.
يعود طنطاوي عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ، ويشدد في حديثه على افتقار أغلب الدول العربية والأفريقية لأجهزة الإنذار المبكر، مرجعاً السبب إلى ضعف القدرات والموارد وعدم حصولها على التمويل اللازم لتوفير مثل تلك الآليات.
وفي ما يتعلق بالقدرة على المواجهة قال طنطاوي إن المنطقة أكثر هشاشة في مواجهة الكوارث الطبيعية نظراً إلى ضعف النظم البيئية فيها، وعدم قدرتها على تحمل تكاليف التكيف. وشرح خبير المناخ الدولي أهمية تمتع المنطقة العربية بنظم إنذار مبكر بالقول “إعصار دانيال الذي ضرب ليبيا من الظواهر نادرة حدوثها في منطقة حوض البحر المتوسط، لأنه غير مدرج في قائمة الأعاصير المتوقعة من خلال المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، لذلك من المهم امتلاك أنظمة تنبؤ بالكوارث الطبيعية في البلدان العربية، بخاصة أنه من المتوقع أن تشهد المنطقة ظواهر مناخية حادة خلال السنوات القليلة المقبلة”.
وحول الحلول المتاحة قال عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ إنه يجب على الحكومات والسلطات العربية والقارة الأفريقية عموماً اتخاذ التدابير اللازمة، والتعاون الدولي مع جميع المنظمات لإنشاء نظام إنذار مبكر يساعد في اتخاذ إجراءات للحد من عدد الضحايا التي تخلفها، وتنفيذ عمليات إجلاء للمناطق المهددة.
ويتفق الخبير البيئي المغربي رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ بنرامل مصطفى مع رؤية طنطاوي، ويقول في حديثه لـ”اندبندنت عربية” إن المنطقة العربية بحاجة إلى وضع استراتيجيات وطنية لمواجهة الكوارث الطبيعية، وتضمين المجتمع المدني وتدريب الكوادر عليها، مشدداً على أهمية توعية سكان المناطق المعرضة للأخطار المناخية بكيفية التصرف في حالات الأزمات.
وأشار بنرامل إلى أن مثل هذه الكوارث متوقع أن تتكرر بشكل سريع بالمنطقة، ويمكن أن تترك خسائر متفاقمة على مستوى هذه الدول، متطرقاً إلى نقص الاستراتيجيات في المنطقة العربية، باستثناء الدول الخليجية وتونس والمغرب والأردن ومصر.
وعلى رغم الدمار الذي خلفه زلزال المغرب، يرى بنرامل أن المملكة اعتمدت خطة وطنية أثناء مواجهة الكارثة الأخيرة، لكنه لا ينفي في الوقت نفسه أنه كان هناك بعض الهفوات في التعامل مع الزلزال، مفسراً ذلك بانطلاق الاستراتيجيات الأولى عام 2020 وتنفيذها في 2021، موضحاً أن المملكة لا تزال تعمل على تنفيذ مجموعة من البرامج والتدابير لضمان فاعلية هذه الاستراتيجيات التي تستمر حتى عام 2030.
يؤكد بنرامل أنه “من المهم أيضاً الاعتماد على أنظمة التنبؤ بشكل أكبر، وأن يتدخل بطريقة منظمة ومتكاملة لمساعدة الضحايا، إضافة إلى وضع آليات ورؤى لعمليات إعادة الأعمار”.
كما خرجت وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد للتعليق على كارثتي المغرب وليبيا، وتطرقت في حديثها إلى امتلاك مصر نظاماً للإنذار المبكر يمكن عن طريقه التنبؤ بصورة دقيقة باحتمالات وقوع كارثة طبيعية، وقالت في تصريحات متلفزة إن نظام الإنذار المبكر يتنبأ باحتمالات وقوع الكارثة الطبيعية قبل حدوثها بنحو ثلاثة إلى أربعة أيام.
كوارث متوقعة
بحسب المتخصص في إدارة المشاريع والموارد المائية والزراعة في الأمم المتحدة أحمد فوزي فإن الوضع مقلق للغاية، والتغيرات المناخية وما يعرف بـ”حرب المناخ” تشكل تهديداً كبيراً على المنطقة العربية. وأضاف في حديثه إلينا أنه “يجب إعادة اختيار مواقع السدود وإعادة بنائها بأسلوب علمي، لأن السدود الحالية وتصميمها لا يتناسبان مع الظروف المناخية”.
يوضح فوزي أن السدود في ليبيا متهالكة، وكان يتوجب إعادة النظر فيها ومراجعتها، كما يجب فعل الشيء نفسه بالنسبة إلى السدود الموجودة في مصر وتونس وسوريا ولبنان، وكذلك بقية دول المتوسط، وأكد أنها ستواجه مشكلات مماثلة في المستقبل.
وشدد على ضرورة تكاتف دول المتوسط لمواجهة هذه الظاهرة المرتبطة بتغير المناخ والظواهر الطبيعية، وأكد أنه كان يتعين على ليبيا الاعتناء بطاقة السدود وصيانتها بشكل دوري وإضافة فتحات جانبية لتصريف الزائد من المياه عند الحاجة، لكن لم تشغل بالاً بالأحداث المناخية التي تزيد من التساقطات.
ومن بين التخوفات التي تشغل باله أشار إلى أن من ضمن الأزمات الموجودة بعدد من دول المنطقة تعدي البناء في مناطق مجرى الأودية مثلما الحال في ليبيا، ومثل هذه المنازل المخالفة موجودة في عديد من الدول النامية. وأكد أن المشكلة التي حدثت في ليبيا من المتوقع أن تحدث في بعض الوديان المماثلة لها في جنوب وشمال وشرق المتوسط. وأوضح أنه يجب توخي الحذر واتخاذ إجراءات مبكرة لمنع حدوث الفيضانات عند الحاجة، من خلال الاعتماد على دراسات واستخدام الدعم الفني.
وشدد فوزي على أهمية وجود أنواع مختلفة من السدود، بما في ذلك سدود الإعاقة وأخرى تحويلية وتخزينية، إذ تقوم هذه الأعمال الإنشائية بمنع أو تقليل حركة المياه القادمة نحو السد الرئيس الذي يخزن المياه ويستخدم جزءاً منها في شحن الخزانات الجوفية.
المركزية