فرنسا محكومة بالفشل اذا راهنت حصرًا على استرضاء إيران عبر وكيلها اللبناني
اجتماع “الخماسيّة” الخاصّ بلبنان لم يفشل!
لم يكن ممكنًا أن يقرر اجتماع “الخماسيّة” الذي انعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أيّ توجه جديد يختص بالشأن اللبناني، طالما أنّه كان مقدّرًا له أن ينعقد على مستوى كبار الموظفين الذين يستحيل أن يصدروا بيانًا لا يلتزم سقف “بيان الدوحة” الصادر عن اجتماع كان قد انعقد على مستوى وزراء الخارجيّة، في تموز/ يوليو الأخير، إذ إنّ المرؤوسين يستحيل أن يعدّلوا قرار رؤسائهم.
وقد اتضح هذا التوجه، يوم أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أنّ جدول أعمالها في نيويورك لا يلحظ أيّ اجتماع لمجموعة الدول الخمس.
ولم يكن ممكنًا أن تسعى الدبلوماسيّة الفرنسيّة إلى طلب عقد اجتماع لـ”الخماسيّة”، على مستوى وزراء الخارجية، لأنّ جان إيف لودريان، الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي إلى لبنان، يدرك أنّ أعضاء “الخماسيّة” ليسوا في وارد إدخال تعديلات على سقف “بيان الدوحة” الذي يستهدف في روحه “حزب الله” وسلاحه ولا يتعاطف نهائيًا مع رهن الانتخابات الرئاسيّة بشرط الحوار المسبق، مكرّسًا عرفًا جديدًا على حساب الدستور واتفاق الطائف، خصوصًا أنّه، بالصيغة التي يقترحها رئيس مجلس النواب نبيه بري، أصبح شكلًا من أشكال الفرض، فهو لن يفتح مجلس النواب لانتخاب رئيس إلّا إذا انعقد الحوار، ولو فشل!
ولم يكن مصدر الكلام عن إمكان صدور بيان عن اجتماع “الخماسيّة” في نيويورك فرنسيًّا أو سعوديًّا أو مصريًّا أو قطريًّا، بل كان لبنانيًّا، وتحديدًا “ممانعًا”، إذ افترض الرئيس نبيه برّي أنّ هناك اندفاعًا فرنسيًّا لتأييد “حواره”، وتاليًا لا بدّ من أن يصدر بيان عن”الخماسيّة” يدعم هذا التوجه، بشكل يزيل الاعتراضات السابقة، من جهة، ويشكل ضغطًا على القوى اللبنانية الرافضة، من جهة أخرى.
لكنّ جان إيف لودريان، حين غادر لبنان، لم يتحدّث عن عودة قريبة له لدعم “حوار برّي”، بل من أجل أن يعقد نقاشات ثنائيّة أو ثلاثيّة مع القوى الناخبة.
وهذا يعني أنّ لودريان، بغض النظر عن تقييمه لما يجب أن تكون عليه الأمور، لم يغادر لبنان وهو مؤيّد لـ”حوار برّي”.
وقد كان استياء “الثنائي الشيعي” من لودريان واضحًا، إذ إنّه في مقابل رفض تأييد”حوار برّي”، سارع إلى ضرب فكرة “المرشّح الثالث”، من خلال تجديد تمسكه بترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة.
وبناءً عليه، لم يكن ثمة داع إلى اجتماع جديد لمجموعة الدول الخمس على مستوى وزراء الخارجية، لأنّ الطرف الفرنسي ليس لديه أيّ طلب لإدخال تعديلات على “بيان الدوحة”، فكان الاجتماع على مستوى كبار الموظفين، من أجل الاطلاع على نتائج زيارة لودريان الثالثة للبنان وتقديم تقييم بخصوصها إلى رؤسائهم.
وتدرك فرنسا أنّها لا تستطيع أن تلعب وحيدة على الساحة اللبنانية، فصدقيّتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بدعم الدول الأربع الأخرى لها، لأنّ الأطراف المعارضة لـ”حزب الله” لا يمكنها أن تركن إلى الضمانات الفرنسيّة مهما كانت صادقة، فهي، في الأيّام القليلة الماضية، أحبطت آمال أرمينيا في “ناغورني كاراباخ” التي استسلم أرمنها الذين تضمنهم باريس لأذربيجان، بعدما تركهم جميع الضامنين وحيدين، فيما لا يزال الرئيس النيجيري المخلوع محمد بازوم وعائلته قيد الإقامة الجبريّة، وهو الذي كان رهانه كبيرًا على “بلاد الغول”.
ويدرك الجميع، تتقدمهم باريس، أنّ نجاح مقاصدها في لبنان مرتبط بدولتين أساسيّتين: المملكة العربية السعودية التي لن تدعم لبنان، إذا لم يصبح دولة تستحق صفتها من خلال استعادة وظائفها، وهي الأدرى بقياس العلاقة مع إيران في لبنان، والولايات المتحدة الأميركية التي تخاطب “حزب الله” بلغة العقوبات، وقد تلقت رسالة نارية في الأيام القليلة الماضية، عبر إطلاق رشق رصاص على مبنى سفارتها في لبنان.
ويدرك الجميع أنّ مهمة لودريان، وإن كانت تؤشر إلى العناد الفرنسي في البقاء في الواجهة اللبنانية لإبقاء لبنان في الوجدان الدولي، إلّا أنّها محكومة بالفشل إذا لم تأخذ بالاعتبار التوجهات الأميركية والسعودية، وراهنت حصرًا على استرضاء إيران عبر وكيلها اللبناني.
فارس خشان- النهار العربي