القصص تعيش حين نصوّرها :الفيديو كليب ضرورة أم كمالية؟
يصرّ المخرج سمير سرياني على تحلّي الفيديو كليب بالأهمية، وإن أتاح الزمن لمَن يحمل هاتفاً الاحتفاظ باللقطات ومَنْتَجتها لتتحوّل إلى مقطع مصوَّر. المخرج فادي حداد يتحدّث عن «ضرورة أكبر للكليب الذي لا غنى عنه في أي عصر». يشاركه المخرج إيلي فهد النظرة، انطلاقاً من يقين مفاده أن لا شيء يستميل الآخرين بقدر الحكايات.
الثلاثة يناقشون إشكالية: ماذا تغيَّر؟ وأي شكل تتخذه التحدّيات؟ يُجمعون في حديث مع «الشرق الأوسط» على رَبْط صورة (Image) الفنان بالكليب المُنفَّذ بأناقة. برأيهم، التصوير المتسرّع بغرض التحميل على «إنستغرام» أو «تيك توك» لا يصنع القيمة المُشتهاة. ذلك للقول إنّ الكليب هو الرصيد وبيت القصيد.
يعود فادي حداد إلى اضطراب السوق إثر «الكوفيد» وتأثُّر الصناعة الفنية برمّتها. ككل لبناني، يُعدِّد ما تلا الوباء: انفجار، وانهيار، وأنواع صفع أخرى. يضيف إلى المواجع ما تعرّض له فنانون من نهب ودائع في المصارف: «كنا الأكثر إنتاجاً في المنطقة، وحلَّ التراجع. الفنانون العرب في حال أفضل حيال تصوير أغنياتهم. مع ذلك، ثمة محاولة لعودة تُحسب».
شأنٌ مغاير لدى سمير سرياني إنِ انتشرت أغنية من دون الحاجة إلى تصويرها، فذلك توفيق. يصدق بقوله إنّ أحداً لا يتوقّع النتيجة مهما خطّط ورفع السقوف. برأيه، تبقى للصورة حميميتها: «يَعْلق في الأذهان ما يتحرّك. حين أستمع إلى أغنية وأتخيّل مَشاهدها المصوّرة، أشعر بأنها تعني شيئاً. القصص تعيش حين نصوّرها».
يسمّي فهد الفيديو كليب «حالة»: «من خلاله نسافر ونعود. اليوم، يشتدّ الإلحاح عليه؛ لكونه أصبح مرئياً أكثر. في الماضي، كان الفنان يصوّر أغنية من الألبوم، لكنّ الـ(سي دي) كاملاً يشمله الوصول. تختلف المقاربة الآن. فالأغنية التي لا تُصوَّر أو تُرفَق بمشهدية، تضلّ طريقها إلى الجمهور».
بالنسبة إليه، «اختلفت التقنيات ومستوى عمق الأشياء. الذوق اختلف أيضاً، مما يحرّض على مطاردة الأجمل. المنصات والتطبيقات وضعت المخرج أمام تحدّيات. عليه البحث عن جديد، وسط ضخّ الصور والأفكار والفيديوهات على مدار الساعة».
يوافق سمير سرياني: «في الماضي، كان الكليب وظيفة المخرج وحده. اليوم، الجميع مخرجون، وهنا الخطر!». يتحدّث عن خفوت حماسة فنانين حيال صناعة الكليبات، بذريعة أنّ الأغنية تصل من خلال «تيك توك» وما يدور في فلكه: «ليس صحيحاً أنّ الجمهور لا يلحظ الفارق، أو أنه كفَّ عن الاهتمام بالمستوى. على العكس. ما يستقبله باستخفاف على مواقع التواصل، يرجو نقيضه حين يتعلّق الأمر بفنانه المفضّل. أقول لكل فنان ينعى ضرورة الفيديو كليب، إنّ الأمر مغاير لهذا النحو. مواقع التواصل تُساعد، لكنها لا تعوِّض».
يدعو فادي حداد الفنانين ليُقدِموا: «وَقْع الكليب قوي عند المتلقي، من خلاله تَعْلق الأغنية وتتوهّج الجماهيرية». بدوره، يصف فيديوهات مواقع التواصل بـ«الضئيلة القيمة، لا بُعد سينمائياً لها، وتُصوَّر بالطول». ذلك ليؤكد أنها «لا تنوب عن الكليب، فلا الوجه يُصوَّر ببراعة ولا الألوان مُتقنة. حتى (الفلاتر) تشوبها العيوب، والإنتاج يخلو من الضخامة».
لا يخفي أنّ الصناعة اليوم تشترط تكثيف الجهد: «النوعية قد تُناط بتوافر المال، لكن الأفكار الخلاقة هي المَهمَّة الأصعب. وحدها الفكرة المبدعة تُبقي المخرج واقفاً على قدمين. فيديوهات مواقع التواصل تتسبّب باستهلاك معظم الأفكار. ملايين الهواتف تصوّر الشمس والبحر. الـ(ريل) في النهاية فيديو كليب قصير».
إيلي فهد أيضاً يعترف بالصعوبة: «اليوم، تدوم الأشياء لمدة أقصر. ضمان البقاء مسألة شاقة. في الماضي، كنا نشاهد الكليبات قبل نشرة الأخبار وبأعداد محدودة. اليوم، الأعمال بالجُملة ومن كل صوب. السرعة لا تساعد، لكنها تُفعِّل التحدّي لدى المخرج. عليه السعي إلى أشياء تبقى. التحدّي صعب، يضعنا تحت الضغط ويفرض البحث طوال الوقت عن جديد».
يعود إلى أيام «أرغَمَنا فيها التلفزيون على تقبُّل الأشياء»، ليقول: «كنا نُشاهد، لأنْ لا خيار آخر. اليوم، ابن السنوات الخمس يُبدي رأيه في المحتوى ويقرّر أيّه يُعجبه وأيّه يُسبّب نفوره. لم تعد العملية الإبداعية محدودة بسقف. كلَّما (جنَّت) الأفكار، تحلَّت!». يعطي كليب هيفاء وهبي «ما بضعفش» مثالاً: «هو شريط بالأبيض والأسود، حصد إجماعاً على صنفه الجديد. العملية الإبداعية تدفع المخرج أحياناً إلى أماكن في غاية البساطة حيث تكمن الجمالية».
برأي فهد، «إن غنّت شابة تحت شجرة، فلن يشاهدها أحد. على الفكرة التسبُّب بخضّة لتنتشر». ينطلق من حقيقة أنّ «جمهوراً جديداً بات يشكّل المعادلة»، ليقول: «أحبّ هذا العصر الذي يتيح لمراهق مثلاً إصدار فيديو خاص. هذا مهم. حين كنتُ مراهقاً، تساءلتُ عن كيفية الوصول وسُبل الانتشار. هذا العصر ينبّه إلى ما يحبه الجمهور وينتظره، ويفتح الأبواب العريضة»، إلا أنّ سمير سرياني يتحدّث عن «معاناة مع الميزانيات»: «وُلد ظنّ بأنّ التسويق لأغنية من خلال مواقع التواصل يحدّ المصاريف، ولا داعي للكليب بميزانية كبيرة. هذا يضرّ بتنفيذ الأفكار». خلاصة فادي حداد: «الكليب قد يمرض، لكنه لا يموت. الفنان من دونه أقرب إلى (تيك توكر) منه إلى صاحب (برستيج)».
فاطمة عبدالله- الشرق الاوسط