اميركا وإيران تطيحان بــ “الرئاسة اللبنانية”: “حزب الله” مع فرنجية ضد “الخماسية”؟
التوتر الإيراني – الأميركي يطيح “الرئاسة اللبنانية”… “حزب الله” يتمسّك بفرنجية ضد “الخماسية”؟
بات محسوماً أن لا جلسة انتخابات رئاسية وحتى لا جلسات حوار حول الاستحقاق اللبناني في المدى القريب، وذلك بعد فشل اجتماع ممثلي الدول الخمس حول لبنان في نيويورك، وارتفاع منسوب التوتر الداخلي اللبناني واستعصاءاته. يعني ذلك أن لا آفاق مفتوحة للتسوية، إذ إن الحل اللبناني لم ينضج في ضوء الخلاف حول مبادرة باريس وتعثر مهمة مبعوثها الرئاسي إلى بيروت، ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت زيارة جان إيف لودريان المقبلة ستكون الأخيرة أو أنها ستلغى على وقع التطورات الإقليمية والدولية أو حتى بسبب تناقضاتها التي لم تتخل نهائياً فيها عن المقايضة بإيصال مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية إلى الرئاسة، وأيضاً في دعمها لحوار غير جامع يناسب أطرافاً رئيسية ممانعة تسعى إلى فرض مرشحها عبره أو أقله التمسك به في انتظار تغيرات إقليمية تؤدي إلى التوافق حول اسمه.
تراجعت المراهنة على إمكان توصل الأفرقاء اللبنانيين إلى تسوية في ما بينهم، إذ إن الاستعصاءات الداخلية وامتداداتها الإقليمية والمشاريع المتناقضة أدت إلى تمترس الجميع في بيئاتهم الطائفية، انتظاراً لتطورات تعيد ترتيب موازين القوى، وإن كانت بعض الأطراف تتمسك بمكتسباتها التي تحققت بفائض القوة وترهن البلد للمشاريع الإقليمية وحساباتها في المنطقة. فالحركة الخارجية هي التي تؤثر اليوم أكثر في الواقع اللبناني الداخلي الذي تتحرك أطرافه على ساعته نحو التسوية أو المواجهة.
فشل اللقاء الخماسي في نيويورك سيكون له تأثيرات داخلية لبنانية كبرى، حتى لو جاء لودريان وأعاد طرح ملف الحوار، أو تقدم الموفد القطري. لن يكون ممكناً إحداث خرق حقيقي نحو الحل، ما لم تستو الأمور على أكثر من خط إقليمي لا يزال متوتراً أو يحمل عناصر التوتر والانفجار معه. وبينما راهن البعض على إمكان التقدم في العلاقات السعودية – الإيرانية حول لبنان بعد الانفراجات في الملف اليمني، إلا أن الوقائع تؤكد أن لا تلاقيَ بين الرياض وطهران في ما يتعلق بلبنان، وأن هذا الملف يحمل الكثير من التعقيدات والخلافات، وإن لم تظهر في صياغة الاتفاق، لا سيما أن لبنان بالنسبة إلى إيران يشكل خط مواجهة رئيسياً عبر “حزب الله”، ولا تقدم بالتالي تنازلات عن هذا الموقع، فيما لا يشكل بالنسبة إلى السعودية أولوية مطلقة، على الرغم من المواقف التي أعلنتها حول مواصفات الرئيس وما تضمنه بيان اللقاء الخماسي قبل الأخير في الدوحة.
الثابت حتى الآن أن الداخل اللبناني عاجز عن صوغ تسوية، فيما لا اتفاق خارجياً على حل للمعضلة اللبنانية. يتبين أيضاً أن لا تفاوض بين إيران والسعودية حول لبنان، وكذلك لا تفاهمات إيرانية – أميركية حول هذا البلد ولا حتى في ملفات أخرى، إذا كان الملف النووي لا يزال معلقاً. وعلى هذا لا تشير الحركة القطرية التي توصلت إلى تسوية للإفراج عن السجناء الأميركيين في طهران مقابل تحويل الستة مليارات دولار إلى الدوحة، إلى أنها يمكن أن تنسحب على لبنان. وقد كان واضحاً أن فشل لقاء نيويورك الخماسي حول لبنان وظهور خلافات أو اختلافات في وجهات النظر، لا سيما بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، تعكس إلى حد بعيد استمرار التوتر الإقليمي والدولي حول ملفات أساسية، بينها سوريا ولبنان.
بعد فشل اجتماع نيويورك وقبله جولة لودريان اللبنانية، بدأت تُطرح تساؤلات عن إمكان استمرار مهمة الأخير التي حملت تناقضات في المواقف بين مقاربة فرنسية لا تستطيع وحدها التأثير في الواقع اللبناني ولا المنطقة، ووجهة عربية ودولية تبدو مخالفة لخيارات باريس أو أقله لا تتقاطع معها لبنانياً. يتبين أن موقف لودريان بات ضعيفاً، إذ إن الدول الأربع الأخرى في اللقاء الخماسي تضع شروطاً وقواعد مختلفة للاستحقاق الرئاسي، وهي عادت إلى بيانها الصادر إثر انتهاء اجتماعها في الدوحة في 17 تموز (يوليو) الماضي حين دعت إلى انتخاب رئيس يضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، وتأكيدها أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات والقرارات الدولية، بما فيها تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، إضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني. وهذا البيان أثار حينها رد فعل من “الثنائي الشيعي” رافضاً ما اعتبره الوصاية على لبنان.
الواقع يشير إلى أن عودة لودريان إلى بيروت غير محسومة ما لم يحمل عناوين جديدة لحل الأزمة تتجاوز ما طرحه من خيارات تصب في مصلحة “الثنائي الشيعي”، خصوصاً “حزب الله”، أو أقله تتلاقى معه. وعلى الرغم مما أشيع وقتها عن توافق فرنسي – سعودي على وجهة لودريان، إلا أن الرياض لا تزال على موقفها الذي عبر عنه بيان “الخماسية” وعلى مواصفاتها في شأن الرئاسة. وقد ظهر ذلك في اللقاء الخماسي في نيويورك، إذ لا إيجابيات حتى الآن في الحراك الإقليمي تجاه لبنان، ولا تغيير في الموقف الإيراني بعد الزيارة الأخيرة لحسين أمير عبد اللهيان للرياض ثم لبيروت، باستثناء طلبه من “حزب الله” التهدئة في تصعيد المواقف من السعودية، من دون أن ينسحب الأمر على دول خليجية أخرى.
كما أن الرهان على أن تحدث الدوحة اختراقاً في الملف اللبناني انطلاقاً من الحديث عن موفد قطري سيزور بيروت، ليس واقعياً، ولا وجهة لدى المسؤولين القطريين للدعوة إلى حوار في الدوحة كما حدث في أيار (مايو) 2008، حين نزل “حزب الله” بسلاحه إلى الشوارع، فالظروف مختلفة، وأي حوار إن كان في بيروت أو الدوحة لا يؤدي إلى نتيجة قبل التوافق الإقليمي والدولي على إنضاج حل للأزمة اللبنانية. فعلاقة الدوحة الجيدة بإيران، لا تنعكس بالضرورة على الملف اللبناني، كما حدث في ملفات أخرى، إذ إن وضع لبنان بالنسبة إلى إيران مختلف ولا مجال لتقديم تنازلات في الشأن الرئاسي تؤدي إلى انتزاع مكاسب من “حزب الله”.
الوقائع تؤكد أن لا أجواء لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني في وقت قريب، ولا مؤشرات تدل إلى أن الأطراف المتنازعة في لبنان قد تراجعت عن شروطها، ولا وجود لاتفاق على البحث عن مرشح ثالث، ولا سقوط اسم مرشح الممانعة سليمان فرنجية. ويعني ذلك أن لا جلسة جديدة لانتخاب الرئيس في ضوء استمرار “حزب الله” بحصر الحوار ضمن شروطه لانتخاب فرنجية، وسعيه في الوقت نفسه إلى حشد التأييد له كسباً للوقت في رهانه على تغييرات إقليمية وانتظاراً لانتهاء ولاية قائد الجيش جوزف عون، بحيث لا يعود مرشحاً يستند إلى قوة موقعه وتأييده الدولي.
وتشير المعلومات إلى أن “حزب الله” لا يزال متمسكاً بفرنجية انطلاقاً من أنه المرشح الذي يحفظ مكتسبات محور المقاومة، وهو يقاتل لعدم خسارته الموقع الرئاسي الأول، فبالنسبة إليه وصول قائد الجيش يعني فقدان ركيزة أساسية لتغطيته داخلياً وإقليمياً، وينزع في المقابل تحكمه بالقرار اللبناني وسياسة الدولة الخارجية، خصوصاً أنه للمرة الأولى يعلن فيها اسم مرشحه وهو ما لم يحصل مع ميشال عون في 2016 رغم تأييده له. ويعتبر “حزب الله” قائد الجيش طرفاً وليس مرشحاً حيادياً يطلق عليه الاسم الثالث. وقد كان واضحاً موقف “حزب الله” أخيراً حين اعتبر أحد نوابه أن من “يتحمل تأخير الانتخاب هو من يرفض الحوار والتفاهم، ويصرّ على تحقيق أجندة ليست في مصلحة لبنان، بل هي في مصلحة المطالب الأميركية من لبنان”.
لا مؤشرات على أن مهمة لودريان ستتغير بدعم سعودي وأميركي في التفاصيل المتعلقة بالاستحقاق اللبناني، وهو ما يمكن على أساسه تحديد وجهة واضحة تشكل قاعدة للبحث مع المحور الآخر، أي الإيرانيين، إذا كان ثمة مجال لإنهاء التوترات والتوصل إلى صفقة لبنانية منفصلة عن مواجهات المنطقة التي تشهد تصعيداً في سوريا يندرج ضمنه ملف النازحين وتنعكس على البلد. وعلى هذا الوقع سيبقى لبنان ساحة توتر وصراع وفوضى إلى أجل غير منظور…
ابراهيم حيدر- النهار العربي