الكل يتهم الكل: هل فعلا العرقلة الرئاسية… مشكلة مارونية؟
كان التعويل كبيراً على شهر أيلول لأنه وُصف بشهر المبادرات الداخلية والخارجية التي لا بد من أن تحقق خرقاً أو تقدماً في الملف الرئاسي، لكن خيبة الأمل كانت أكبر بعد أن نعى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المبادرة الفرنسية التي كان سلفه في الملف اللبناني، باتريك دوريل، أطلقها، وارتكزت يومها على انتخاب رئيس جمهورية من حصّة فريق الممانعة أي سليمان فرنجية مقابل رئيس حكومة مقرّب من المعارضة أي نواف سلام، وأعلن منذ أيام قليلة الحاجة الى إسم ثالث خارج ثنائية فرنجية – جهاد أزعور.
وبعد أن كان الجميع ينتظر عودة لودريان الى بيروت أواخر الشهر الجاري لاستكمال مسعاه الرئاسي، بات السؤال اليوم: هل من جدوى بعد لهذه الزيارة، لا بل هل لا تزال قائمة أو أنها ألغيت خصوصاً بعد أن تولت قطر مهمة الوساطة وتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين علها تنجح حيث فشلت فرنسا؟ مع العلم أن الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني يزور المسؤولين من كل الجهات السياسية بعيداً من الاعلام، مهيئاً الأرضية لزيارة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي، في 5 تشرين الأول المقبل.
أما خيبة الأمل الثانية، فأتت من الداخل بعد أن قال رئيس مجلس النواب نبيه بري في حديث صحافي، انّه لم يعد لديه شيئ جديد يقوله عن الملف الرئاسيّ، وانّ المشكلة لدى الموارنة وفي ما بينهم خصوصاً أنه دعا مرات عدة منذ بدء الشغور الى الحوار، لكن الأحزاب والتيارات المسيحية، وأبرزها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، كانت ترفض المشاركة في الحوار، وإن من منطلق مختلف، على اعتبار أنه استهلاك للوقت ولن يجدي نفعاً، والتجارب السابقة أو الطاولات الحوارية التي عقدت على مر السنين خير دليل كما أن الدستور واضح في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي، لا بد من الاحتكام اليه.
في المقابل، يعتبر كثيرون أن معارضة حوار بري لا تقتصر على المسيحيين، والموارنة على وجه التحديد، بل هناك شركاء من مختلف الطوائف يرون أن الحوار يهدف الى علك الوقت ليس أكثر بانتظار تطورات إقليمية تعيد النبض الى فكرة انتخاب فرنجية مع التأكيد أن الاصطفاف ليس طائفياً، والخلافات الكبرى في مقاربة الكثير من الملفات بين “القوات” و”التيار” تؤكد ذلك في حين أن الأخير يجري جلسات نقاش مع “حزب الله” حول العديد من القضايا.
وفي هذا الاطار، وصف النائب عبد الرحمن البزري عدم انتخاب رئيس الجمهورية بأنه “علامة من علامات ترهل الطبقة السياسية اللبنانية التي لم تواجه الأزمة بصورة سليمة وصحيحة”، عازياً أساس الأزمة الى “فشل المنظومة السياسية في إدارة البلد على مدى عقود من الزمن ما أدى الى الهدر والفساد، وأوصل الى أعراف فُرضت على السلوك الديموقراطي، وأدى الى ما يسمى أزمات وطنية متكررة”. وأشار الى أن “المشكلة الأساسية اليوم تكمن في غياب الثقة بين مختلف المكونات السياسية وعدم قدرتها على اتخاذ المبادرة الداخلية من دون حسابات إقليمية وخارجية، وعدم الاعتراف بأن المشكلة الأساسية تكمن في إدارة الدولة انطلاقاً من المحسوبيات وليس على أساس المواطنة”.
واعتبر أن “الجميع يتحمل مسؤولية الفشل في انتخاب الرئيس، ومسؤول عن عدم الخروج من النفق المظلم، وفكفكة العقد الرئاسية لننطلق الى حلحلة العقد الأخرى المتمثلة في الحكومة رئيساً وأعضاء واعادة تفعيل الانتظام الدستوري، وانطلاق عملية الاصلاح”، مشدداً على أن “كل المقاربات والاصلاحات المالية والاقتصادية من دون اصلاحات سياسية حقيقية تبقى ناقصة ومشوهة”.
ورأى النائب ياسين ياسين أن “الجميع يتحمل مسؤولية الشغور الرئاسي. المنظومة لديها مصالحها، وتعمل وفق هذه المصالح، واتهام هذه الطائفة أو تلك بالتعطيل لا يجدي نفعاً، والمهم أن تعقد الجلسة الانتخابية بدورات متتالية، في أسرع وقت، ومن يقاطع يتحمّل التبعات، وحينها المي بتكذب الغطاس، بغض النظر عن الرابح والخاسر”.
وأكد أن “من يتحمل مسؤولية التعطيل اليوم كل نائب يمثل الشعب والذي من واجباته التوجه الى مجلس النواب لانتخاب الرئيس”، طالباً من الرئيس بري أن يفتح أبواب البرلمان، ويعقد جلسة انتخابية بدورات متتالية. ولفت الى أن “الحوار الذي دعا اليه بري لم يكن جدياً لأسباب كثيرة خصوصاً أنه لم يذكر أنه سيبقي الجلسة الانتخابية مفتوحة بدورات متتالية كما لم نسمع منه انه يضمن عدم انسحاب فريقه السياسي أو حليفه من الجلسة كما حصل في السابق، ثم انه رسالة للمجتمع الدولي بأنه يسهّل انتخاب الرئيس ولا يعرقل لا سيما أن دعوته تزامنت مع وجود عدد من البعثات الأجنبية في لبنان كما أن الحوار في الاستحقاق الرئاسي مخالف للدستور. المهم اليوم أن تسلك اللعبة الديموقراطية في مسارها الطبيعي”.
وأشار الوزير السابق مروان شربل الى أن “الكل يتهم الكل، والاتهام السياسي يمكن أن يكون صحيحاً وفي محله كما يمكن ألا يكون صحيحاً وفي غير محله. الكل لا يثق بالكل حتى في مجلس النواب كل طرف مقسوم على بعضه. لسوء الحظ ليس هناك من تفاهم والثقة مفقودة بين الجميع. ولا أعرف كيف يمكن للخارج أن يتوسط بينهم، وكيف يقبلون أن يمون عليهم الخارج”.
وقال: “الكل مسؤول عن انتخاب رئيس الجمهورية، والقوى السياسية مسؤولة عن إيجاد المخرج في هذا الاطار. لكن، لا بد من الاشارة هنا الى أن الموارنة تقاطعوا على اسم جهاد أزعور، وتم تعطيل نصاب الجلسات الانتخابية، كما اعتبر البعض أزعور مرشح تحدّ، فكيف يمكن تحميل المسؤولية للموارنة؟ الكل يتحمل المسؤولية وليس طرفاً دون سواه. والسؤال اليوم: أليست هناك في الطائفة المارونية شخصية يمكن أن تتوافق عليها غالبية الكتل السياسية؟”.
هيام طوق- لبنان الكبير