لبنانيات يرفعن الأثقال بـ”كل أنوثة”

ظلت رياضات كمال الأجسام ورفع الأثقال بعيدة من النساء في لبنان والدول العربية، إذ ينظر إليها أكثر كرياضات رجالية، لكن أخيراً تغير الأمر وبدأت فتيات دخول مضمار تلك الرياضات وتحدي نظرة المجتمع السلبية، ومعه زاد الشغف حتى وصلن إلى المشاركة أحياناً في مباريات عالمية، فهل تحسنت النظرة إلى المرأة التي تحقق نجاحات في مثل تلك الرياضات التي كانت يوماً حكراً على الرجال، وهل استطاعت هؤلاء اللاعبات مواجهة الانتقادات السلبية التي تعتبر ما يفعلن انتقاصاً من أنوثتهن؟

تحدي الذات والمجتمع

لطالما اعتبرت رياضات رفع الأثقال وكمال الأجسام رجالية بامتياز، لأن البنية الجسدية للمرأة قد لا تسمح لها بحمل الأوزان الثقيلة، ولأن إمكاناتها العضلية أقل من تلك التي يتمتع بها الرجل، فضلاً عن أن المبالغة في بناء العضلات من مظاهر الرجولة وليس الأنوثة. لكن لبطلة لبنان والعالم في رفع الأثقال جويا خيرالله تجربة تثبت أن بناء العضلات لا يتعارض مع الأنوثة، واستطاعت كسر الصورة النمطية بعد احترافها ووصولها إلى العالمية.

كانت التحديات التي واجهتها جويا والتشكيك المستمر بإمكاناتها في تحقيق النجاحات، من العوامل التي حفزتها لتتحدى ذاتها والمجتمع وتثبت أن المرأة قادرة على بلوغ أعلى المستويات، فمن خلال كل إنجاز حققته ردت على المشككين.

في حديثها مع “اندبندنت عربية” أشارت جويا إلى أن مشوارها بدأ وهي في عمر 17 سنة، حينما انتسبت إلى ناد رياضي من دون التركيز على بناء العضلات كما فعلت صديقاتها، لأن هذا النوع من الرياضة لم يجذبها يوماً، لكن تبدلت نظرتها إلى رفع الأوزان عندما اكتشفت أنها ليست مجرد رياضة ومنافسة، بل هي روح جميلة تجمع من يغوصون فيها.

تقول “أثناء تدريبات الفتيات قبل إحدى البطولات لرفع الأثقال، رأيت تشجيعاً مستمراً. بدا واضحاً أنه يستحيل رؤية من يرفع الأثقال من دون التصفيق له وتشجيعه، حتى ولو كان منافساً. عندما اكتشفت تلك الروح الحلوة في هذه الرياضة، جذبتني”.

كانت بدايات جويا بمشاركات في نواد صغيرة، إذ فاجأت الكل بإمكاناتها غير المتوقعة. وعند المشاركة في بطولة لبنان، لم يكن أمامها سوى أسبوع واحد لتتحضر، لكن إصرارها دفعها إلى قبول التحدي وخوض التجربة حتى تمكنت من تحقيق الفوز. وبعد الفوز ببطولة لبنان، وضعت أمامها المشاركة في بطولات دولية كهدف، لترفع اسم لبنان عالياً. تتدرب جويا ستة أيام في الأسبوع لمدة ثلاث ساعات في اليوم، ولا يمنعها شيء عن ذلك مهما كانت الظروف، لأن الرياضة أولوية لها في سعيها وراء تحقيق أحلامها.

شيئاً فشيئاً، أثبتت لكل من شكك بإمكاناتها كفتاة أن أنوثتها ليست عائقاً أبداً، وأنه يمكن لفتاة لديها عضلات أن تكون جميلة ومفعمة بالأنوثة لأنهما عنصران لا يتعارضان أبداً، وليس ضرورياً الاختيار بينهما، لذلك يصدم كثيرون ممن يرون جويا كبطلة رفع أثقال لأنها لم تتخل عن شيء من أنوثتها.

توضح في حديثها أن جسم المرأة التي ترفع الأثقال يبدو ذكورياً عندما تتناول الهرمونات لتكبير العضلات، وإلا فتحافظ على مظهرها الأنثوي بجسم مشدود. أما هي فترفض إدخال مواد مماثلة إلى جسمها. فلو تتطلب منها تحقيق مستويات أعلى فهي مستعدة لذلك بالطرق الطبيعية والتدريبات. بالتالي لا تتناول هرمونات أو منشطات لتكبير عضلاتها، لأن ذلك ممنوع في المباريات، وأيضاً لأنها ترغب في الحفاظ على شكل جسمها الأنثوي من دون مبالغة في بناء العضلات.

تواجه جويا حالياً تعليقات سلبية أقل من السابق، لكنها ترى أن منتقديها هم من الشباب الذين قد يكونون أضعف منها ويشعرون بقوتها الزائدة، لذلك لا تتأثر بكلامهم مهما كان جارحاً، خصوصاً أن هذه الرياضة زودتها بثقة عالية بالنفس بعد أن كانت خجولة. أما اليوم فتمشي مرفوعة الرأس وواثقة من نفسها بعد أن أصبحت رياضة رفع الأوزان بمثابة علاج جسدي ونفسي لها، وهي مصدر قوتها.

مزيد من الأنوثة

يحمل مشوار مايا نصار مزيداً من التحديات كونها أماً لأربعة أطفال، لكنها تحرص على المشاركة سنوياً في مباريات خارج لبنان كهدف تضعه أمامها لتتحدى ذاتها وتمثل لبنان في مسابقات عالمية.

مايا حرصت دوماً على الحفاظ على أنوثتها إلى جانب تمسكها باللياقة البدنية وبناء العضلات للحصول على جسم مشدود وأجمل، كانت بداية مشوارها مع مشكلة السمنة التي عانتها في عمر 24 سنة، وقد تسبب لها نمط حياتها الخاطئ بمشكلات صحية، مما دفعها إلى التغيير. غاصت في مجال رفع الأوزان وبناء العضلات لتخسر الدهون فخسرت 20 كيلوغراماً من وزنها، وسرعان ما اكتشفت عشقها لهذه الرياضة. بدأت بالمشاركة في مسابقة لكمال الأجسام للسيدات Bikini Fitness competition في بريطانيا لتتحدى نفسها وإن كانت لم تفز بها في مشاركتها الأولى. إلا أن ذلك زادها عزماً لتبذل مزيداً من الجهد، بعدها فازت بالمرتبة الأولى في المسابقة تسع مرات، إذ تشارك فيها سنوياً لتكون هدفاً لها في مجال عشقته.

على عكس الفكرة السائدة، كان هدف مايا الحصول على جسم أكثر أنوثة والاستفادة من مزايا هذه الرياضة التي لا يقتصر أثرها في الشكل فحسب، بل في الصحة أيضاً.

لا تنكر أنها واجهت تحديات كامرأة اختارت رياضة هي في ذهنية المجتمع للرجال، والأسوأ كان غياب الدعم في لبنان، في مقابل الدعم التام في أوروبا لمن تختار هذا المجال. “يجب أن يدرك الكل أن من تمارس رياضة رفع الأوزان لا تخسر شيئاً من أنوثتها، بل يمكن أن تحافظ على شكل أنثوي بامتياز عندما تكتفي بالتمرينات من دون اللجوء إلى المنشطات والهرمونات. فتحصل على جسم مشدود وعضلات بشكل لا ينتقص من أنوثتها”.

أما كريستين شينزيان، فلم تكتشف عشقها لهذه الرياضة في سن مبكرة، لكن بعد زيادة وزنها ولجوئها إلى مدرب خاص، أدركت أهمية رفع الأوزان حتى تتخلص من الكيلوغرامات الزائدة والدهون. تقول “صرت أبدو أصغر سناً وأصبح جسمي أكثر صلابة. كما علمت أن العضلات التي أبنيها قد تحميني من الكسور وتحمي مفاصلي لاحقاً. عملت على تكبير عضلاتي، لا بهدف خوض مباريات بل للاستفادة على صعيد شخصي، فأتمرن بمعدل ستة أيام في الأسبوع لمدة ساعتين في اليوم. وصلت الآن إلى مرحلة يمكن أن أحمل فيها 155 كيلو غراماً بطريقة الـsquats (القرفصاء)”.

تدعو كريستين إلى أن يصبح بناء العضلات أساسياً في نمط حياة الجميع، لكنها لا تنكر أنه مع رؤية التغييرات في الجسم قد يتحول ذلك إلى هاجس يسيطر على الحياة، وهنا تكون الخطورة. فمن يسعى إلى تكبير عضلاته يدقق في التفاصيل ويرغب دائماً في مزيد، سواء أكان رجلاً أم امرأة.

عضلات المرأة مختلفة

توضح المدربة الرياضية يارا ريشا أن تركيبة الجسم تختلف بشكل طبيعي بين الرجل والمرأة، وكذلك تكوين العضلات فيه، بالتالي لا يمكن التحدث عن منافسة بينهما في المباريات، مما يفسر أنه ثمة تصنيفات في الرياضة تفصل بين الجنسين. في الوقت نفسه قد تبلغ المرأة مستويات تنافس فيها الرجل وتتغلب عليه بشروط معينة، فجسم الرجل بتركيبته وبنيته هو أقوى، خصوصاً في القسم الأعلى منه، مما يفسر أن الرجل يكتسب العضلات بسرعة كبرى بالمقارنة مع المرأة، لكن بالتدريب والجهد والالتزام يمكن تحقيق نوع من المساواة.

توضح ريشا أن لنمو العضلات في جسم الإنسان حدوداً معينة، مشيرة إلى أن “ضخامة العضلات ليست طبيعية للرجل ولا للمرأة، وليس من المفترض بلوغ هذا الحد، لكن هناك من يلجأ إلى الهرمونات لبلوغ مستويات أعلى، على رغم آثارها السلبية في الصحة من نواح عديدة، إذ تؤثر سلباً في معدل الخصوبة ونمو الشعر”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة