انسحاب فرنجية لعون… وإحراج جبران باسيل وعزله سياسياً!؟
هل يخدم التمديد لقائد الجيش ترشيحه للرئاسة؟
كعادة انقسامهم حول جنس الملائكة، ينقسم اللبنانيون في مواقفهم وتقييماتهم لكل المسارات الداخلية والخارجية المرتبطة بالإستحقاق الرئاسي. في جولة على مواقف الكتل النيابية والأحزاب السياسية، يسهل الإستنتاج بأن كل طرف يغنّي على ليلاه. جهات ترى أن الضغط الإقليمي والدولي المستمر سيؤدي إلى إنجاز تسوية رئاسية قريباً، وجهات أخرى تعتبر أن التسوية لا تزال بعيدة بغض النظر عن كل المساعي والضغوط؛ وبما أن حزب الله وحركة أمل يتمسكان بترشيح سليمان فرنجية فلا أفق لحلّ الأزمة ولا إمكانية للوصول إلى تسوية.
مهلة الشهرين
تستمر المواقف في تضاربها منذ المبادرة الفرنسية، وصولاً إلى التحرك القطري الأخير والذي يتم التداول حوله بقوة وكثرة على الساحة، فيما ترد مواقف خارجية تشير إلى أن حلّ الأزمة داخلي لبناني وإن القوى الإقليمية والدولية تشكل عنصراً مسانداً. من بين المعلومات التي يتداولها الساسة اللبنانيون، أن التحرك القطري الذي ينشط بزخم في هذه المرحلة، كخطوة تمهيدية لتحرك أكبر وأوسع وبشكل رسمي، يضع لنفسه مهلة زمنية قوامها شهران بالحدّ الأقصى تفرض الوصول إلى اتفاق، لأن لبنان لا يمتلك ترف الوقت. ولأنه لا يمكن التعاطي مع الملف كما تعاطت باريس.
انسحاب فرنجية لعون؟
في ظل هذا التحرك، تزداد نسبة التفسيرات والتحليلات والتسريبات، والتي كان آخرها ما نقل عن إحتمال لجوء رئيس تيار المردة إلى الإنسحاب من السباق الرئاسي بعد اقتناعه بتعثر مسار ترشيحه وعدم وجود مقبولية لانتخابه، على أن يعلن تأييده لقائد الجيش جوزيف عون، وبذلك يكون فرنجية قد سار مع التسوية الإقليمية والدولية، في مقابل الحصول على ضمانات ومكاسب، كما أنه عمل على إحراج جبران باسيل وعزله سياسياً. في مقابل وجهة النظر هذه، هناك رأي آخر يستبعد إقدام فرنجية على هذه الخطوة، ويعتبر أن خيار انسحابه من السباق غير مطروح حتى الآن وهو لا يمكن أن يتخذه وحده، لا بد من التنسيق مع حزب الله وحركة أمل، ومخطئ من يظن أن الحزب سيكون متساهلاً مع مثل هذه الخطوة ويذهب للتصفيق إلى انسحاب فرنجية وانتخاب جوزيف عون.
الخطة الشاملة
ما بين الرأيين، رأي ثالث، يبدو على يقين أن حلّ الأزمة لا يمكن إلا أن يكون نتاجاً لتقاطع إيراني أميركي سعودي، وهذا ما يخوّل القطريين لعب الدور الأساسي في تحصيل تقاطعاته وقواسمه المشتركة. أي تقاطع في هذا الصدد، يمكن أن يفتح الطريق أمام تزكية ترشيح قائد الجيش، ولكن من دون حصوله لا مجال لذلك. في هذا السياق، يستند هؤلاء إلى تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي قال:” إذا أظهرت الولايات المتحدة الاميركية نوايا حقيقية فلن يكون بعيداً التوصل إلى اتفاق لعودة جميع الأطراف إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات.”. ربما يكمن بيت القصيد في هذه المعادلة ومقابلها يمكن فتح الطريق أمام البحث الجدي عن التسوية في لبنان.
التمديد لقائد الجيش
وفي سياق ما هو مطروح حول قائد الجيش وترشيحه، ومسألة استعجال الوصول إلى تسوية حوله، تبرز فكرتان، الأولى تشير إلى ضرورة انجاز التسوية قبل موعد إحالته إلى التقاعد، ولعدم ترك جبران باسيل يراهن على الوقت ويستثمر فيه. والثانية ضرورة تمديد ولايته وبقائه على رأس القيادة حفاظاً عليها في ظل عدم تعيين رئيس للأركان اولا، وتالياً، ليبق موقعه دافعاً لترشيحه. وما بين الفكرتين رهانات على الوقت ايضاً. إذ هناك من يعتبر أن عامل الوقت سيكون في صالح خصوم الحزب وليس لصالحه، لأن هناك مساراً إيرانياً إقليمياً يسير باتجاه التهدئة، والتطورات الإيرانية السعودية لا يمكنها ان تكون شكلية، وهذا يتعلق بتبدّل الأولويات التي تتقدمها مسألة التسويات، ولذلك هناك من لا يزال يراهن على الوقت بأنه سيشكل عنصر ضغط على حزب الله في المرحلة المقبلة. يعتبر معارضو الحزب أن مساحة الحركة لديه قد ضاقت، فلم يعد بإمكانه فرض قواعده في ظل المسار التسووي الذي تسلكه طهران. فيما عناصر الضغط ستتكاثر سياسياً، إجتماعياً، إقتصادياً ومعيشياً.
يرى هؤلاء أن مكمن الإرباك لدى الحزب هو انتفاء الحاجة للتصعيد، وأنه غير قادر للذهاب بعيداً في أي مهمة عسكرية أو أمنية، بينما في المقابل هو غير قادر للدخول في مسار “الدولة” أو ما يسمى إصلاحات والتي تعني بشكل أو بآخر الوصول إلى صيغة تسوية للإستراتيجية الدفاعية ولوضع خطة مالية وإقتصادية، بالإضافة إلى البحث في الملف الأساسي والإستراتيجي وهو حلّ مشكلة إظهار الحدود البرية بعد ترسيم الحدود البحرية. فعندما أنجز الترسيم البحري كانت لحظة تحول استراتيجي، ويرى المراهنون على الوقت أنه الكفيل في انضاج الموافقة على المطالب والشروط والضغوط، فمثلاً لو أن أحدهم طرح فكرة ترسيم الحدود البحرية قبل عشر سنوات أو خمس سنوات لكان تعرض لهجوم عنيف ولحملة تخوين، ويعتقدون أن ما هو غير مقبول حالياً، سيتحول إلى مطلب في فترة لاحقة.
يأتي ذلك في ظل حديث أميركي صريح على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف ان العمل مستمر من قبل الإدارة الأميركية حول حل ملف ترسيم الحدود البرية، هذا الكلام الذي يقابله هجوم من قبل أعضاء جمهوريين في الكونغرس الأميركي يتهمون إدارة بايدن بأنها تعمل في سبيل الوصول إلى حلّ لا يرضي الإسرائيليين، وهذا ما يكثر التفسيرات اللبنانية حول ان أي تسوية سياسية داخلية لا بد أن تكون مرتبطة بما يتحقق على صعيد مثل هذه الملفات ذات البعد الخارجي أو الإستراتيجي بالنسبة إلى الأميركيين.
منير الربيع- المدن