طروحات مغامرة ومقامرة: هل يذهب دروز السويداء ضحيّة لعبة الأمم؟
ما كاد احد مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهجري ينهي تصريحه عن “الاحتلال الايراني في سوريا، والجهاد ضد الميلشيات الايرانية وحزب الله ورفض تواجدهم على الاراضي السورية”، حتى انهالت عليه التبريكات الاميركية، وايضا من شيخ عقل الدروز في فلسطين المحتلة موفق ظريف. وقد تلقى الهجري اتصالا من السناتور الاميركي فريتش هيل وبحث معه كيفية رفع مستوى المساعدات ومنسوب الاحتجاجات، والتأكيد والحرص على الامن الشخصي للهجري، وترافق ذلك مع تغريدة مستشار ترامب وليد فارس تحدث فيها عن اتجاه اميركي لاعلان منطقة حرة في السويداء جنوب سوريا، تحدها من الجنوب الاردن، وهي على مسافة غير بعيدة من قاعدة التنف الاميركية، ومن الجولان شرقا، كما تحدث عن احتمال حصول السويداء الحرة على منطقة “حظر جوي اميركي no fly zone” امر عال جدا، واستتبع ذلك بتحركات درزية شعبية في فلسطين المحتلة، ولقاءات لموفق ظريف مع السفيرين الاميركي والروسي، ودعوات للتحرك ومساندة المتظاهرين في السويداء وحمايتهم.
هذه التطورات شكلت قلقا درزيا عارما، حتى رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي اشاد بالقائد حكمت الهجري ومواقفه ضد النظام، لكنه حذر من الاستماع الى وليد فارس وطروحاته، ورد رئيس “تيار التوحيد العربي” وئام وهاب على كلام جنبلاط رافضا قيادة الهجري،ومهاجما مواقفه معتبرا انها “مقامرة” بالدروز وتاريخهم، داعيا الى لقاء لاقطاب الطائفة عند الشيخ امين الصايغ للبحث في كل المستجدات. وكان الشيخ الصايغ اطلق نداء للمحتجين في السويداء دعاهم الى التنبه والالتزام بسقف الوطن ووحدته، متمنيا على رجال الدين الابتعاد عن المواقف السياسية، كما هاجم شيخ العقل نصر الدين الغريب عبر مدير مكتبه الشيخ مؤنس جابر مواقف الهجري بعنف.
في ظل هذه التطورات، وابتعاد الحراك في السويداء عن اهدافه الاجتماعية المحقة، وطرح شعارات سياسية كاسقاط النظام، بدأت الامور تأخذ منحا خطيرا سينعكس على كل الدروز في مناطق تواجدهم في لبنان وسوريا والاردن وفلسطين المحتلة، مع احتمال حدوث انقسامات ووقوع توترات، تحديدا بين ابناء جبل العرب، وقد تنزلق الى ما لا تحمد عقباه بين المؤيدين للدولة والمعارضين لها، خصوصا ان حجمم المشاركين في الاحتجاحات لم يتطور منذ انطلاقها، الا في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وما يعممونه من اجواء تحريضية عبر قنوات خارجية قد تجر الويلات على سوريا والدروز.
وحسب مصادر درزية، فان كلام الهجري الاخير خطير جدا، ويدخل الدروز في نفق مظلم وفي لعبة الامم وكوارثها، وتسال المصادر: ما السر وراء هجوم الهجري على حزب الله، ومخاطبته كخصم غير موجود على ارض السويداء وجبل العرب منذ دخول الحزب الى سوريا؟ ودعت المصادر الشيخ الهجري الى ان يكشف عن موقع واحد لحزب الله او ايران في السويداء، ليقوم حلفاء حزب الله من الطائفة الدرزية بالطلب من الحزب الانسحاب منه او التحرك ضد هذا الوجود.
كما سألت المصادر لماذا يريد الشيخ حكمت ان يضع الدروز في مواجهة حزب الله ومقاوميه وبيئته؟ ومن يستفيد غير “الاسرائيلي” من هذا الطرح؟ هل يعتقد الهجري ان كلامه عن حزب الله “يدغدغ” الاميركي ويدفعه الى قلب الاوضاع في السويداء واقامة الحكم الذاتي وحمايته، واعلان الحظر الجوي والتدخل المباشر؟ رغم ان هذه الطروحات باتت من الماضي، اما التحركات من اجل لقمة العيش فهي مدعومة من كل السوريين الذين يعرفون ان الحصار الاميركي وراء كل معاناتهم.
واشارت المصادر الدرزية الى ان ان البعض وللاسف يدير آذانه للخارج الذي يبيع اوهاما فقط، ويعمم تخيلات من رابع المستحيلات تحقيقها على ارض الواقع، فمرحلة ٢٠١١ انتهت ولن تعود، وتقسيم سوريا سقط مع صمود الجيش السوري. واحلام المجانين في اميركا غادرها اصحابها، فيما العرب يعودون اليوم الى دمشق واكتشفوا مدى اخطائهم بحقها، اضافة الى ان اميركا في الـ٢٠٢٣ غير اميركا ٢٠١١. وسألت المصادر هل يعلم اصحاب الشعارات في السويداء ان مطالبتهم باسقاط النظام يعني سقوط روسيا وايران وكل محور المقاومة؟ فهذا يكلف بحورا من الدماء والدموع، ويدخل الدروز في محاور جهنمية لا ترحم، ولا مكان فيها للاعبين الصغار، كما تكلفهم اضعاف ما دفعه الاكراد دون اي انجاز، ورغم ذلك يصر بعض الاقطاب الدروز في السويداء “السباحة عكس التيار”، والاصرار على ادخالهم في مواجهات لايعرف احدا متى تنتهي.
وتسأل المصادر الدرزية الشيخ الهجري لماذا لم يعلن الجهاد ضد القوات الاميركية في التنف، والقوات التركية و”داعش” و”النصرة” الذين قتلوا دروز ادلب؟ لماذا لم يعلن الجهاد ضد القوات “الاسرائيلية” وحتى الروسية؟ هل تشمل دعوته انسحاب حزب الله من الجولان والمواقع المواجهة للاحتلال؟ لماذا لم يعلن الجهاد لتحرير الجولان والقتال ضد مصادرة اراضي الدروز؟ ما هو موقف الشيخ الهجري من سرقة الاميركيين للنفط السوري وممارسة الحصار الخانق على كل السوريين واهل السويداء؟
كما تسأل المصادر ايضا ما علاقة الشعارات الاخيرة للشيخ الهجري بالمطالب الاجتماعية للدرو ؟ هل يعلم ان مواقفه الاخيرة تمثل هلاكا لابناء العشيرة المعروفية؟ ومن قال ان سوريا ذاهبة للتقسيم والفيدرالية، وان منطقة الزرقاء من الاردن وصولا الى السويداء وجبل الشيخ وشبعا وحاصبيا ستتحول الى ” حزام امني” لحماية “اسرائيل” بغطاء دولي؟ وتدعو المصادر الشيخ الهجري الى التعامل مع المرحلة الحالية بحكمة، كي لا تنزلق الامور نحو الخراب والفوضى، لان احداث السويداء ليس لها اي صدى عربي، والاهتمام اميركي – “اسرائيلي” فقط، وباتت الشعارات المطالبة باسقاط الرئيس بشار الاسد من الماضي، حيث العرب يعودون الى حضنها.
ورغم خطورة الشعارات الاخيرة في السويداء، فان المصادر الدرزية تؤكد ان توجيهات الرئيس الاسد ما زالت حازمة، لجهة ترك المحتجين في ساحة السويداء، ورفض اي تعامل امني معهم، خصوصا ان الاتصالات ادت الى عودة اجهزة الدولة الى عملها، ودخول فاعليات درزية لضبط الاجواء والتهدئة وعدم الانجرار الى لعبة الدم، وقاموا بتوزيع “المناسف” على المحتجين والموظفين في ادارات الدولة والمتواجدين في مركز حزب البعث الرئيسي، بعد ان حاول المحتجون اقفاله، فتعرضوا لاطلاق النار وسقط ٤ جرحى. بالمقابل حاول العديد من المحتجين التخفيف من تصاريح الهجري، والتأكيد على ان تحركاتهم كفلها الدستور السوري ويعملون تحت سقفه، مع الرفض المطلق لاي شعارات تمس بوحدة سوريا.
الاوضاع في السويداء خطيرة جدا مع تطورات الايام الماضية، والطروحات المغامرة والمقامرة بمستقبل الدروز ووجودهم في هذه المنطقة، بعد ان تحولت المطالب الاجتماعية المحقة الى شعارات كبرى، هي نفسها التي خربت كل العالم العربي، فكيف باقلية دفعت الكثير ولا زالت تدفع من اجل الوجود والبقاء فقط؟
رضوان الذيب- الديار