مخيم عين الحلوة: خوف من الآتي!
“انتفاء اليقين” يطبع المزاج العام، الذي يتربص بكافة نازحي “عين الحلوة”، بعد اجتياز إعلان وقف إطلاق النار في المخيم، أسبوعه الأول. فمن جهة، يُهيمن جوّ من اللاثقة بأي تسويّة قد تنبثق عن أطراف الاقتتال، ومن جهةٍ أخرى فإن المخيم الذي شهد معارك دمويّة، أسفرت عن عشرات القتلى وخراب شطر هائل من العمران داخليًّا وعلى تخوم المخيم الممتد على مسافة كيلومترٍ واحد، غير مؤهل للعودة اليه. يُجمع عددٌ من النازحين والجمعيات الإنسانيّة المراقبة على أن استئناف الحياة الطبيعيّة من دون أي حسم سياسيّ – أمنيّ عام، وترميم ما تدمر من المنازل التّي تحول بعضها لمتاريس، ومدارس الأونروا التّي اُحتلت واستعلمت كثكنات عسكريّة أمر غير ممكن…
الوضع الصحيّ العام
فيما يبقى الآلاف، والتّي تحدثت تقارير إنسانيّة وصحافيّة عن تجاوز عددهم الـ 11 ألف كحصيلة معركتي الاقتتال الأولى والثانيّة (ناهيك بنزوح الآلاف لأحياء أخرى في المخيم)، من الجنسيات الفلسطينيّة والسّوريّة واللّبنانيّة مجهولة المصير، ونمط الحياة المُقبل، داخل دور الإيواء المؤقتة في صيدا ومحيطها، وخصوصًا في المناطق التّي اشتدّت فيها الاشتباكات كالطيرة والطوارئ والتّعمير والبستان والرأس الأحمر وجبل الحليب.. فيما لحقت الشقق والبيوت في هذه المناطق أضرار جسيمة، وغالبًا ما ينزع أصحابها للإحجام عن الرجوع إليها في حال لم يتمّ ترميمها.
وفي إطار متابعتها الاجتماعيّة لما آلت إليه أوضاع النازحين من مخيم “عين الحلوة”، تواصلت “المدن” مع عددٍ من المنظمات العاملة في المخيم وفي دور الإيواء المؤقتة في المساجد القريبة من المُخيم والمدارس التّابعة للأونروا في مدينة صيدا ومحيطها كبلدة سبلين. وعلمت “المدن” من الفرق الميدانيّة عن انتشار بعض الأمراض في صفوف النازحين وتحديدًا الأطفال، فضلًا عن استفحال الوضع الصحيّ عند الفئات العمريّة المتقدمة، نتيجة النقص في الموارد والمساعدات الإنسانيّة في بعض مراكز الإيواء (الفرش، حليب وحفاضات الأطفال، اللوازم الصحيّة للنّساء)، وانتشار بعض الأوبئة الناجمة عن الاكتظاظ في دور الإيواء، المصحوبة بخطر يُهدد الأمن الغذائي والصحيّ للنازحين على المدى القريب والبعيد، إذا ما توقف دعم بعض الهيئات والجمعيّات المدنيّة للاجئين في هذه المراكز (التّي لا ترعى بعضها الأونروا).
أطباء بلا حدود
وقد تواصلت “المدن” مع منظمة أطباء بلا حدود “MSF”، للاستفسار منهم عن الوضع الصحيّ العام للنازحين وتحديدًا في دور الإيواء. وتُشير المنسقة الطبيّة لأطباء بلا حدود في لبنان، الدكتور كالين رحمة إلى أن “الوضع الأمنيّ في عين الحلوة والنزوح اللاحق كان له تأثيراته على الاحتياجات الصحيّة والإنسانيّة لسكّان المخيم في صيدا، الأمر الذي يتطلب دعمًا مخصصًا من مختلف الجهات الفاعلة المحليّة والدوليّة. ولمعالجة هذه الاحتياجات المتصاعدة، تحركت فرقنا بسرعة إلى العمل من خلال نشر عيادة متنقلة تعمل في أكثر من ثمانية مواقع مختلفة داخل صيدا وسبلين. تركز هذه العيادة المتنقلة في المقام الأول على تقديم الاستشارات الطبيّة الأساسيّة ودعم استمرارية الرعاية للأمراض المزمنة، وتقديم خدمات التوعية الصحيّة، وتقديم الإسعافات الأوليّة النفسيّة والاجتماعيّة”.
تضيف “يحتاج بعض المرضى أيضًا إلى الدعم للوصول إلى الرعاية الصحيّة الثانويّة أو الاحتياجات الأساسيّة. ومع ذلك، فإن تحديات الرعاية الصحيّة التّي يواجهها سكّان المخيم تمتد إلى ما هو أبعد من هذه الخدمات حيث إن هناك احتياجات كبيرة تؤثر على صحتهم من حيث الغذاء والمياه والصرف الصحيّ، والنظافة والمأوى والحماية”.
أولوية الإيواء
وتوضّح رحمة أنه “من المهم الاعتراف بأن الظروف المعيشيّة أثناء النزوح يمكن أن تُساهم في زيادة خطر تطور أو تدهور الأمراض المختلفة، سواء كانت معدية أو مزمنة. وللتخفيف من هذه المخاطر، من الضروريّ معالجة الاحتياجات الصحيّة وغير الصحيّة الأساسيّة من خلال إعطاء الأولوية لإنشاء مواقع إيواء ملائمة، بالإضافة إلى توفير المياه النظيفة والآمنة ومستلزمات النظافة والغذاء وغيرها من المواد الأساسية”.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، قامت “أطباء بلا حدود” منذ 9 أيلول الجاري حتّى حينه، بتوفير 16,000 لتر من المياه و277 مجموعة من أدوات النظافة. وتُفيد المنسقة أنهم أجروا 21 جلسة للتوعية الصحيّة، وتضيف “في حين أن المنظمات والوكالات غير الحكوميّة المحليّة والدوليّة تقوم بالفعل بعمل استثنائيّ، فإننا نحث جميع الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة المعنيين على تكثيف جهود الاستجابة والحفاظ عليها. ومن المهم أن نعمل بشكل جماعيّ من أجل تأمين ظروف معيشية آمنة لأولئك الذين لجأوا خارج المخيم ومواصلة دعم الاحتياجات الحاليّة والمستقبليّة. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا معالجة التّحديات الصحيّة المحتملة التي قد تنشأ بشكل استباقيّ وضمان صحّة الأسر النازحة”.
متطوعو دور الإيواء
يؤكد عدد من المتطوعين في دور الإيواء المُحاذيّة للمخيم الذين التقتهم “المدن” إلى أن الوضع الصحيّ في تدهورٍ مزمن ومستمر. هناك شطر هائل من الحالات المُصابة جراء الاشتباكات لم تتلق المساعدة الكافيّة والمرجوّة. ويشير آخرون أن الهلال الأحمر الفلسطينيّ هو من يُجري للآن الإسعافات الأوليّة والمساهمات الطبيّة الأساسيّة في هذه المراكز، وتبقى علاجات المتضررين والمصابين، أوليّة وغير متقدمة وتقتصر على العلاج الفوريّ لا الاستباقيّ، من دون تدخلٍ من الأونروا. وقد عبّر هؤلاء عن قلقهم من هذا الوضع وخصوصًا الذي تسبب في حالة من الهلع والذعر لدى النازحين وتحديدًا النسوة اللواتيّ أنجبن حديثًا و/أو الحوامل، اللواتيّ يخشين تأزم أوضاعهن الصحيّة ناهيك بأوضاع أطفالهن.
بتول يزبك- المدن