ما حقيقة إنتشار مرض الخرف في لبنان؟
هل خذل العالم المصابين بالخرف؟ قد تكون خلاصة ما قاله المدير العام لمنظمة الصحة العالمية نتيجة واقعية لما يعيشه مريض الخرف في العالم والمنطقة، إذ يعترف في تصريح سابق أن “العالم يخذل المصابين بالخرف، وهذا يؤلمنا جميعاً. فقبل أربع سنوات، اتفقت الحكومات على مجموعة واضحة من الغايات لتحسين رعاية المصابين بالخرف، بيد أن الغايات وحدها لا تكفي”.
يحرم الخرف ملايين الأشخاص من ذكرياتهم واستقلالهم وكرامتهم، إذ تصبح الذكريات مجرد أشلاء متناثرة يصعب تركيبها من جديد كصورة واضحة. قد يعتبر الكثيرون أن هذا المرض ليس أولوية كباقي الأمراض، إلا أن وقعه يوازي بصعوبته ووجعه باقي الأمراض، خصوصاً عندما تنظر إلى وجوه من تحب ولا يعرفونك.
وفق منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 55 مليون شخص في العالم مصابون بالخرف. وتعود النسبة الأكبر للنساء (8.1 في المئة مقارنة بـ5.4 في المئة للرجال). ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 78 مليوناً بحلول عام 2030 وإلى 139 مليوناً بحلول عام 2050.
أما في لبنان، وبحسب دراسة – كانت الأولى من نوعها حول انتشار مرض الخرف والحصول على الرعاية الصحية – أجريت في العام 2017 في منطقتيّ بيروت وجبل لبنان، بلغت نسبة انتشار الخرف 7.4 في المئة. علماً أن نسبة انتشار الخرف في منقطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتراوح بين 5 إلى 8 في المئة، وبالتالي يعتبر لبنان قريباً من المعدلات المرتفعة في العالم.
أسباب عديدة مسؤولة عن زيادة حالات الخرف، أهمها زيادة معدلات الشيخوخة وإطالة أمد الحياة، الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، السكري، التدخين، قلة النشاط البدني، غياب الحياة الاجتماعية، العوامل الوراثية وغيرها…
في اليوم العالمي للألزهايمر، طرح السؤال الأهم وهو: ما واقع مرض الخرف في ظل الأزمات والضغوط النفسية وتراجع القدرة على الرعاية الصحية؟
تشرح أستاذة علم الوبائيات في كلية العلوم الصحيّة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة مونيك شعيا لـ”النهار” تفاصيل دراستين جديدتين قيد المباشرة بهما لمعرفة العوامل المؤثرة، للوقاية منها أو التخفيف من آثار حدوث المرض أو السيطرة عليه.
نبدأ بالدراسة الأولى التي تجريها كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان “صحة كبارنا”. وتتناول كل القضايا الصحية المتعلقة بكبار السن (فوق 60 عاماً) وستشمل نحو 3000 شخص مقيمين في منطقتيّ بيروت وزحلة.
ستجمع الدراسة وفق شعيا معلومات متعلقة بالصحة الذهنية والعقلية والبدنية. وإستناداً إلى الأجوبة بمكننا معرفة ما إذا كان الشخص يعاني من مرض الخرف. لا يمكن تسليط الضوء على المرض من دون أن نبحث عن أسبابه، وأولها العيش أكثر وإطالة العمر التي تحتم حكماً ظهور تحديات صحية أكبر ومن بينها مرض الألزهايمر الذي يصيب نحو 60 في المئة من الحالات.
ولكن ماذا نقصد بالخرف؟
توضح شعيا أن الخرف هو مجموعة من الأعراض التي تصيب قدرات الذاكرة والتفكير والقدرات الاجتماعية، وبالتالي تشير إلى تراجع في الوظائف الست للدماغ والتي تتمثل بالذاكرة، العواطف، السلوكيات، اللغة، وتنفيذ المهام… وتعتبر تراجع أو فقدان الذاكرة من العوارض الأساسية التي ترافق مرض الألزهايمر الذي يعتبر أكثر أنواع الخرف شيوعًا.
وعليه، يتمثّل الهدف من الدراسة الأولى في معرفة مستوى الصحة الذهنية والعقلية لكبار السن وكيفية تلقي الرعاية الصحية، بالإضافة إلى حالتهم الاجتماعية والاقتصادية وتجاربهم في الحياة. وستكون هذه الدراسة طويلة الأمد وستتابع المشاركين في السنوات المقبلة لمقارنتها ومعرفة مدى تأثرها بالتغيّرات.
كذلك ستتابع الدراسة، التي ستكون عشوائية، المشاركين ليس فقط شفهياً وانما جسدياً من خلال متابعة الضغط والسكري وقياس بدني والتوازن في المشي وإجراء فحص دم شامل.
أما الدراسة الثانية فتحمل عنوان “آثار التعليم في الكبر على القدرة الذهنية” وهدفها مقارنة الأشخاص الذين يتلقون تعليمهم أو المتابعة في تحفيز القدرة الذهنية مع الأشخاص غير المتعلمين أو الأشخاص الذين لم تُتَح لهم فرصة التعلّم بعد تقدّمهم في العمر.
وتؤكد شعيا أن ما نحتاج إليه اليوم “معرفة أكثر بالعوامل المسبّبة وكيفية تغيير القدرة الذهنية لكبار السن وإمكانية سحب دم من هؤلاء الأشخاص الذي يعتبر اجراءً مهماً لما يحمله من مؤشرات ودلائل تساعد على تشخيص المرض. ونأمل أن تساعد الدراستان على فهم واقع الخرف في لبنان وبالتالي التوعية حول كيفية التعاطي معه والمساهمة بهذه الخبرات مع الخارج”.
وتشير إلى أن الناس “لا يعرفون كثيراً عن مرض الألزهايمر ولديهم مفاهيم خاطئة حوله، لذلك نحن بحاجة إلى زيادة التثقيف والوعي والتمييز بين التراجع الذهني الطبيعي نتيجة التقدم بالعمر وبين مرض الألزهايمر وتأثيره على الحياة اليومية. وقد أثبتت الدراسات أن التشخيص المبكر للمرض يساعد في السيطرة عليه وعدم تدهور حالة المريض بشكل سريع.
من المهم أن نعرف أن تراجع الذاكرة لا يعني حكماً أن الشخص مصاب بالألزهايمر، بل يجب التأكد أيضاً من وجود تغيّر في وظيفة أخرى عقلية وكلاهما يؤثران على حياته اليومية. لذلك إذا تمكن مقدم الرعاية أو الشخص بنفسه من الوقاية من العوامل المؤثرة أو المسؤولة (15 عاملاً) يقلّل بذلك من خطر الإصابة بمرض الخرف، والأهم المحافظة على التواصل الاجتماعي لكبار السن لتفادي الإصابة بالخرف أو تدهور حالتهم بشكل سريع.