في الأيام العصيبة تُفتقد الرموز: السويداء… وصور كمال جنبلاط!
ليس تفصيلاً أن تُرفع صور زعيم المختارة التاريخي في تظاهرات السويداء. ففي الأيام العصيبة للجماعات تُفتقد الرموز والشخصيات، بعضها يأخذها الى الاستكانة ويُدخلها في أحابيل السياسة والولاءات المنافقة لتقنع بالمهانة، لكن بعضها الآخر، مثل كمال جنبلاط، يبعث فيها الشعور بالكرامة والأمل في الانتصار، كونه أهم شخصية ملهمة مرَّت في التاريخ الحديث للموحدين الدروز.
كمال جنبلاط «اللبناني» مثل زعماء لبنانيين كثيرين، أخطأ وأصاب، جمع أصدقاء وأعداء، خصوصاً أنّ مسيرته بعد الاستقلال امتزجت بنزاعات أهلية شكّل فيها رأس حربة في زمن أحلام قومية ثورية وقناعات مطلقة بدأت بنشدان الاصلاح والمساواة لكل الناس وبواجب الانتصار لقضية فلسطين العادلة، ثم انتهت الى ما يعرفه الجميع من تحلل وأحداث نفشل في معالجة ذيولها حتى الآن. لكن كمال جنبلاط كان دائماً زعيماً استثنائياً يتجاوز حدود لبنان ببعده العربي وفكره الانساني الشمولي وقدرته على تمثيل عصب طائفته، سواء أسكن أفرادها في لبنان أم في جبل العرب أم في فلسطين، وسواء أكانوا مؤسسين لكيان دولة لبنان الكبير، أم جزءاً من دولة بعثية ترفع شعارات قومية جوفاء وتمارس ديكتاتورية واضحة الآثار، أم مندمجين في الدولة الاسرائيلية يتمثلون في الكنيست والحكومة ويشاركون في مؤسساتها العسكرية والأمنية كعرب و»مستعربين».
لا ينفصل رفع المحتجين الدروز صور كمال جنبلاط فوق رؤوسهم في السويداء عن الموقف الثابت لوليد جنبلاط ضد نظام الأسد واصطفافه الصريح مع ثورة الشعب السوري. وشكَّل تضامن جنبلاط مع انتفاضة السويداء الأخيرة غطاءً درزياً واسعاً لتحركٍ أطلقته الضائقة الاقتصادية وغذَّاه انهيار العملة والخدمات وعجز نظام دمشق عن حل أبسط مشكلات المواطنين السوريين. أمّا ما ردَّده المتظاهرون من شعارات تمتدح كمال جنبلاط وتمجّد ذكراه فهو ذروة الاحتجاج السياسي على النظام المتهم باغتياله، ومؤشر الى تطلُّع دروز سوريا الى طموح خاص يجعل رمزية سلطان باشا الأطرش الوطنية السورية والقومية العروبية ماضياً مضى وبعيداً عن معاني التحرك الحالي.
غير معروف حتى الآن مآل احتجاجات السويداء. صحيح أنها مشهد متجدّد من الثورة السورية المغدورة التي اندلعت مع الربيع العربي المطالب بالحريات، لكن خصوصيتها الدرزية وموقعها الجغرافي على مرمى حجر من دروز الجولان يعطيانها حصانة أتاحت لها إقفال مراكز البعث ومنع الأسد من قمعها، وقد تفتح الباب أمام مطلب حكم ذاتي يتحرّر من مركزية الاستبداد، حتى لو جرى نفي هذا الطموح المشروع على ألسنة القيادات الدرزية المناصرة للانتفاضة أو المعادية لها على السواء.
قد تكون انتفاضة السويداء أخطر نتائج الصراع المندلع في سوريا منذ اثني عشر عاماً، إذ يمكن أن ترسم ملامح سوريا جديدة سكت قلب العروبة النابض فيها ولو بالشعارات، وتحوّلت ملعباً لخمسة جيوش ومعبراً للسلاح العابر للدول وسيادتها. أما الأكيد فهو أنّ صور كمال جنبلاط ستغذّي لدى دروز سوريا نزعة الحرية حتى لو أدت الى الانفصال.
بشاره شربل