قبل الانزلاق الى الفوضى الشاملة: هذا ما قاله لودريان… عن الرئيس الماروني!

لم نعد نملك الكثير من الوقت قبل الانزلاق الى الفوضى الشاملة فالاثقال اصبحت هائلة وهامش المناورة ضاق كثيرا، بدءاً من الوضع المالي والذي لم يعد امامه سوى اسابيع معدودة تسمح له بالصمود قبل انهيار واسع وغير محدود، ومروراً بتدفق النازحين السوريين وهو ما دفعَ قبرص لدق ناقوس الخطر والتحذير من انهيار السد اللبناني وذلك للمرة الاولى، وآخراً وليس اخيراً بالاستقرار الامني الهش الذي تؤمنه بشق النفس المؤسسة العسكرية التي تقف امام استحقاق نهاية ولاية قائد الجيش وسط تناطح القوى السياسية للاستحواذ على قرارها وتوظيفه ضمن مكتسباتها في لعبة الصراع على النفوذ.

وامام انعدام الحلول الداخلية كان من المنطقي التركيز على حركة دولية ضاغطة لفرض تسوية داخلية تحاكي التوازنات الاقليمية وهو ما اعتاد لبنان على حدوثه في مراحل تاريخية مشابهة. ومع انتهاء الزيارة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان من دون نتيجة حاسمة ولكن مع اشارات متعددة، فإنه لا بد من متابعة محطات خارجية عدة سيكون للبنان حصة وازنة فيها.

لذلك سيطير لودريان الى الامم المتحدة للمشاركة في اجتماع للدول الخمس على هامش اعمال الامم المتحدة. في الواقع يجتمع زعماء العالم في الامم المتحدة كما في كل عام، ولكن هذه المرة على وَقع الحرب في اوكرانيا والانقسام العالمي الجديد بين معسكر الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة واوروبا من جهة اخرى، ولو انّ الامور لم تصل بعد الى ما يشبه حقبة الحرب الباردة ايام الاتحاد السوفياتي، وحضور الرئيس الاوكراني زيلنسكي للمرة الاولى منذ بدء الحرب الاوكرانية سيدفع للتركيز من دون شك على الحرب الاوكرانية. الا ان التنافس العريض بين واشنطن وبكين خصوصا باتجاه الدول النامية، سيكون حاضرا بثقله لا سيما في القاعات الجانبية وهو ما يعني استتباعاً حضور الشرق الاوسط وعملية اعادة رسم خارطة النفوذ السياسي فيه، ولا سيما وسط مشاريع الربط الاقتصادي الضخمة من المشروع الهندي – السعودي الى مشروع طريق الحرير الصيني. لكن هذا التنافس الاميركي – الصيني والذي بدأ يلامس حدود الصراع، يبقى مضبوطاً وفق حدود معينة وعناوين محددة خصوصا في بعض ساحات الشرق الاوسط ومنها لبنان.

وعلى سبيل المثال فإنّ الذهاب الى فوضى امنية واسعة مسألة ترفضها واشنطن كما موسكو التي تخشى على مصالحها في سوريا.

ومن هذه الزاوية يمكن تفسير الموقفَين الصيني والروسي خلال جلسة مجلس الامن للتصويت على قرار التجديد لقوات الطوارئ الدولية لسنة اضافية. فلم تعمد الصين وروسيا الى منع صدور القرار رغم الصيغة التي اعتمدت والتي عارضها “حزب الله” بقوة. وايضا لم تبدِ ايّ من هاتين الدولتين الحليفتين لإيران و”حزب الله” اي اشارة تأييد لتعديل الدستور اللبناني والذهاب الى صيغة حكم جديدة.

ونقل في هذا الاطار عن الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان قوله لإحدى الشخصيات اللبنانية مطلع الصيف، اي غداة ايلائه مهمته اللبنانية، ان الازمة التي يعيشها لبنان والناتجة عن الفراغ الرئاسي اظهرت انّ التركيبة اللبنانية بحاجة الى رئيس للجمهورية من الطائفة المسيحية. وتابع لودريان، والذي كان انهى لتوّه دراسة الملف اللبناني وبعض البنود الدستورية فيه، بأنه كما انّ العراق بحاجة لرئيس من الاكراد فإنّ لبنان ومع فارق الصلاحيات والدور بحاجة لاستمرارر الصيغة كما هي، وانّ معظم الصلاحيات التي كانت قد أخذت من رئاسة الجمهورية لم يكن يستخدمها الرئيس اصلاً بسبب التركيبة الداخلية اللبنانية.

وبالعودة الى الامم المتحدة فإنّ الاجتماع المرتقب للدول الخمس، سيستفيد من المناخ الدولي لوضع برنامج تحرّكه وهو ما سيظهر في بيانه.

وقد تكون النقطة الاهم في هذا المجال الموقف السعودي لناحية قرار الدخول الفاعل على ملف التسوية اللبنانية. حتى الآن ما يزال الدور السعودي تجاه الملفين اللبناني والسوري في اطار المراقبة والاطلاع والمتابعة وابداء الرأي، لكنه لم يصل بعد الى مرحلة الانخراط الفعلي ولذلك اسبابه، واهمها قرار الرياض بعدم الانتقال الى سوريا ولبنان إلا بعد تحقيق الخطوات المطلوبة في الملف اليمني. وهذه الخطوة بمثابة الضغط على واشنطن وغيرها من العواصم. وخلال الايام الماضية حصل تقدم كبير في الملف اليمني بعد قدوم وفد حوثي الى السعودية والبدء بمفاوضات التسوية وسط اعطاء تصاريح متفائلة. وخلال الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الايراني الى بيروت ابلغ عبد اللهيان قيادة “حزب الله” كما مسؤولين لبنانيين بما سيحصل، وقد ذكرنا ذلك في مقال سابق، ووصول وفد حوثي الى الرياض هو تطور ايجابي جدا وامتداد لمفاوضات امتدت لأكثر من سنة برعاية الوسيط العماني.

وفي خطوة متزامنة عقد في بيروت في دار السفير السعودي وبدعوة منه لقاء مع معظم النواب السنة بحضور ومشاركة الموفد الرئاسي الفرنسي.

هي خطوة سعودية متقدمة من دون شك وتحمل عدة معان، لكنها لم ترقَ بعد الى مستوى الانخراط السعودي الفعلي والكامل في التسوية اللبنانية. ومن معاني المشاركة الفرنسية الاشارة الى التفاهم الفرنسي – السعودي وهو ما ارادت باريس إظهاره بوضوح. ويتقاطع ذلك مع الرسالة الاهم التي حملتها الجولة الثالثة للودريان، والتي تؤشر الى انتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة. وجرى تدعيم ذلك بإشارة لودريان باستمرار مهمته من خلال ابلاغه اللبنانيين بأنه عائد بعد اسبوعين او ثلاثة الى لبنان.

الواضح ان لودريان يريد ان يقف فعلياً على الجديد الدولي في الامم المتحدة وهو ما سيظهر في ما يمكن ان يصدر عن لقاء اللجنة الخماسية. اضف الى ذلك الاجتماع الذي اعلن عنه بين رأس الكنيسة الكاثوليكية المهتمّ الى حد الالحاح بالملف اللبناني وبين الرئيس الفرنسي. هذا الاجتماع الذي سيليه بعد ايام وتحديدا في 25 ايلول الاجتماع الفاتيكاني بشخص امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين والفرنسي بشخص رئيس الخلية الديبلوماسية في قصر الايليزيه السفير ايمانويل بون والاميركي عبر موفد لم يتمّ تحديد هويته بعد حتى الساعة، والذي على الارجح سيكون موقعه تنفيذي وعملي. وفي هذا الاجتماع سيحتل لبنان مساحة اساسية على جدول الاعمال.

والى جانب ذلك هنالك الحركة القطرية والتي تعمل بالتنسيق الكامل مع السعودية وهذا ما يفسّر الحدود المضبوطة للموفدين القطريين حتى الآن. فالحضور القطري يؤشر بوضوح الى الدور المستقبلي لقطر في لبنان وهو ما يظهر من خلال الشراكة في ملف استخراج الغاز من بحر لبنان.

صحيح انّ الاسلوب القطري معروف عنه تحفّظه وبعده عن “الدوشة” الاعلامية، الا ان لهذا التحفظ سببا اضافيا يعود الى ان التوقيت لم يسمح بعد بفتح العنان لكي تعمل محركاته بأقصى قدراتها، ولو ان المطلوب البقاء في الساحة وعدم ترك فراغات وملء الوقت بالاستطلاع ووضع التصورات الى حين دنو التوقيت المناسب. ولأن الظروف لا تحتمل ترف الانتظار طويلا وبالتالي عدم تجاوز نهاية العام الحالي بسبب مخاطر الوقوع في الفوضى الشاملة وخطر التفكك على الارض، فإنّ اشارات معبّرة صدرت من الساحة اللبنانية وتنتظر من يلاقيها. كمثل الاشارة الاميركية البليغة من خلال صورة العشاء عند قائد الجيش والكلام البليغ الذي كتب تحتها، واللقاء المدروس بعد يومين بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد والعماد جوزف عون والذي وضع في خانة الرد على الاشارة الاميركية. والجواب الاهم يأتي من التفاهمات الاميركية مع “حزب الله” وانجاز التسوية المطلوبة، والتي ستظلل المرحلة المقبلة خصوصا بعدما توضحت الحدود الاقليمية في الداخل اللبناني. ومن هنا لا يجب التقليل من اهمية زيارة المستشار الرئاسي الاميركي هوكستين، والرسائل التي حملها والتطورات حول الملف الحدودي اللبناني.

جوني منيّر- الجمهورية

مقالات ذات صلة