ناجي حايك نجم المرحلة المقبلة: باسيل “البشيريّ” يعيّنه نائباً له بعد تراكم الخسارات!
حدثان تزامنا تقريباً. الأوّل هو حلول الذكرى الـ41 لاغتيال الرئيس بشير الجميّل في 14 أيلول، والثاني هو احتفال التيار الوطني الحر بولاية جديدة لرئيسه ونوّابه. غير أنّ احتفال هذا العام جاء مصحوباً بعاملين: الأوّل هو عودة التيار إلى روحيّة الجميّل كما جاء على لسان رئيسه جبران باسيل في قوله: “بـ 14 أيلول 82، كتار كنّا يلّي بكينا. شو ما كنّا بوقتها ووين ما نحنا اليوم، التقينا بـ 21 يوم على حلم الجمهورية مع البشير… وهيدا الحلم هو يلّي بعدنا عم نعيشه لليوم، لأن نحنا ما منعرف وما بدّنا نعيش إلّا بالدولة، وحقنا يكون عنّا الجمهورية الفاضلة، بلبنان القوي”.
باسيل ومحبّة بشير
أظهر باسيل مشاركته في السباق مع القوات والكتائب على “محبّة” بشير، في مؤشّر إلى أنّ طيف الرئيس الراحل ما يزال يطغى على مفهوم السياسة المسيحية في لبنان. العامل الثاني، المتزامن، هو اندلاع سجال وصل إلى حدّ الاشتباك بين جمهورَي حليفَي الأمس التيّار والحزب. عيّن رئيس التيار جبران باسيل نواباً له، كما جرت العادة، وهذه المرّة عيّن نائباً له ناجي حايك للعلاقات الخارجية، وربيع عواد للعلاقات الوطنية. وللتعيينين ولهذه الخطوة أهمية كبرى لقراءة مسار التيار الوطني الحرّ المقبل على معركة انتخابية نيابية شرسة بعد أكثر من عامين. ناجي حايك صاحب المواقف اليمينية مسيحياً، الذي يعدّ نفسه من المؤمنين بأفكار بشير الجميّل، اختاره باسيل نائباً له في منعطف علاقته مع الحزب، وربيع عواد الجبيليّ الشيعي التيّاري، اختاره باسيل نائباً له في العلاقات الوطنية بما فيها العلاقة مع الأحزاب اليسارية. في لحظة ارتباك العلاقة بين التيار وحليفه، وإعادة تموضعه قي الساحة الداخلية، لا بدّ من قراءة خطوة باسيل هذه بما فيها من معانٍ في السياسة.
من خريش إلى حايك: تبدّل المسار منذ عام 2006، واتّخذ يومها رئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون مسار “المشرقية” الذي تمثّل بدايةً في توقيع ورقة التفاهم مع الحزب، وتلاه توجُّه الزعيم المسيحي الأكثر شعبية إلى سوريا، ثمّ إيران، في زيارة تاريخية نقلت المزاج المسيحي إلى مكان بعيد جدّاً من المزاج العامّ منذ ما قبل الحرب اللبنانية. يومذاك اعتُبرت هذه النقلةُ نوعيّةً لما كان يفترض أن تؤدّي إليه من خلق مزاج وطني وكسر حواجز طائفية وإيجاد بيئة وطنية هادفة إلى بناء دولة ومجتمع منصهر يكون رافعة النهوض. كان ذلك قبل دخول السلطة من بابها العريض وقبل تراكم الخسارات لألف سبب وسبب، أحدها تحوُّل العلاقة بين الحزب والتيار إلى مصلحة نفعية في الدولة أدّت إلى تهالك كلّ ما طُرح من أهداف “سامية” لذلك الاتفاق. ولكن في سنوات الحلف وضع رئيس التيار جبران باسيل مي خريش نائبة له، تعبيراً عن مزاج تيّاره وقتئذ. خريش معروفة بتاريخ عائلتها الدموي مع القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع الذي اتّهمته باغتيال عمّها المونسنيور ألبير خريش، وهي من خلفيّة تحاكي “الاعتدال” الذي كان يتغنّى به التيار بعد تفاهم مار مخايل.
من خريش إلى حايك: تبدّل المسار منذ عام 2006، واتّخذ يومها رئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون مسار “المشرقية” الذي تمثّل بدايةً في توقيع ورقة التفاهم مع الحزب، وتلاه توجُّه الزعيم المسيحي الأكثر شعبية إلى سوريا، ثمّ إيران، في زيارة تاريخية نقلت المزاج المسيحي إلى مكان بعيد جدّاً من المزاج العامّ منذ ما قبل الحرب اللبنانية. يومذاك اعتُبرت هذه النقلةُ نوعيّةً لما كان يفترض أن تؤدّي إليه من خلق مزاج وطني وكسر حواجز طائفية وإيجاد بيئة وطنية هادفة إلى بناء دولة ومجتمع منصهر يكون رافعة النهوض. كان ذلك قبل دخول السلطة من بابها العريض وقبل تراكم الخسارات لألف سبب وسبب، أحدها تحوُّل العلاقة بين الحزب والتيار إلى مصلحة نفعية في الدولة أدّت إلى تهالك كلّ ما طُرح من أهداف “سامية” لذلك الاتفاق. ولكن في سنوات الحلف وضع رئيس التيار جبران باسيل مي خريش نائبة له، تعبيراً عن مزاج تيّاره وقتئذ. خريش معروفة بتاريخ عائلتها الدموي مع القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع الذي اتّهمته باغتيال عمّها المونسنيور ألبير خريش، وهي من خلفيّة تحاكي “الاعتدال” الذي كان يتغنّى به التيار بعد تفاهم مار مخايل.
سقوط النظريّات
سقطت اليوم كلّ النظريات التي حكمت المشهد العامّ منذ التفاهم، وعاد الجميع إلى قواعده مع تراكم الخسارات. في سنوات “الاعتدال” بقيت أصوات دُعيت باليمينية. أبرز هذه الأصوات هو الدكتور ناجي حايك الذي أصبح اليوم نائباً لباسيل في خطوة أقلّ ما يُقال فيها أنّها تعبّر عن واقع لا بدّ من الاعتراف به. مواقف حايك طالما عبّرت عن مزاج كان مغيّباً من شارع التيار، يحاكي العصب المسيحي الذي تتقدّم فيه القوات اللبنانية. اليوم ما عاد نافعاً تغييب هذا الصوت بعد سقوط خطاب الاعتدال بفعل سوء العلاقة مع الحزب، وأصبح يقيناً أنّ ناجي حايك ليس إلّا انعكاساً لبيئة مسيحية حاضرة جداً، ووجدان مسيحي لم يتبدّل بل هو امتداد وخلاصة لتجربة الأحزاب المسيحية قبل الحرب اللبنانية وبعدها.
من يعرف ناجي حايك يعرف تاريخه “النضالي” جيّداً. فهو كان منتدَباً من داني شمعون لتشجيع الشباب على الانخراط في الجيش. بين “الأحرار” وقائد الجيش ميشال عون يومها، عمل حايك على ملفّات حسّاسة جداً، واستمرّ بعمله في السنوات اللاحقة من دون أن يتولّى مناصب رسمية. يقول حايك، وهو طبيب نال شهاداته من نيويورك في الولايات المتحدة، لـ”أساس”: أنا مؤدلج وسأعمل واجبي تجاه لبنان والتيار، وعملي هو لحرّية لبنان لا بحسب مصالحي الشخصية ولا بحسب آراء الناس فيّ”. في الساعات الأخيرة، انتشرت لحايك مواقف متعدّدة متعلّقة بإسرائيل والحزب، وانتقد كثيرون باسيل على تعيينه.
علّقت مصادر في التيار على كلّ الانتقادات بالقول إنّ “باسيل نفسه أعلن من على قناة الميادين أن لا مشكلة أيديولوجية للتيار مع إسرائيل، وأنّ حلّ هذا الصراع هو في المبادرة العربية للسلام. فلماذا المفاجأة من موقف ناجي حايك؟”. في تراكم الأحداث وتوصيفها أو قراءتها وفق الموروثات الثقافية والاجتماعية والسياسية والطائفية، كتب كثيرون عن عمق الوجدان المسيحي الذي يظهر في منعطفات مفصليّة. وُوجِهت هذه الكتابات بانتقادات ظنّاً أنّها لا تحاكي الواقع. ليس تعيين ناجي حايك وحده اليوم دليلاً على أنّ ثمّة ما يجب الاعتراف به أوّلاً قبل قراءته ومناقشته عميقاً في المجتمع والذاكرة اللبنانية، بل إنّ مراقبة التعليقات بين جمهورَي حليفَي الأمس كافية لإدراك حجم الاختلاف وأنّ الالتقاء لم يكن إلّا على مصالح مشتركة لم تنسحب إلى القواعد.
قرّر اليوم باسيل في خطابه أن يقترب من حزب القوات أكثر لأنّ الواقع أثبت له أنّ عصب الشارع المسيحي هناك، وأنّ الحلف مع الحزب راكم سلطة ومالاً لكنّه لم يراكم شعبية. بعد عامين ونيّف يخوض التيار انتخابات نيابية يستعدّ لها منذ اليوم. من جهة لا مصلحة للحزب بتعاظم قوّة حزب القوات على حساب التيار، ومن جهة أخرى لا يستطيع باسيل منافسة جعجع مسيحياً بعيداً عن خطاب بشير. ناجي حايك سيكون نجم المرحلة المقبلة.
جوزفين ديب- اساس