تفاصيل مروّعة : لعبة تحوّلت إلى “فاجعة”!
لم يكن خبر مقتل شاب على يد آخر على خلفية لعبة كرة قدم في مدينة طرابلس، سهلاً أو بسيطاً على أهالي المدينة الذين نزل عليهم هذا الخبر نزول الصاعقة، وسط الكثير من الأخبار والمعلومات التي تُحيط بهم يومياً وتُشير إلى تدهور الوضع الأمني والاجتماعي شمالاً، إذْ يُسجّل في بعض أحياء هذه المدينة أكثر من تجاوز أمني واحد في ساعات قليلة، الأمر الذي يلفت إلى تعدّ واضح يُقابله “تراخٍ” ملحوظ للقبضة الأمنية التي تتمكّن بقدراتها من فرض القصاص على المتجاوزين الذين باتوا يقلقون الطرابلسيين.
تفاصيل الجريمة
الإشكال الذي وقع في منطقة القبّة (وتحديداً أمام مكتب السرو والجمل للاشتراكات)، بين مرتكب الجريمة أ. ب. (14 عاماً) وخصمه س. ش. (16 عاماً)، بدأ بخلاف تحوّل إلى تضارب، ما دفع الأوّل إلى قتل الأخير بطريقة مروّعة، لذلك فإنّ هذه الجريمة تفتح بالتأكيد ملف الفلتان الأمني الذي تُعاني منه المدينة بلا توقّف.
ويروي مصدر من المنطقة لـ “لبنان الكبير” تفاصيل هذه الحادثة، قائلاً: “إنّ الجدال شبابي ووقع بين مجموعة من الأطفال على خلفية اللعبة في ملعب الجمل لا أكثر، إذْ اختلف الطرفان في الملعب الذي خرجا منه واشتعل الجدال خارجه أكثر، وهنا قيل (إعلامياً) انّ بركات كان يحمل سكيناً في يده، ولكن في الحقيقة كان يحمل حربة كبيرة أخرجها وغرزها في قلب الشامي فمزّقته تمزيقاً، وقيل انّ القاتل حين أراد سحبها من قلبه، لم يستطع إلّا بعدما قام بتدويرها وتقليبها، فلم يتمكن الضحية من السير إلّا حوالي 10 أمتار وتوفى على الفور من شدّة الطعنة، ولم يقترب منه أحد خوفاً من المساءلة القانونية”.
ومع أنّ هذه الجريمة وقعت في حضور حوالي 13 طفلاً هربوا بعد صدمتهم بحصول هذه الكارثة، يُشير المصدر الى أن “بركات الذي يعيش في ابن سينا – القبّة أخذ الحربة ثمّ هرب إلى منزل جدّه في منطقة ضهر المغر التي لا تبعد سوى دقيقتين عن منزل الشامي الذي يعيش عند نزلة الزحول – الشعراني في القبّة”.
ويؤكد المصدر وصول الجيش والمخابرات إلى مسرح الجريمة بعد ساعة على وقوعها، “ودخلوا في 6 رانجات للجيش مع دورية للمخابرات واستقرّوا عند الراهبات، أيّ في منتصف الطريق بين منزلي الشامي وبركات خوفاً من ردّ فعل آل الشامي بعد هذه الجريمة التي يُمكن أن تُؤدّي إلى وقوع جرائم ثأر فيما بعد، لكنّهم غادروا حوالي الساعة التاسعة والنصف مساءً أيّ بعد حوالي ساعتين على وصولهم إلى المنطقة، كما سجّل أنّ أقارب آل الشامي من منطقة باب الرمل دخلوا إلى المنطقة ليلاً بدراجات نارية للبحث عن القاتل الذي توارى عن الأنظار بعد هروبه”.
ولا يُخفي المصدر أنّ عائلة الشاب مرتكب الجريمة، مسجّلة على لائحة الارهاب في وقتٍ سابق، موضحاً أن “والده حكم قرابة 5 أعوام بتهمة الإرهاب وعلى ما نعتقد أنّه يُخفي نجله في هذه اللحظات بدلاً من قيامه بالكشف عن مكانه وتسليمه إلى الجهات المعنية كي لا يُخيف أبناء منطقته أولًا ولا يتحمل هذا الوزر الثقيل ثانياً. وعمّه إبراهيم بركات الذي كان الأمير الشرعي لمجموعة تابعة لداعش شاركت في أحداث في طرابلس وقيل أيضاً انّه المفتي الشرعي لداعش شمالاً، تمّ توقيفه عام 2015 من خلال شعبة المعلومات في الأمن العام حينما كان يُحاول الفرار خارج لبنان عن طريق مرفأ طرابلس، وعلى ما يبدو أنّ الطفل بات ضحية عائلته لأنّه يسير على النهج نفسه شكلاً ومضموناً، وبالتالي يُمكن القول إنّ فلتان الوضع الأمني حالياً في القبة عقب وقوع هذه الجريمة يُخيف الكثير من الأهالي”.
إلى ذلك، يُؤكّد مصدر أمني لـ “لبنان الكبير” أنّ الاتصالات مستمرّة للتواصل مع ذوي الشاب لتسليمه إلى القوى الأمنية، مشدداً على أن “القوى الأمنية والعسكرية بمختلف فئاتها تحاول دعم الأهالي وحماية المنطقة”.
وعن الوضع الأمني المخيف في المدينة، يعتبر المصدر أنّ الأمن لا يزال مستتباً في طرابلس على الرّغم من التجاوزات التي تحصل، “فهي لا تُهدّد الحياة في المدينة ونحن نقف بالمرصاد لكلّ عصابة أو شخصية تسعى إلى زعزعة الأمن، والحواجز التفتيشية التي تحصل يومياً ليست سوى دليل قاطع على تدخل القوى الأمنية ووقوفها إلى جانب المدينة، لذلك، فإنّ الوضع الأمني لا يستدعي رفع مستوى القلق الذي تبثه المواقع الاعلامية والشعبية”.
ويتوّقع مصدر قانونيّ “ارتفاع عدد الحوادث والاشكالات اليومية التي تحصل في طرابلس، لسبيين رئيسين: الأوّل تراجع قدرة الأمنيين على ملاحقة ومتابعة كلّ المتجاوزين الذين يحملون أسلحة رخيصة وغير مرخصة في ظلّ عدم خوفهم من العقاب الذي لا يتمكّن الأمنيون من فرضه بصورة كاملة مع اكتظاظ السجون وتقاذف المسؤوليات بين المديريات الأمنية في البلاد من جهة، كما بسبب تراجع أجور العناصر الأمنية في لبنان من جهة ثانية. أمّا السبب الثاني فيكمن في تدخل وجهاء ومشايخ الصلح في الكثير من القضايا لا في طرابلس فحسب، بل في مختلف المناطق اللبنانية”.
وفي تفاصيل “مشايخ الصلح”، يُشدّد المصدر على أنّ التراخي “الأمني” لا يُعدّ السبب الوحيد في الاهمال الذي يُغيّب صورة السلطة أمام النّاس ويُعزّز الفوضى والشغب، بل إنّ “التراخي” القضائي مع تدخل وجهاء في كلّ قضية وملف محلّي، يُؤدّي إلى رفع مستوى الجريمة مع تراجع حجم القصاص. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “بعد موت أي شخص أو قتله، يتدخل مباشرة مشايخ الصلح أو وجهاء المنطقة كالمختارين وغيرهم، بين العائلتين لإجراء مصالحة، فتدفع ديّة الميّت بعد شهرين مثلاً، وبعد جمعها يأخذون إسقاط حقّ من المدّعي الشخصي أيّ أهل الضحية، ويتوجهون به إلى القضاء الذي يتساهل في العقاب في هذه الحالة ما دفع البعض إلى استسهال الجريمة فيُخلى سبيل المجرم بعد أشهر أو سنة تقريباً، ما يُتيح لأيّ شخص القتل العمد مثلاً اذ يُخيّل إليه أنّه مهما بلغت شدّة جريمته، سيتمكّن بهذه الطريقة من الحصول على إخلاء سبيل سريعاً وفي فترة وجيزة فيفلت من العقاب الذي يستحقّه”.
اسراء ديب- لبنان الكبير