مهمة لودريان حركة من غير بركة… كلٌ يُسرّب على هواه!
جاء لودريان… ذهب لودريان، بدأت الزيارة عند الرئيس نبيه بري وانتهت عنده، مع تصريح واضح وصريح من المبعوث الفرنسي بأنه يدعم مبادرة الحوار التي أطلقها رئيس مجلس النواب، ما أثار التساؤلات عن مرجعية لودريان الحقيقية، هل هي اللجنة الخماسية التي كانت تحدثت في بيانها الأخير عن إنتخاب الرئيس فوراً، أم هي المبادرة الفرنسية الموجودة في غرفة الانعاش منذ زمن، أم أن كلام الخماسية في بياناتها تمحوه الممارسات؟
أطراف الصراع السياسي في لبنان وجرياً على عادتهم بدأ كل طرف يُسرِّب الأخبار على هواه وطريقته بما يخدم منطقه وموقفه أمام محازبيه. فالثنائي الشيعي النشيط والموجود في موقع المبادر يتحرك في إتجاهين ويوحي بأن الأمور سائرة لمصلحته أقله في موضوع الحوار قبل الانتخاب، ففيما يسوِّق الرئيس بري وأوساطه للمبادرة التي أطلقها في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر التي تقترح حواراً لـ 7 أيام لتتوالى بعدها جلسات الانتخاب خارقاً بذلك صفوف المعارضة عبر قبول الحزب “الاشتراكي” بها وعدم ممانعة بعض نواب السنة، يتحرك “حزب الله” بشخص رئيس كتلته النيابية محمد رعد – بما يمثل من جدية وثقل – باتجاه قائد الجيش جوزيف عون صاحب الاسم المطروح بقوة للرئاسة، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية المرشح “الطبيعي” للحزب والثنائي الشيعي، في حركة أثارت حيرة المراقبين وتركت تفسيرات عدة متضاربة.
في هذا الوقت تتخبط “المعارضات” المتعددة للأسف في مواقفها بحيث لا جامع بينها إلا تقاطعها على جهاد أزعور، فبينما يؤيد الحزب “الاشتراكي” مبادرة بري، ترفضها “القوات اللبنانية” فيما يقف “التيار الوطني الحر” في الوسط محاولاً اللعب على التناقضات بين أطراف المعارضة كما بين المعارضة والثنائي الشيعي، وهذا ما جعلها تبدو وكأنها مشلولة وفي موقع “مكانك راوح” حيث لا حراك ولا مبادرات حتى بين بعضها البعض وكأنها سلَّمت ورضيت – خصوصاً الثنائي الماروني – بأن أقصى أمانيها هو عرقلة وصول سليمان فرنجية حتى ولو من دون أي أفق آخر لمرحلة ما بعده، وهذا ما جعل تسريباتها كلها تقوم حول هذا الموضوع بحيث تؤكد أوساطها لا بل وتجزم أحياناً بأن فرنجية أصبح من الماضي، وتحاول التدليل على ذلك – يا للمفارقة – بتحرك محمد رعد صوب قائد الجيش وفرنجية، الأول في محاولة للتفاهم معه باعتباره الخيار الثالث المطروح، والثاني في محاولة للتفاهم معه أيضاً بالنسبة الى المرحلة المقبلة بعد سقوط حظوظه في الرئاسة ودائماً بحسب بعض تسريبات المعارضة.
في حين أن هناك تسريبات أخرى تقول بحتمية جلسة الحوار – أو التشاور على عادة اللبنانيين في اللعب على الألفاظ – كما يطالب الرئيس بري، بما يوحي بأن المعارضة المارونية قد تقبل بالحوار مقابل تخلي الثنائي الشيعي عن فرنجية، لذلك قد تعمد أو عمدت بالفعل إلى “بيع” ورقة الحوار للمبعوث الفرنسي بدل إعطائها للرئيس بري، وهكذا تكون كمن يسجل “إنتصاراً” عبر إسقاط فرنجية من دون أن يكون بإستطاعتها “صرف” هذا الانتصار في أي تسوية مقبلة، لأن الثمن الذي قد يطالب به الثنائي الشيعي مقابل التخلي عن مرشحه لن يكون بخساً، ويمكن أن يكون على شكل ضمانات تؤمن له المردود ذاته الذي كان سيؤمنه إنتخاب فرنجية، وهكذا تبدو الأمور كما كانت دائماً أشبه بـ “طبخة بحص”، خصوصاً وأن الطرف السني يبدو مشتتاً ويتخذ البعض منه موقف الحياد – حتى الآن على الأقل – بين المتخاصمين، وهذا ما برز في الاجتماع مع لودريان بضيافة السفارة السعودية – الأمر الذي له دلالاته من عدة نواحٍ – ربما بإنتظار إجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك أو حركة الموفد القطري التي كثُر الحديث عنها مؤخراً.
في المحصلة، تبدو الحركة من غير بركة وكأنها تأتي لملء الفراغ لا أكثر، ليبقى لبنان يتخبط في أزماته على كل الصعد، ما يفتح الباب على مصراعيه على تطورات لا تحمد عقباها خصوصاً وأنه مهدد جنوباً من العدو كما من الشقيق الذي يتقاتل مع شقيقه في عين الحلوة، كذلك شمالاً وشرقاً بفعل تزايد اللجوء السوري الذي يبدو وكأنه يتم بغض نظر إن لم يكن بتدبير من النظام السوري نفسه لزيادة العبء على لبنان والضغط ربما على دول الاقليم والعالم ومقايضة عودتهم بالمساعدة في إعادة الاعمار في بلده لاحقاً.
وفي كل الأحوال، يبقى لبنان للأسف هو الخاسر الأكبر بحيث يبدو مستقبل الدولة والشعب فيه في مهب الريح بسبب تعامل كل الأطراف الداخلية معه على أنه ساحة لتصفية الحسابات وليس وطناً بمعنى الكلمة، وحتى تغيير هذه النظرة سيبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى الرحيل.
ياسين شبلي- لبنان الكبير