لبنان و”الخيار الثالث”: كيف يمكن التوصّل الى توافق على انتخابه؟
مع انضمام فرنسا رسميًّا الى دعاة “الخيار الثالث” في الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة، خسر “الثنائي الشيعي” آخر داعميه في معركة إيصال رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة الى القصر الجمهوري.
وحاول “الثنائي الشيعي” منذ مغادرة جان- إيف لودريان، الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي، لبنان التقليل من صدقيّة الأنباء التي تحدثت عن نفض باريس يديها من فرنجيّة، ما اضطر لودريان إلى أن يطل في تصريح لإبلاغ الجميع بتبنّي إدارته لمبدأ “الخيار الثالث” الذي يعني دعوة القوى الناخبة اللبنانيّة الى التخلّي عن المرشّحين اللذين عجزا عن توفير الأكثرية اللازمة لانتخاب واحد منهما، أي فرنجيّة وجهاد أزعور.
ولكنّ انضمام فرنسا الرسمي الى موقف شركائها في “الخماسية الدوليّة” لا يعني أنّه جرى تعبيد الطريق أمام استكمال الإستحقاق الرئاسي، لأنّ “الثنائي الشيعي” طالما كان مدعوًّا الى التخلّي عن فرنجية لمصلحة مرشّح يتم التوافق عليه مع القوى اللبنانيّة الأخرى، لكنّه أصرّ على رفض ذلك، داعيًا الى حوار يتمّ فيه التوافق على برنامج المرشّح المفترض، بحيث يضمن “حزب الله”، بشبه إجماع وطني، ما يحتاج إليه: استمرار إمساكه بالقرار الاستراتيجي اللبناني من خلال تجميد كل بحث داخلي في تنفيذ القرارات الدولية التي تستهدف سلاحه!
ولكنّ غالبية القوى التي وقفت ضد فرنجية تقف ضد هذا الحوار، لأنّ رفض وصول رئيس “تيّار المردة” الى القصر الجمهوري لا يتصل حصرًا بشخصه بل يمتد أيضًا الى صفاته، وهذا يعني أنّ من كسب معركة إسقاط خيار فرنجيّة لن يرضى بخسارة معركة صفات رئيس الجمهوريّة ودوره.
وبناء عليه، من تراه القادر على تجسيد “الخيار الثالث”، وكيف يمكن التوصّل الى توافق على انتخابه؟
حتى تاريخه، لا يُجسّد قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يتطلّع إليه الكثيرون على أنّه “الأوفر حظًا”، هذا “الخيار الثالث”، لأنّ هناك شبه توافق بين “الثنائي الشيعي” و”التيّار الوطني الحر” على منع وصوله الى القصر الجمهوري، وكل طرف لأسباب خاصة به، فـ”الثنائي الشيعي” لا يطمئن إلى علاقاته مع الغرب عمومًا والولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، ورئيس “التيّار الوطني الحر” ينظر إليه على أنّه خطر حزبي عليه، إذ إنّ كثيرين ممّن رفضوا قيادة النائب جبران باسيل أعلنوا ولاءهم للعماد عون الذي شرّع أبوابه لهم.
ولا يزال طرح إسم المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري “طريًّا” إذ إنّ أطرافًا عدّة سبق أن رفضت فرنجية تحاول أن تبلور تصوّرًا سياسيًّا كاملًا عن البيسري، إذ تلتبس عليها علاقته “شبه الأبويّة” بالنائب ميشال المر الذي كان قد انضمّ، في وقت سابق، إلى كتلة يترأسها النائب طوني فرنجيّة.
وتربط البيسري علاقة تاريخية بالوزير السابق الياس المر وقد نجا معه من محاولة اغتيال في 12 تموز(يوليو) 2005، إذ كان مسؤولًا عن أمنه بصفة المر وزيرًا للدفاع وبصفة البيسري عقيدًا في الجيش اللبناني.
ويقيم اللواء البيسري علاقة ممتازة مع قائد الجيش جوزف عون، وقد بيّنت زيارته الأخيرة له في مكتبه في وزارة الدفاع الوطني، أنّه يرفض إقحام المؤسسات الأمنية التي تتولّى مهمات حساسّة في فترة دقيقة في “متاهات التنافس على المناصب السياسيّة”.
وعلى مستوى السياسيّين، يختلف تقييم القوى السياسيّة للراغبين بالوصول الى القصر الجمهوري، فيما يعرب سياسي مخضرم عن اعتقاده بأنّ خيارات “حزب الله” الرئاسيّة محدودة، فهو عندما أعلن أنّه يريد أميل لحود وميشال عون آخر ويرفض ميشال سليمان جديدًا، حصر نفسه بسليمان فرنجيّة، باعتبار أنّ أيّ شخصية أخرى مؤهلة لتسلّم رئاسة الجمهوريّة لا يمكنها أن تضع كامل رصيدها في سلّة “حزب الله”.
وهذا يعني أنّ الملف الرئاسي في لبنان انكشفت كل أقفاله، بشكل نهائي، ولكنّ مفاتيحه لا تزال غامضة، ولا بدّ من أجل إتمام هذا الإستحقاق الرئاسي أن يذهب المعنيّون به من إقليميّين ودوليّين إلى “خيار ثالث” في سلوكهم، بعدما بات جليًّا أنّ لا اتفاقاتهم الفوقية تجدي ولا رهانهم على الأطراف اللبنانيّة المختلفة على كل شيء!
فارس خشان- النهار العربي