ما الفرق بين الأوقاف الدينية والملكيات الفردية؟
تتكرر عبارة الأوقاف على مسامعنا، وربما لا يعرف كثر التمييز بين الأوقاف الدينية والملكيات الخاصة، ووفقاً لموقع “مداد” الدعوي، والموجه لأفراد المجتمع المسلم، الحديث عن الوقف بمعناه الواسع، يأتي ضمن سياق تصاعد موجة ما يسمى بالقطاع الثالث في المجتمع المدني، إذ يقف القطاع الخيري باعتباره القطاع الثالث المرشح لمزاحمة القطاعين الخاص والعام، في إدارة دفة المجتمع بمختلف مؤسساته المدنية والاجتماعية، ويشبه “صندوق تثمير ممتلكات الأوقاف” APIF، على موقعه، مفهوم الوقف بالهبة المتعارف عليها في الغرب، وأدى التركيز القوي على إدامة الأوقاف إلى تراكم كبير للثروة المجتمعية على مر السنين، حتى أصبحت الأوقاف تمثل قطاعاً اقتصادياً مهماً تكرس لتحسين الرفاه الاجتماعي والاقتصادي في البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية والبلدان غير الأعضاء التي تضم مجتمعات مسلمة أو سكاناً مسلمين.
تعريف الوقف
وفقاً لتعريف اللجنة الوطنية للأوقاف بمجلس الغرف السعودية معنى الوقف لغوياً هو الحبس والمنع، فيقال وقفت بمعنى حبست، واستبدال كلمة أوقفت بها يعتبر لغة رديئة وغير مقبولة، أما اصطلاحاً، فحبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح، والعين إما أن تكون داراً أو بستاناً أو نقداً.
أنواع الوقف
وتفرق دراسة تابعة لـ”الجامعة اللبنانية” – قسم المعلوماتية القانونية، ووفقاً للقانون رقم (0) تاريخ 10 مارس (آذار) 1947، بين أنواع الوقف، وتشير إلى أن الوقف نوعان، خيري وذري، فالوقف الخيري، هو الوقف الذي وقف على جهات الخير من حين إنشائه كالوقف على المساجد والمستشفيات، والملاجئ والفقراء، والوقف الذري، هو الذي وقف على الواقف نفسه وذريته كالأحفاد والأقارب، أو على من أراد نفعهم من الناس ثم جعل مآله إلى جهات الخير أو غيرهم بشروط يحددها الواقف. وتضيف الدراسة أن الوقف نفسه قد يكون بعضه خيرياً وبعضه ذرياً، أي مشتركاً، أي عندما يوقف الواقف وقفه على أن يبدأ من ريعه بصرف مبالغ وخيرات عينها، ثم يصرف الباقي على المستحقين بحسب شرط الواقف، ويتناول هذا القانون الوقف الذري المحض، والوقف المشترك بين الذرية والجهة الخيرية، وبالنسبة إلى الأوقاف الخيرية المتعلقة بالمعاهد الدينية والمؤسسات الخيرية، فتتبع للأحكام الشرعية والقوانين المرعية الخاصة به، وللقرارات التي يتخذها المجلس الأعلى له، إن كان تعديلاً أو علاوة لإحدى مواد القانون، وفق ما يقتضيه الحكم الشرعي، ويشمل جميع الأوقاف المضبوطة والملحقة التي تديرها إدارة الأوقاف العامة.
الفرق بين الأوقاف والمشاعات
يشير رئيس الدائرة القانونية في جمعية “الشعب يريد إصلاح النظام” المحامي نجيب فرحات إلى أن الوقف نوعان، خيري وذري، فالوقف الخيري، هو الوقف الذي وقف على جهات الخير من حين إنشائه كالوقف على المساجد والمستشفيات والملاجئ والفقراء، والوقف الذري، هو الذي وقف على الواقف نفسه وذريته أو على من أراد نفعهم من الناس ثم جعل مآله إلى جهات الخير ومن ثم، فإن الأوقاف هي أموال تم تخصيصها من قبل أصحابها لغاية خيرية هدفها النفع العام، سواء لجميع الناس، أم لذرية الواقف على أن تصبح لاحقاً لمنفعة جميع الناس، وذلك تحت إشراف جهة دينية معينة (إنشاء مسجد، مدفن، مركز عبادي، أو حتى لاستثمارها وصرف ريعها في جهات البر والإحسان) وهي من ثم تحت تصرف الجهة الدينية التي تم الوقف لأجلها وفق الغاية المحددة من الوقف.
ويفرق المحامي فرحات الأوقاف الدينية عن المشاعات عن الأملاك الخاصة. ويقول إن المشاعات هي الأملاك العمومية العائدة للدولة، أو لأشخاص القانون العام كالبلديات وينبغي استعمالها تحقيقاً للمصلحة العامة، أما الأملاك الخاصة فهي أملاك الأشخاص حيث يستطيعون التصرف بها كما يشاؤون، ولهم الحق بوقفها خيرياً أو لذريتهم أو جعلها أملاكاً عامة بإرادتهم، لكن هناك كثيراً من القيود والضوابط والموانع القانونية على التصرف بالوقف والمشاع، أما الأملاك الخاصة فجائز التصرف بها من دون قيود من جهة المبدأ.
أهمية التغيرات التي طرأت على الأوقاف
تشرح أستاذة دراسات الدين وحضارات الشرق الأوسط في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة “تورنتو” بكندا ندى ممتاز عبر كتابها “ملكية الله: الإسلام والإحسان والدولة الحديثة” الصادر عن جامعة كاليفورنيا لسنة 2021، الذي يتطرق إلى مؤسسة الوقف وتحولاتها عند الطائفة السنية في بيروت منذ القرن الـ19 حتى اليوم، في حديث لـ”المفكرة القانونية”، يوليو (تموز) الماضي، أنه في زمن السلطنة العثمانية كان الواقف ينقل ملكه لله ويتصدق بالمنفعة لعائلته أو للفقراء أو للجامع أو غيره، فالوقف عبادة ومعاملة، ولكونه معاملة كان يمكن للمسيحيين القيام بها. وتضيف أنه في المحكمة الشرعية في بيروت نصف الأوقاف تقريباً للمسيحيين، منها للأرثوذوكس وللموارنة، ووقف واحد لليهود، وكانت الباحثة ممتاز قامت بمسح الأوقاف المسجلة في المحكمة الشرعية في السنوات الـ30 الأخيرة، ولاحظت أوقافاً لا تشبه الأوقاف القديمة كوقف بـ200 دولار لجمعية للدفاع عن حقوق الإنسان مثلاً، وتتساءل “كيف يكون هذا وقفاً؟”، وبرأيها أن مفهوم الوقف قد تغير مع الزمن، إذ إن فكرة الوقف في زمن العثمانيين كانت عملاً فردياً، وكان الواقف يقوم بالوقف للتبرع لجهة خير، ويعين متولياً يدير الوقف، إذ يجبي الإيرادات ويوزعها وفقاً لشروط الواقف أو المتبرع، وتتابع أن هذه المقاربة تغيرت كثيراً في الفترة اللاحقة عندما حصلت عملية تطييف الوقف الذي أصبح مربوطاً بملكية الطائفة، وتفيد بأن هذا التغير حصل في أيام الفرنسيين، إذ أصبح للوقف شخصية معنوية، وعرف المرسوم 753/1920، الذي أصدره الفرنسيون أن الأوقاف بمثابة ملك المسلمين الديني، وهكذا أصبح الناس يفهمون الأوقاف وكأنها أملاك الطائفة.
مؤسسة الوقف وجمعها بين القانون المدني والطائفي
وتلفت الباحثة ندى ممتاز إلى أن الانتداب الفرنسي أتى بأفكار مسبقة عن القانون وتقسيماته، وقام المسؤول عن الأمور العقارية أيام الانتداب فيليب جيناردي بمقاربة تتعلق بالأوقاف أثارت لغطاً كبيراً، لأن شقاً منها يتعلق بالعقارات (قانون مدني) وشقاً آخر بالصدقة والإرث (القانون الطائفي). وحيث إن الفرنسيين كانوا مروا بتجربة صعبة في الجزائر حين اعتبروا الأوقاف أملاكاً عامة فاستولوا على أراضي الأوقاف، وأسهمت الأوقاف في النضال ضدهم، فكانت تلك التجربة بمثابة درس لهم، فلم يقوموا بالشيء نفسه في تونس والمغرب، أما في لبنان فكانوا حريصين جداً في موضوع الأوقاف، بخاصة أن المسلمين السنة كانوا ضد الانتداب سياسياً، فحاول الفرنسيون مراعاتهم، وحل الانتداب مكان “نظارة الأوقاف العثمانية”، وكان القرار الأول الذي صدر أيام الفرنسيين عن الأوقاف متصلاً بالرقابة عليها، ليتأكدوا بأنفسهم أنه يتم تطبيق الشريعة، مما يجعلهم يتدخلون في الخصوصيات الطائفية، وتشير ممتاز إلى أن هذه المقاربة كانت مناسبة لهم، لأنهم كانوا ينظرون إلى الأوقاف كثروة عقارية كبيرة يجب تنميتها، فأصبحت مراقبة الأوقاف والقرارات المتعلقة بها عائدة لسلطة المفوض السامي فعلياً، مثل سن القوانين والتصرف بالأموال، لكن هذا الأمر أدى إلى معارضة وتطور حراك قوي جداً في وجه الفرنسيين في فترة العشرينيات، مما دفعهم إلى التراجع عن التدخل، فأنشأوا ما أصبح يسمى اليوم “المجلس الشرعي الأعلى” وهيئته الانتخابية، لينتخب المسلمون الأشخاص الذين سيشرعون في مسائل الوقف.
اندبندنت